رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تنقيح أعمال نجيب محفوظ يثير حفيظة المثقفين: إهانة لإرث أديب عظيم

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

أعرب مثقفون وكتاب عن غضبهم من البيان الذي أصدرته دار ديوان للنشر، حول استعدادها لنشر الأعمال الكاملة للروائي نجيب محفوظ، مصدر القلق والغضب مما جاء في البيان حول تنقيح ومراجعة أعمال أديب نوبل نجيب محفوظ، خاصة وأن "ديوان" أعلنت في بيانها عن حصولها على الحقوق الحصرية لنشر أعمال نجيب محفوظ الكاملة لمدة 15 سنة.

وفي هذا الصدد قال الكاتب أحمد الخميسي: جاء في بيان صدر عن دار النشر "ديوان" أنها سوف تنشر أعمال نجيب محفوظ "منقحة ومراجعة"، ولا يعرف تاريخ الأدب العربي ولا العالمي جرأة كتلك تتجسد في أن يقوم بعض المجهولين لنا وللفكر بتنقيح أعمال الأديب العظيم التي تعد جزءا حيا من صميم التاريخ والوجدان المصري.

ـ  مسحة دينية للتربح
وتابع "الخميسي: والآن هناك سؤالان: من هم أولئك الأدباء العظام في دار " ديوان" الذين سوف "ينقحون" روايات محفوظ؟ هل يحسنون كتابة أسمائهم باللغة العربية أم مازالوا يتدربون على ذلك؟، من في مصر كلها يجرؤ على ذلك؟! ثانيا هل يجوز من الأساس تغيير التاريخ الأدبي؟ هل يجوز لنا الآن من باب اللياقة أن نحذف من تاريخ الثقافة هجوم العقاد العنيف على أحمد شوقي؟ هل يجوز لنا الآن من باب التربح أن نضفي مسحة دينية على مؤلفات سلامة موسى لتصبح مناسبة للبيع واعتصار المزيد من الأرباح؟ وهل يجوز الآن لأي دار نشر أن تعيد تنقيح دعاء الكروان لطه حسين فتدرج فيها عدة مشاهد جنسية حارة من باب التربح واسترضاء فئة من الجمهور؟!.

إن تنقيح أعمال نجيب محفوظ يشبه الدعوة إلى تعديل بناء الأهرامات الثلاثة لتصبح عصرية ومناسبة للسياحة والتجارة، لا يمكن القبول بالمساس بالتاريخ، ولا القبول بإهانة أديب عظيم عكف طوال عمره على الأدب واللغة ليضع بوعي ورهافة كلمة هنا، ولا يضع كلمة أخرى هناك إننا لا نمس التاريخ ارفعوا أيديكم عن نجيب محفوظ، وكفوا عن التربح من وراء أعماله وعلينا أن نعلم أننا إذا أطلقنا مدافعنا على الماضي فسوف يفتح المستقبل نيرانه علينا.

المحافظة على تراث نجيب للأجيال القادمة
ومن جانبه قال الكاتب السيد نجم: هناك شق قانونى يخص الإعلان عن حصول ديوان حصريا لحقوق النشر خاصة بأعمال الروائى نجيب محفوظ، وهذا الشق رهن الاختبار وقيام رجال القانون بعامة وخاصة الأدباء منهم بالمتابعة، وفى هذا أدعو نقابة اتحاد الكتاب أن تتكفل بتشكيل لجنة قانونية من الأدباء القانونيين لمتابعته.

وتابع "نجم" أما الشق الأدبي فهو من السند الهام لجماعة القانونيين، يتكفل به كافة الأدباء للمتابعة وإبداء الرأى حول أية مخالفة قد تسيء لتراث محفوظ وهو تراث مصرى وطنى قبل أن يخص الكاتب الرائد ومن هنا لابد من توافر نافذة تتولى جمع وعرض تلك الملاحظات.

ويبدو أن الموكل به لتلك المهمة نقابة الاتحاد أيضا وليس بالضرورة المقر الرئيسى، بل كل فروع نقابة اتحاد الكتاب. إلا أنه فى الأول والأخير لن نسيئ الظن فقط نراعي الحيطة والحذر من أجل تراث قومي للأجيال القادمة.

ــ نجيب محفوظ مصدر رزق
ومن جانبه قال الشاعر أحمد فضل شبلول: في بعض حواراته الأخيرة ذكر كاتبنا الأكبر نجيب محفوظ أن حياته بدأتْ بإهمال طويل، وتنتهي باهتمام كبير. فقد كتب صاحب "الثلاثية" ثلاث روايات في فجر شبابه، ورفضها الناشرون، فلم ييأس وكتب الرواية الرابعة التي نشرها سلامة موسى تحت عنوان "عبث الأقدار" عام 1939. ولم أجد من كتابنا المعاصرين من ينطبق عليه بيت المتنبي الخالد: أنام ملء جفوني عن شواردها  ويسهر الخلق جرّاها ويختصمُ؛ سوى صاحب "أولاد حارتنا".

ويحدثنا نجيب محفوظ أنه كانت من أمنيات الموسيقار عبدالحليم نويرة تحويل رواية "رادوبيس" إلى أوبريت موسيقي، وعرض الرواية بالفعل على عدد من الشعراء الكبار مثل أحمد رامي لتحويلها إلى أشعار يسهل تلحينها، ولكنهم رفضوا لأن اسمه لم يكن معروفا لديهم في ذلك الوقت، وكان ذلك عام 1943.

الآن يتسابق الناشرون على نشر، وإعادة نشر، أعمال نجيب محفوظ بعد المجد الأدبي الذي حققه خلال عمره الطويل الذي امتد إلى خمسة وتسعين عاما (1911 – 2006). وكان محفوظ يرى خلالها أن النشر هو المجد الأعظم والمتعة التي لا تعلوها متعة بالنسبة للكاتب، ولم ينظر إليه على أنه مصدر رزق أبدا. لكنه أضحى الآن – بعد وفاته بخمسة عشر عاما - مصدر رزق لناشري أعماله.

وتابع "شبلول" موضحا: وقد قرأت مؤخرا خبر حصول إحدى دور النشر المصرية على الحقوق الحصرية لنشر الأعمال الكاملة لصاحب نوبل، لمدة 15 عاما تبدأ من مايو القادم، وأعلنت تلك الدار بأنها تعتزم إعادة إحياء تراث نجيب محفوظ وتقديم أعماله المنقحة والمراجعة بأحدث تقنيات النشر الورقي والرقمي والصوتي، والعمل على تمديد أثره الفكري وحفظ إرثه الأدبي الفريد.
كما شاهدت مداخلة تلفزيونية في برنامج الإعلامي والروائي إبراهيم عيسى "حديث القاهرة" مع ناشر آخر هو مؤسسة هنداوي، تتحدث عن الموضوع نفسه.
وكأن هناك شيئا ما، أو صراعا ما، بين مكتبة ديوان، ومؤسسة هنداوي حول من يفوز بتراث نجيب محفوظ. وكأن هذه الأعمال الكاملة غير منشورة من قبل، وكأنها غير متاحة بالمجان على بعض المواقع الإلكترونية، وكأن تراث نجيب محفوظ غير محفوظ في متحفه بشارع التبليطة بمنطقة الأزهر في القاهرة الفاطمية، وكأننا لم نقرأ تراثه وأعماله من قبل، وكأن رواياته وقصصه ومسرحياته ومقالاته غير منشورة نشر ورقيا من قبل، وكأن تلك الأعمال غير موجودة في المكتبات ولدى بائعي الكتب والمجلات في الطرقات العامة، أو أنها نفدت لدى تلك المكتبات والباعة.

طبعا أمر إعادة نشر تلك الأعمال التي نشرتها من قبل جهات أخرى مثل مكتبة مصر، ومكتبة الشروق وغيرهما، تعود إلى صاحبة الحق الأصيل في هذا الأمر، وهي ابنته أم كلثوم (هدى) أطال الله في عمرها.
والأولى أن نفكر في طريقة جديدة ومبتكرة لإيصال فكر نجيب محفوظ وإبداعه للناس وللشباب – على وجه التحديد - الذي لم تصبح القراءة في مجال أولوياته، فنبحث مثلا عن الفكرة التي أراد الموسيقار الراحل عبدالحليم نويرة تنفيذها في يوم من الأيام، ولم يستطع بسبب أن اسم محفوظ وقتها غير معروف، أي تحويل رواية "رادوبيس" إلى أوبريت موسيقي، أو غيرها من الأعمال القابلة لهذا الأمر.

وعلينا أن نتأمل تلك العبارة التي ذكرها نجيب محفوظ في أحد حواراته لنطور من نشر أعماله وإبداعاته، حيث قال:"حدث بعد أن فزت بنوبل 1988 أن جاءني موسيقار شاب من كندا، وطلب موافقتي على تحويل رواية "اللص والكلاب" التي قرأها مترجمة في الإنجليزية، إلى عمل أوبرالي شبيه بأوبرا "عايدة"، فتعجبت من ذلك، وتذكرت نويرة، وقلت للشاب الكندي إن "رادوبيس" تصلح لهذا الغرض، وربما تجد فيها أجواء موسيقية أكثر من "اللص والكلاب" لأن "رادوبيس" تتصل بتاريخ الفراعنة المعروف والمحبوب في العالم كله، ولكنه صمم على موقفه، مؤكدا أنه وجد في "اللص والكلاب" جوا موسيقيا دراميا يبحث عنه، وقال لي إنه استمع إلى كثير من الأغاني الدينية التي تناسب شخصية "علي الجنيدي"، وهي شخصية الشيخ المتصوف الموجودة في "اللص والكلاب". ولما رأيت تصميمه أعطيته توقيعي بالتنازل عن الرواية ليقوم بهذه التجربة الغريبة، فكانت فرحته لا توصف".

أليست هذه الأفكار تعمل على إحياء أعمال نجيب محفوظ فتصل إلى عدد أكبر من الجمهور، الذي بالتأكيد سيبحث بعضه عن الكتاب ويقرأه، فنكون بذلك قد كسبنا جمهورا متفرجا وجمهورا قارئا؟ أليس إنتاج فيلم سينمائي درامي عن محفوظ وكفاحه وعرض الجوانب الدرامية في حياته هو الأولى بالرعاية الآن، ولقد سمعت أن هناك مسلسلا تلفزيونيا بطولة الفنان أحمد حلمي، يجرى إعداده الآن للعرض في رمضان القادم، ونحن في شوق إليه.

فعلا بدأتْ حياة نجيب محفوظ بإهمال طويل، وانتهت باهتمام كبير، ولم يزل هذا الاهتمام موجودا بل يتزايد يوما بعد يوم، ففي كل يوم نكتشف الجديد من الرؤى والأفكار حول شخصية نجيب محفوظ وإبداعاته وأفكاره المختلفة.

وبدوره قال الكاتب محمد الحديني: لا سقف للإبداع هذا ما أعتقده وحتى وإن حدث شطط إبداعي أو جنوح فكري من مبدع فالأمر أراه محمودا لأنه سيثير حالة من التوليد الفكري والأخذ والرد والشد والجذب بين جميع الأطراف شريطة ألا تُمارس الفوقية والاستعلاء من طرف على الآخر وألا يُصم طرف بعينه بالكُفر أو الإلحاد وما يستتبع ذلك من تهم مجهزة كازدراء الأديان مثلا. ولنا في عهود سابقة العبرة والمثل حيث شهدت العديد من السجالات الأدبية والفكرية والتي كان من أشهرها الرسائل والمقالات المتبادلة بين أحمد زكي أبو شادي ( عقيدة الألوهية ) وإسماعيل أدهم ( لماذا أنا ملحد ) وفريد وجدي ( لماذا أنا مؤمن ).

وأضاف "الحديني": بالتأكيد أثار إعلان دار ديوان بحصولها على الحقوق الحصرية لنشر الأعمال الكاملة لأديب نوبل نجيب محفوظ عاصفة من القلق والتساؤلات حول ما جاء في البيان من نشر أعمال نجيب محفوظ في طبعات جديدة ( مُنقحة ومُراجعة )، وهذا القلق أراه منطقيا لأن الأمر لا أظنه مقصودا به عملية مراجعة لغوية ونحوية.
ولكن المعادلة اختلفت الآن سياسيا واجتماعيا وثقافيا بعد إسقاط نظام حكم الجماعة الإرهابية وهو ما يستوجب تدخل الدولة رسميا لحماية تركة نجيب محفوظ من أية محاولات محتملة للتعديل أو المراجعة أو التنقيح.

ويري الدكتور زين عبد الهادي٬ رئيس تحرير مجلة عالم الكتاب: في بيان مقتضب خرجت مؤسسة ديوان لتعلمنا بأنها حصلت على حقوق نشر أعمال نجيب محفوظ، وهو أمر لايمكننا انكاره عليهم، مثلما فعلت من قبل دار الشروق ومرت السنوات دون معلومات كافية بما تم وكان مصيرها التلاشي، كنت أنتظر من ديوان معرفة معلومات أكثر تفصيلا، خاصة وأن حقوق النشر هذه المرة تضم كافة أنواع الحقوق، وهو أمر ضخم، لكنها في نفس الوقت تشير من جانب  خفي إلى أنه لم يتم الاعتناء بنشر هذه الأعمال بشكل كاف، وأظن أن هناك حقوقا أخرى يمكن أن تباع تتعلق بتبسيط هذه الأعمال للشباب وحق تحويلها لأفلام ومسلسلات تليفزيونية وإذاعية وهو مايمكن أن يتسبب في مآس أخرى لكل دار نشر اشترت هذه الحقوق، وأظن أن الهيئة المصرية العامة للكتاب يمكن أن تكون شريكا لأصحاب الحقوق في طرق النشر التى أشرت لها. بشكل عام وجود الحقوق في مصر سيساعد على نشر هذه الأعمال وامتدادها بأشكل مختلفة، أبارك لديوان، لكن ربما معلومات أخرى جديدة ستجعلنا جميعا على بينة بما تم في الكواليس.

ــ ضرورة إصدار تشريع يجرم تعديل الإرث الأدبي
ومن جانبه قال الشاعر سمير الأمير: أتمنى أن تتحرك وزارة الثقافة ممثلة في الهيئة المصرية العامة للكتاب، وأن تشتري حقوق النشر من الورثة وإن رفضوا تتدخل الدولة المصرية لمنع تكرار الجريمة التي حدثت مع تراث إحسان عبد القدوس.

إن شراء حقوق النشر لا يعطي الناشر، ولا الورثة حق تعديل أو تنقيح الروايات، للورثة حقوق مادية لا يماريهم فيها أحد وللإنسانية والدول أن تحافظ علي الإرث الأدبي والثقافي، وبنبغي إصدار تشريع يجرم التعديل في الأعمال الأدبية إلا من قبل مؤلفيها أنفسهم، أما الاعتداء على أعمال الراحلين، فينبغي  مواجهته بأقصى عقوبة ممكنة، ولعلى أتذكر زيارتي لقصر سكون بالس باسكوتلاندا، حيث جرت أحداث مسرحية ماكبث لشكسبير، فسألت المرافقة، هل تملك الدولة هذا القصر، فقالت لا إنه مملوك لأسرة مانسفيلد لكنه مفتوح للسياح ولا يسمح بهدمه ولا بتعديل حتي وضع الأثاث داخله فقط يسمح بعمل استعادة كلما تلف شيء.

إن الأمم تحافظ علي تراثها لأن منه تستمد عزتها وكبرياءها، ومعرفتها بجوهر وجودها، هل سمعنا مثلا أن ورثة دي اتش لورانس سيطبعون روايات "نساء عاشقات" أو"عشيق الليدي تشارلي"بعد حذف مشاهد العشق، إننا نواجه هجمة معروف أطرافها الدولية والإقليمية لتقزيم دور مصر وتدمير ثقافتها، وعلينا كأفراد وكمؤسسات أن لا نغفل عن هذا.

من الذي يملك حق مراجعة إبداع النجيب المحفوظ
وبدورها قالت الكاتبة منال رضوان: بداية لا افضل الرجم بالغيب ولا أدعي معرفة الطالع، أو علي أي نحو سيعاد نشر أعمال الأديب العالمي وبأي إخراج فني، وهل سيتم نشرها بعناوينها ومحتواها دون أدني تغيير أو حذف، لكنني أثمن اهتمام مكتبة ديوان بإعادة نشر أعمال أديب نوبل وأول عربي يحصل عليها أسعدني جدا خبر نشر أعمال أديبنا العالمي مما يمثل إعادة التكريس والتخليد لهذه الأعمال لكنني لم أفهم ماذا تعني كلمتي .." المراجعة والتنقيح" وأقلقني هذا وتساءلت (من الذي يملك حق مراجعة إبداع النجيب المحفوظ) كما لم أعرف معني ودلالة كلمة تنقيح أو كيف ستتم ومن يملك الحق وهل في إبداع أديب نوبل ما يستوجب التنقيح؟

أتمنى أن يصدر من مكتبة ديوان بيانا توضح فيه موقفها إزاء المقصود بهاتين المفردتين وأقصد بهما (مراجعة وتنقيح) لاستجلاء الأمر وسؤال أخير..هل يتعارض ما ستقوم به " ديوان " مع حقوق الملكية الفكرية خاصة أن إحدى دور النشر الأخرى قامت بإصدار مجموعة الأعمال الكاملة قبل كتابة هذه السطور بوقت قليل مما ينذر بوجود نزاعات حول ملكية حقوق النشر وتعاقد مكتبة مصر الذى سينتهي في أبريل من العام القادم، ولعلني أذكر هنا مفارقة عجيبة رأيتها منذ عامين إذ تم إعادة نشر عبث الأقدار لنجيب محفوظ بعنوان مغاير تماما وهو " عجائب الأقدار" وقلت هل لهذه الدرجة هذا العمل الأدبي " مالوش أصحاب " ومن الحارس المنوط به حماية أعمال نجيب محفوظ، فهي لم تعد أعماله فقط وإنما تمثل تراثًا روائيا مصريا نتمنى ألا يتكرر ما حدث، وبأي حال من الأحوال.. إنا لمنتظرون.

ــ نريد أن تقرأ الأجيال الجديدة تراث محفوظ كما هو لا كما يريد الظلاميون

ومن جانبها قالت الكاتبة أسماء هاشم: للأسف الذين يتسابقون للفوز بحقوق نشر أعمال محفوظ يدفعهم لذلك استثمار مادي لاسم و تراث الرجل دون اعتبارات فنية وثقافة.

أما كلمة منقحة فلا تعني سوى إعادة صياغة لأعمال عظيمة وفق رؤية أحادية للمنقح ليهبط بعمل عظيم من مستوى الدلالات المتعددة ليحجمه في نفق مظلم يرى في أعمال محفوظ رجسا من عمل الشيطان وما عملية التنقيح إلا تطهير الثوب من الدنس!.

وأردفت هاشم: أين وزارة الثقافة مما يحدث لتراث الرجل؟ هل تتركه بين يدي من لا يدرك قيمته الحقيقية  يتعامل معه تعامل نفس القوى الظلامية التي حاولت اغتيال الرجل فيما مضى. هذا الرجل الذي وجب علينا أن نعيد تقديمه للأجيال الجديدة ونصحح الصورة المغلوطة عن ابداعه الصورة التي نجحت القوى الظلامية في تشويهها بصورة ما وأن التنقيح ربما يغير أعداد المبيعات لكنه لن يغير في عقلية قارئ موجهة من قبل منقح لا يملك إلا أفق ضيق يرى في بعض الجمل والمشاهد كبيرة من الكبائر ويدعو بفجور التنقيح لاجتنابها .الأمر يحتاج إلى موقف حقيقي ليس للحفاظ على تراث الرجل وفقط لكن ضد كل من يحاول تشويهه، نريد أن تقرأ الأجيال الجديدة تراث محفوظ كما هو لا كما يريد الظلاميون.

ومن جهته قال القاص الشاب أحمد حلمي: نجيب محفوظ هو الأديب العربي الأغزر انتاجا، ليس على صعيد المنجز الأدبي فقط، لكن وبدافع إضافي من فوره بجائزة نوبل جعلت منه الأديب الأكثر دراسة وقراءة في المنطقة العربية، مما جعل الاهتمام يتجاوز ما هو مطبوع من مؤلفات مروارا لأعمال السينمائية (سيناريو) وصولا لمسودات أعماله وأوراقه الشخصية وتاريخه الوظيفي، وهو الأديب العربي الوحيد الذي يملك متحفا خاصا به.

وتابع "حلمي":  كل ذلك يجعل الاهتمام بالتراث المحفوظي أمر مهم ومؤثر في الثقافة المصرية والعربية كما أشار البيان، وبالنسبة لكلمة/عملية التنقيح والمراجعة وبافتراض حسن النية فأعمال محفوظ صدرت في عدة طبعات في أماكن مختلفة على مدى أكثر من نصف قرن، اضافة إلى أرشيف المسودات والطبعات والنسخ المختلفة من بعض الأعمال، كل ذلك يحتاج إلى مراجعة وضبط واهتمام فني في عملية اعادة الانتاج، خاصة عمليات التحويل إلى وسائط أخرى (الكترونية وصوتية) فعملية المراجعة (مع التحفظ سلبا وإيجابا على كلمة التنقيح) مهمة وضرورة وعدم وجودها تقصير في حق هذا المنجز الثقافي.

لكن في حالة كان المقصود بتلك العمليات المراجعة الفكرية أو السياسية أو غيرها فهذا يمكن إضافة إلى جملة العبث الذي يحيط بكل جوانب حياتنا الحالية.

وأخيرا أود أن أوضح أني فور علمي بحصول "ديوان" على حقوق أعمال محفوظ ضحكت وقولت في نفسي أن محفوظ لم يخرج خارج البيت، وذلك لأن كل من "الشروق: و "ديوان" مملوكتان لشركة "تنوير"، وشركة تنوير هي الشركة الاستثمارية التابعة لشركة القلعة في قطاع النشر والإعلام، وتضم تحت مظلتها مجموعة من الاستثمارات الضخمة منها دار الشروق للنشر وجريدة المال وجريدة الشروق وسلسلة مكتبات ديوان والكاتب. إذن فالموضوع قد لا يحتاج منا لتسائل كبير.