رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صدام «الأئمة» فى فرنسا

الكلام عن حوالى ٢٠٠٠ شخص، يوصفون بأنهم أئمة، خطباء أو دعاة، يسيطرون على نحو ٢٥٠٠ مسجد، موزعين على عدد من الكيانات، أو التجمعات، وصلت الصراعات بينهم إلى مرحلة الصدام، بإعلان إمام «مسجد باريس الكبير»، أمس الأول الأحد، عن تأسيس ما وصفه بـ«المجلس الوطنى للأئمة»، وهى الخطوة التى رفضها واستنكرها وندد بها رئيس «المجلس الفرنسى للديانة الإسلامية»، ورآها سطوًا على منجزاته واختصاصاته.

المسلمون فى فرنسا، كما فى غيرها، يعانون من ممارسات جماعات الإسلام السياسى، والإرهابيين المتمسّحين فى الإسلام، أكثر من معاناة أتباع الديانات الأخرى واللادينيين أو الكفار. وفى فرنسا، كما فى العديد من الدول الأوروبية، تمكن المتطرفون من السيطرة على مؤسسات وجمعيات ومنظمات ومدارس ومساجد. ولا نعتقد أن هناك عاقلًا يعارض مواجهة المتشددين، المتطرفين، أو الإرهابيين، سواء كانوا يهودًا، مسيحيين، بوذيين، كفارًا، أو مسلمين، كهؤلاء الذين وصفهم الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بأنهم «يحرفون الديانة الإسلامية ويستغلونها لأغراض سياسية، وبناء مجتمع مواز».

سعيًا إلى مواجهة هؤلاء، وافقت الجمعية الوطنية الفرنسية «البرلمان» بأغلبية كبيرة، على مشروع قانون «تعزيز مبادئ الجمهورية»، المعروف باسم «قانون محاربة الانعزالية». وجرى الإعلان عن التوقف تدريجيًا عن استقدام أئمة، خطباء أو دعاة، من دول أخرى. وبموجب قانون «الأمن الداخلى ومحاربة الإرهاب»، تم حلّ منظمات وجمعيات واتخاذ مجموعة من التدابير لمحاربة الطائفية فى التعليم و... و... ومع ذلك، لا نعتقد أن السلطات الفرنسية قد تتدخل فى صدام «الأئمة» بشأن تأسيس «مجلس وطنى» لهم، إلا بعد الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها فى أبريل المقبل!

المهم، هو أن المجلس، الذى أعلن شمس الدين حفيظ، «عميد» أو إمام «مسجد باريس الكبير» عن تأسيسه، يضم «تجمع المسلمين فى فرنسا» و«الاتحاد الفرنسى للجمعيات الإسلامية من إفريقيا وجزر القمر وجزر الأنتيل» و«اتحاد مسلمى فرنسا» القريب من «جماعة الإخوان». وبعد أن صوّت رؤساء الهيئات الأربع، صباح الأحد، على ما زعموا أنه «النظام الأساسى» للمجلس، اختاروا «با أمادو» رئيسًا له. وفى المقابل، أصدر محمد موسوى، رئيس «المجلس الفرنسى للديانة الإسلامية» بيانًا وصف فيه تلك الخطوة بأنها «سطو على العمل الذى أنجزه المجلس»، وأكد أن «المجلس الوطنى للأئمة» سيتم الإعلان عن تأسيسه فى ١٢ ديسمبر المقبل، وهدّد بـ«استعمال كل الوسائل القانونية لوضع حد لهذا الموقف غير المسئول».

الطريف، أن الطرفين المتصارعين أو المتصادمين يؤكدان أن إنشاءهما لذلك المجلس يأتى استجابة لدعوة الرئيس ماكرون، الذى كان قد طالب مسلمى فرنسا، فى ٢ أكتوبر ٢٠٢٠، بتقديم «ميثاق»، يحدّد طبيعة علاقة الإسلام بالجمهورية وقيمها، وعلى رأسها رفض العنف والتدخل الخارجى فى شئونهم وإنشاء «مجلس وطنى» للأئمة، تكون مهمته الموافقة على تعيين الأئمة، بعد تأهيلهم. وبالفعل تقدم «المجلس الفرنسى للديانة الإسلامية» بهذا الميثاق، فى يناير الماضى، وقيل إن الرئيس الفرنسى ووزير داخليته جيرالد دارمانان، مارسا ضغوطًا للتغلب على الصراعات وتضارب المصالح بين مكونات المجلس.

هذا الميثاق، إذن، من المفترض أن يكون هو الأرضية الفكرية لتأسيس «المجلس الوطنى للأئمة»، لكن ٣ هيئات، من أصل ٩ يضمها «المجلس الفرنسى للديانة الإسلامية»، رفضت التوقيع عليها، اعتراضًا على البند السادس، الذى ينص على مكافحة كل أشكال استعمال الإسلام لأغراض سياسية، ورفض المشاركة فى أى نهج يروج لما يعرف باسم «الإسلام السياسى»، وإدانة استخدام أماكن العبادة لاستيراد الصراعات، التى تحدث فى أجزاء أخرى من العالم، ورفض أى تدخل من الخارج فى توظيف الأئمة وإدارة المساجد.

.. وتبقى الإشارة إلى أن الكيان الذى يمثل الإسلام، رسميًا، فى فرنسا، أو المحاور الرئيسى للدولة فى القضايا التى تتعلق بالدين الإسلامى، هو «المجلس الفرنسى للديانة الإسلامية»، المعروف اختصارًا باسم «CFCM»، الذى اقترح فكرة إنشائه جان بيار شوفانمون، وزير الداخلية الفرنسى الأسبق، سنة ١٩٩٩، وتم تأسيسه، سنة ٢٠٠٣، بدعم من نيكولا ساركوزى حين كان وزيرًا للداخلية، قبل أن يصبح، لاحقًا، رئيسًا لفرنسا.