رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر وتنزانيا.. آفاق الشراكة من أجل التنمية

فى إطار عودة المسار الصحيح لتواجد إفريقيا فى أولويات السياسة الخارجية المصرية بعد عام ٢٠١٤، سواء على المستوى السياسى أو الاقتصادى، تأتى زيارة رئيسة دولة تنزانيا «سامية حسن» إلى مصر فى العاشر من شهر نوفمبر الحالى. ومن المعروف أن العلاقات المصرية التنزانية وطيدة منذ حركات التحرر والكفاح ضد الاستعمار.

فى السنوات الأخيرة تعددت أوجه العلاقات بين البلدين فى إطار التقدم نحو التنمية، لا سيما التعاون فى مجال مياه النيل، فمصر تشارك عبر شركاتها فى بناء سد «جوليوس نيريرى»، الذى أوشك على الانتهاء، ويهدف المشروع للسيطرة على فيضان نهر «روفيجى»، وإقامة محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية بقدرة ٢١١٥ ميجاوات، التى تمنح تنزانيا قدرة على تصدير كهرباء لدول مجاورة كدولة أوغندا. هذا النوع من المشروعات مهم جدًا لإفريقيا، فأكثر من ٥٠٪ من السكان يحتاجون إلى الكهرباء، وهو ما يمثل ثلثى ما يحتاجه سكان العالم من الكهرباء، هذا يعنى أن مصر تشارك بقوة فى بناء البنية التحتية، وأن لديها القدرة على تنفيذ المشروعات التنموية فى إفريقيا بوجه عام، ودول حوض النيل بوجه خاص، وهو ما سيُحدث فى المستقبل تحولًا فى شكل العلاقات بين الطرفين، كما أن مصر تمد تنزانيا بالتدريب فى بعض المجالات إلى جانب التعاون الفنى، والتنسيق السياسى بشأن السلام والاستقرار فى منطقة شرق إفريقيا ودول حوض النيل. 

هناك جانب آخر بالغ الأهمية، وهو ربط بحيرة فيكتوريا، إحدى منابع النيل، بالبحر المتوسط، الذى بدوره سيخلق مجتمعًا اقتصاديًا متكاملًا بين دولتى المصب ودول المنبع، وسيعطى فرصًا للدول الحبيسة فى تصدير منتجاتها كدولة أوغندا وكينيا. بالطبع مصر، التى تمثل عنصرًا أساسيًا فى هذا المشروع، ستجنى مكاسب اقتصادية وتجارية، فهى التى ستكون الممر التجارى الذى تمر من خلاله سلع هذه الدول الحبيسة، ومنها إثيوبيا، وهى سلع لها رواج كبير فى الأسواق الأوروبية، وبهذا ستنشأ تجارة كبيرة ستوفر لمصر، وللمنطقة الإفريقية، استثمارات مهمة وعملات أجنبية.

إذا انتقلنا إلى العلاقات التجارية بين مصر وتنزانيا يجب أن نقارن بين حجمى التبادل التجارى قبل عام ٢٠١٧ وبعد عام ٢٠١٧، ففى هذا العام زار الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى تنزانيا، وهى أول زيارة لرئيس مصرى منذ أواخر ستينيات القرن الماضى، وقد نتجت عنها آثار كبيرة فى زيادة حجم التبادل التجارى، الذى وصل هذا العام إلى أكثر من ٥٠ مليون دولار، بعد أن كان ٢٢ مليون دولار عام ٢٠١٠، أى بزيادة قدرها أكثر من ٥٥٪، والميزان التجارى بينهما لصالح مصر بحوالى ٣٧ مليون دولار. وعلى الرغم من ذلك فإن حجم التبادل التجارى بينهما ما زال ضعيفًا، كحال الوضع مع دول القارة، الناتج عن تجاهل مصر لإفريقيا، الذى بدأ مع معاهدة كامب ديفيد، وهذا ما يتجلى فى ضعف حجم التبادل التجارى بين الدول العربية عمومًا وإفريقيا، إذا تمت مقارنته بالصين، فهو لا يزيد على واحد على عشرة من حجم التبادل التجارى بين الصين وإفريقيا، وتحاول مصر الآن تعويض ضعف الاهتمام بإفريقيا بضخ استثمارات كبيرة، وتدعيم أواصر العلاقات فى المجالات المختلفة.

ربما يكون وضع الاستثمارات المصرية فى تنزانيا أفضل، إلى حد ما، من التبادل التجارى بينهما، حيث يبلغ عدد الشركات العاملة فى مشروع سد «جوليوس نيريرى» ١٢٠٠ شركة باستثمارات تصل إلى ٧ مليارات دولار، وفى مقدمة هذه الشركات المقاولون العرب وشركة السويدى.. وبوجه عام تتركز الاستثمارات المصرية فى البنية التحتية، والسد، وهذا بالطبع أمر مهم جدًا، ولكن بالتوازى مع ذلك على المستثمرين المصريين الذهاب إلى الاستثمار فى الزراعة، الذى بدوره يسهم فى أن تُصدر تنزانيا سلعًا غذائية بدلًا من تصديرها فى شكلها الأولى، ومن ثمَّ يعزز النمو لديها، مما يجعل هذه السلع تصل إلى الأسواق الأوروبية عبر الممر التجارى، ومن ناحية أخرى سيكون بإمكان مصر أن تستفيد من كثرة الأراضى الزراعية التنزانية للاستثمار فى زراعة بعض المحاصيل المطلوبة على المستوى المحلى، كالقطن والشاى والبن، بالإضافة إلى خلق فرص عمل للعاملين المصريين فى القطاع الزراعى، الذين يمتلكون خبرة زراعية تحتاجها تنزانيا، وهو ما يسهم فى تراجع معدلات البطالة والفقر. 

علينا أن ننظر إلى هذا التعاون، بالإضافة إلى النظرة الاقتصادية، نظرة سياسية أوسع، ذلك أن الحضور المصرى فى تنزانيا من خلال الاقتصاد يحقق، فضلًا عن المكاسب الاقتصادية، مكاسب سياسية تدعم دور مصر فى السياسة الإفريقية، وتحول دون أن تكون هذه السياسة رهينة لدول أخرى، ذلك أن سد «جوليوس نيريرى»، بالإضافة إلى المكاسب التى سيحققها على المستوى الاقتصادى، مثل توفير المياه للزراعة المصرية، فإنه يحمل بعدًا سياسيًا، هو الحيلولة دون التحكم فى مياه النيل، وبالتالى التحكم فى السياسة المصرية.