رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خطر التغيرات المناخية وكيف تؤثر فى مستقبل العالم

 

تتطلب عمليات تحديث الاقتصاد وجود آليات جديدة، وكيانات مؤسسية حديثة قائمة على التجديد والابتكار واستغلال البيئة بما تحتويه من موارد، وهذا بالفعل ما صاحب الثورة الصناعية خلال البحث واستخدام مصادر جديدة للوقود والطاقة، وتحديث المصانع وتطويرها، وهو ما نتج عنه بالفعل زيادة فى حجم الإنتاج.

لكن فى خضم هذا الإنتاج المكثف لم يؤخذ فى الاعتبار أن ثمة علاقة يجب أن تكون متوازنة بين البيئة والاقتصاد، لأن افتقاد هذا التوازن يُنتج مشكلات عديدة على جميع الأبعاد البيئية، سواء الطبيعية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو العمرانية، ومن هنا تحقق هذا التقدم على حساب البيئة حتى وصل الأمر الآن إلى تغيرات نوعية تتمثل فى الاحتباس الحرارى، وكثرة الفيضانات، والحرائق كالتى حدثت مؤخرًا فى غابات أستراليا، والجفاف الشديد الذى تعرضت له البرازيل، وهو ما تبعه تراجع نسبى فى إنتاج الحبوب، وتعرض بعض الأسر للفقر.. فمن المعروف أن من أهم العوامل ذات التأثير السيئ على المناخ ما يسمى «الوقود الأحفورى» الذى تم استخدامه بشكل كبير فى عمليات الإنتاج الخاصة بالدول الصناعية الكبرى، والصين وحدها تعد أكثر الدول مسئولية عن ٢٧٪ من الانبعاثات، ثم تليها مباشرة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تسبب احتراق الوقود الفحمى والبترولى فى انبعاث مركبات الكبريت والكربون، وهذه المركبات من شأنها تلويث الهواء، مما يؤثر بالسلب على صحة الإنسان والكائنات الحية الأخرى، بالإضافة إلى تغيرات فى المناخ.

هذا يعنى أن ظاهرة التغير المناخى أصبحت قضية ملحة على المجتمع الدولى فى سياساته القادمة، التى لا بد أن تتجه نحو آليات للتعامل مع الظواهر المناخية المتغيرة، وذلك نظرًا لما ينتج عن هذه التغيرات من تأثيرات وتداعيات على حياة البشر، وعلى حركة الاقتصاد العالمى، وحركة رأس المال المادى والبشرى.. فقد يحدث جفاف لبعض الأنهار، وغرق لبعض المناطق الساحلية أو أجزاء منها، فضلًا عن تغير خريطة المناطق الزراعية، وهذا يعنى أن بعض الدول قد تواجه أزمة فى تحقيق الأمن الغذائى، وتعانى ارتفاع معدلات الفقر، الذى بدوره يؤثر سلبًا على معدلات إنتاجية الفرد، حيث تقدر الخسائر الاقتصادية الناتجة عن انخفاض قدرات العاملين بسبب «الإجهاد الحرارى» بقيمة ٢.٤ تريليون دولار فى عام ٢٠٣٠، هذا فضلًا عن أن هذا التلوث يحرم الإنسان الحديث من حقوقه الطبيعية فى التمتع بهواء نظيف وطبيعة نضرة، ومحاصيل صحية لا تعرض حياته للخطر.

لا يمكن فصل مستقبل التنمية فى العالم عما يحدث فى المناخ من تحولات، فالدراسات تشير إلى أنه فى حال عدم التعامل بجدية مع هذه المشكلة الكبرى سيخسر الاقتصاد العالمى سنويًا ١٧٠٠ مليار دولار حتى عام ٢٠٢٥، وفى حال استمرار وضعية تدهور المناخ وزيادة درجات الحرارة بنسبة أكثر من ٣٪ ستحدث خسائر اقتصادية تقدر بـ٢٣ تريليون دولار، أى ما يزيد على ١٠٪ من قيمته فى عام ٢٠٥٠، وهذا ما يؤدى إلى زيادة عدد الجوعى إلى ما يزيد على ٩٥١ مليون نسمة، وعند مقارنته بعدد الجوعى ٢٠٢٠، والبالغ عددهم ٦١٥ مليون نسمة تقريبًا وفقًا لمنظمة «الفاو»، ستصبح الزيادة قدرها ٣٣.٥٪، وهذا يعنى أن العالم فى ٢٠٥٠ سيواجه أزمة حادة فى أمنه الغذائى. 

هناك جانب آخر يمكن النظر إليه، وهو أن العالم سيتعرض لأزمات فى الطاقة والتضخم ربما بشكل أشد مما نحن عليه الآن، فاستهلاك الدول والبشر للطاقة والإنتاج له تأثير فى تغيرات المناخ كما ذكرت، ولكن من ناحية أخرى سيؤدى تغير المناخ إلى استهلاك بعض أنواع الطاقة بشكل ربما يكون مضاعفًا، كالطاقة الكهربائية التى ستحتاج بعض الدول إليها بشدة من أجل عمليات التبريد، فى ظل ارتفاع درجات الحرارة المتوقع حدوثها، وحتى هذه الطاقة الكهربائية تحتاج إلى المياه كى يتم إنتاجها، والتى هى الأخرى معرضة للجفاف.

وبالطبع ستكون الدول النامية والأقل نموًا الأكثر تضررًا من الاقتصاديات الكبرى المتحكمة فى العملية الرأسمالية والإنتاجية، حيث يتوقع أن دول الشرق الأوسط وإفريقيا سيتراجع حجم اقتصادها بنسبة ١٧٪، فى حين دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية بنسبة ٥٪.. كل هذا يعنى أن على العالم، وتحديدًا الدول المتقدمة، الالتزام بمخرجات «جلاسكو»، ووقف استخدام الفحم- الذى عادت بعض الدول إلى استخدامه فى ظل أزمة الطاقة كالصين- وأن يتكاتف العالم بالفعل فى تقليل الانبعاثات حتى لا تزيد درجة الحرارة على ١.٥٪، كما أن الدول المتقدمة عليها أن تفى بتعهداتها بتقديم ١٠٠ مليار دولار سنويًا لتمويل البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وهو ما طالبت به أكثر من دولة، وفى مقدمتها مصر.