معاناة مرضى الهيموفيليا لا تنتهي: «حياتنا في خطر»
نزيف مستمر بالدم، توقف القدرة على الحركة، فقدان أطراف، حالات وفاة، تلك هي معاناة مرضى «الهيموفيليا»، ذلك المرض النادر الذي أصبحت مصر تحتضن نحو 6 آلاف و100 مريض في حاجة لعلاج أسبوعي مدى حياتهم، وسط تعالي صرخاتهم في محاولة للنجدة من ذلك «الكابوس».
ما هو الهيموفيليا؟
الهيموفيليا هو أحد الاضطرابات الوراثية النادرة الناجمة عن نقص أو غياب أحد عوامل التجلط في الدم «البروتينات»، حسبما أوضح الدكتور أسامة إبراهيم استشاري أمراض الدم، في حديثه لـ«الدستور»، مشيرًا إلى أنه يصيب الأطفال الذكور أكثر من الأطفال الإناث، ومتابعًا أنه مرض ليس له علاج ولكن يتم تناول أدوية تحد من شدته، إلا أنها أدوية عالية التكلفة لكن الدولة توفرها من خلال مستشفيات التأمين الصحي.
وتابع: «المرض يتسبب في إعاقات حركة، نظرًا للنزيف الداخلى الذي يسببه مع أي حركة، أما عن أعراضه فتكون عبارة عن نزف تلقائي، وغالبًا ما يظهر هذا النزف بشده عند الختان للأولاد حيث يستمر النزف، ومن ثم يكون هناك نزيف داخلي بالمفاصل خاصة في منطقة الركبة والكوع، ولكن يتم تناول بعض الأدوية للأطفال المصابة به أسبوعيًا ليتمكنوا قليلًا من الحركة، نظرًا لصغر سنهم الذي لا يسمح الامتناع عن الحركة مدة طويلة.
أما عن طرق الوقاية فأوضح «إبراهيم»، أنها عن طريق الالتزام بكشف ما قبل الزواج لكي يتمكن الزوجين من معرفة احتمالية إصابة أبنائهم به، أما في حالة اكتشاف إصابة الطفل بالمرض، يكون العلاج بأخذ معامل 8 أو 9 في حقن وريديه، مشيرًا إلى أن الإهمال في هذا العلاج يعرض الطفل للنزف ومع تكرار النزيف يحدث تليف للمفصل، ما يؤدي لفقدان الحركة.
مشكلات تواجه مرضى الهيموفيليا
وعلى الرغم من جهود الدولة في التخفيف من عبء مرض «الهيموفيليا» النادر والشاق على أصحابه، إلا أنهم مازالوا يعانون العديد من المشكلات التي تتسبب في تساقط عدد من الضحايا خاصة بالفترة الأخيرة، تواصلت «الدستور» مع بعض من مرضاه لعرض تلك المشكلات.
«الروتين والإجراءات المعقدة»، يقولها محمد حسن أحد المرضى، موضحًا أن هناك مرضى «الأجسام المضادة»، وهذه النوعية تمثل نحو 20 % من نسبة مرضى «الهيموفيليا»، لافتا إلى أنه لا يتوافر علاج نهائى لها من غير الخاضعين للتأمين الصحى الذين لهم قرارات علاج على نفقة الدولة، بينما لا يتوافر للخاضعون للتأمين بكميات كافية، بالإضافة إلى أنهم يعانون للحصول على جرعة واحدة منه نظرًا لارتفاع ثمنه.
وتابع، أن أصحاب الأجسام المضادة من مرضى «الهيموفيليا»، يتعرضون لنزف شديد ويحتاجون لعوامل تجلط أدوية تسمى «فاكتور» منها «فاكتور 8 و9»، من أجل وقف هذا النزيف.
وفي ذات السياق، تشكو والدة الطفل عادل حسن مريض الهيموفيليا من المعاملة الغير آدمية في عدد من مستشفيات التأمين الصحي، موضحة أن ابنها يحتاج إلى 8 حقن من «الفاكتور»، ولكن لجنة أمراض الدم تصرف له حقنة واحدة فقط وهي نسبة بالطبع لا تكفي بالإضافة إلى أنها لا تتاح إلا بعد توفير أوراق كثيرة تطلبها اللجنة وروتين حكومى يمتد لأسابيع، ما يضطرها أحيانا لوقف النزيف بأقراص «مخدرة» للطفل، ما يسبب ذلك خطرًا عليه.
أما والدة الطفل أمير سمير، توضح أنها لجأت إلى بروتوكول علاج خارج التأمين الصحى على نفقتها الخاصة، بعد معاناتها مع التأمين الصحي إلى الدرجة التي أوصلت ابنها أن يكتب عليه قضاء طوال حياته على كرسى متحرك.
تقول لـ«الدستور»: «حياة ابني بقت عبارة عن صراخ من الآلم، وحياة على كرسي»، موضحة أن ذلك حدث نتيجة نزيفه الشديد المستمر الذي تعرض له في أحد المرات، وبعد توجهها به لأقرب مستشفى والانتهاء من الإجراءات الروتينية لصرف مشتقات دم له، ونقل بعض الدم له فوجئت برفض المستشفى إعطاء ابنها المزيد من الدم له بالرغم من حاجته الشديدة لذلك بحجة أنه استهلك كمية كبيرة، ما أدى بالنهاية إلى تعرضه للإصابة المزمنة بالشلل النصفي.
وفي تصريح لها، قالت الدكتورة ماجدة رخا، رئيس جمعية أصدقاء مرضى النزف، كشفت أن عدد مرضى الهيموفيليا ما يقرب من 8 آلاف مريض، وينقسمون إلى نوعين «أ»، و«ب» النوع الأول يشمل 5 آلاف مريض، هو ما يتعرض إلى حدوث أجسام مضادة، وهناك علاج آخر يحل محل الفاكتور 8 و9 الذى يرفضه الجسم، وهو فاكتور 7، والذي يمكن أن يستجيب له الجسم، إلا أن تكلفته مرتفعة يتوقف سعرها حسب وزن الجسم وشدة النزيف ودرجة الإصابة، ويتم حساب الجرعة لوقف النزيف، ويبلغ سعر الوحدة 7500 جنيه، ولا يمكن لمريض أن يعتمد على نفقته الخاصة فى توفيرها، مشيرة إلى أن ذلك العلاج غير متوفر بكميات مناسبة.
وأضافت، أن أهم مشكلات المرضى مع التأمين الصحى هي توفير كميات غير كافية للمرضى، وسوء توزيع فى كل المحافظات، مؤكدة أن إجراءات صرف الفاكتور صعبة، لأن مريض الهيموفيليا عندما ينزف يحتاج إلى الفاكتور فى مدة ساعتين، ولو استمر النزيف لفترة طويلة فى المفصل يمكن أن يؤدى إلى تلف المفصل وتحدث له إعاقة.
بالإضافة إلى ذلك أكدت أن هناك مشكلة تواجه مرضى «الهيموفيليا» وهي أن تشخيص الأجسام المضادة غير متوفر فى كل المعامل سوى المعامل المركزية التى تستطيع التشخيص بدقة، بينما مختلف المرضى على مستوى الجمهورية لا يجرى تشخيصهم بصورة صحيحة، ما يؤدي إلى التأخر فى تناول العلاج مما يسبب نزيف شديد إلى أن يتوفى المريض أو يتلف المفصل، مشيرة إلى أنه لا يوجد بروتوكول مفعل لمرضى الأجسام المضادة فى كل الأماكن.
واستطردت، أن التأمين الصحى سوف يبدأ تنفيذ العلاج الوقائى كمرحلة أولى من عمر عامين إلى 6 سنوات على مراحل نظرًا لارتفاع ثمن العلاج، مشيرة إلى أنه لن يطبق فى كل المحافظات، نظرا لأنه يحتاج إلى ميزانية ضخمة.
كما أشارت «ماجدة» إلى أن المشروع القومى للتبرع بالبلازما سيساعد كثيرا فى تخفيف مشكلات مرضى الهيموفيليا، موضحة أن جمع البلازما تستخدم فى التصنيع لمشتقات الدم منها الفاكتور بسعر أوفر، وبالتالي ستكون متاحة بكميات أكبر، كما وقتها لن يكون المريض تحت رحمة الاستيراد موضحة أن الفاكتور هو العلاج المثالي للمريض، مؤكدة في الوقت ذاته على أن علاج الإعاقة مكلف وتغيير مفصل لمريض تصل تكلفته إلى 750 ألف جنيه نظرًا لحاجته لتوفير فاكتور أثناء العملية وبعدها، وتابعت أن توفير الفاكتور للمريض كنوع وقائى أفضل من لجوء المريض إلى تغيير مفصل، وهو أمر مطبق فى كل دول العالم.
جهود الدولة لمكافحته
يذكر أن مصر تتحمل تكلفة الأطراف الصناعية والأجهزة التعويضية لكافة المستحقين من المرضى الهيموفيليا، وتدرس حاليًا إمكانية زيادة قيمة قرارات العلاج على نفقة الدولة، إذ تواصل الاتحاد العالمي للهيموفيليا مع مجلس الوزراء، معلنًا عن نيته لمضاعفة التبرعات السنوية من شحنة الأدوية المخصصة لمرضى مصر.