رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انقلابات فرنسا.. وانتخاباتها!

 

تفاصيل بلا قيمة، أو «زى قلتها»، نشرتها جريدة «لو باريزيان» حول «محاولة انقلاب»، كانت تستهدف الإطاحة بالحكومة الفرنسية، خطط لها ريمى داييه، النائب السابق للحركة الديمقراطية «موديم»، بمساعدة «منظمة سرية شبه عسكرية»، تضم مدنيين وضباطًا، حاليين ومتقاعدين، فى الجيش والشرطة. فهل يمكن ربط هذا المخطط بذلك التحذير، أو التهديد، الذى أطلقة عسكريون، فى أبريل الماضى؟!

أطلق «داييه» على مخططه الانقلابى اسم «عملية أزور». وطبقًا لما نشره موقع «فرانس تى فى إنفو»، فقد كان «السياسى اليمينى المتطرف» يقود «العملية» من منزله فى ماليزيا، قبل أن يتم ترحيله، فى يونيو الماضى، وتعتقله السلطات الفرنسية فور عودته. ومع اتهامه، فى ٢٢ أكتوبر الجارى بـ«تكوين منظمة إجرامية إرهابية»، تجرى محاكمته، أيضًا، بتهمة اختطاف طفلة عمرها ٨ سنوات، مع أن تلك الطفلة ظهرت مع أمها فى سويسرا، بعد ٥ أيام من مزاعم اختطافها من بيت جدتها، فى شرق فرنسا. كما ذكرت «وكالة الأنباء الفرنسية» أن القضية ذاتها تضم ١٢ شخصًا آخرين متهمين بالتخطيط لسلسلة من الهجمات على مراكز التلقيح ضد فيروس «كورونا المستجد»، ومحفل ماسونى، وعدد من الصحفيين والشخصيات البارزة.

فى الذكرى الستين لمحاولة الانقلاب الفاشلة، التى قام به جنرالات فى الجيش الفرنسى، للإطاحة بالرئيس الأسبق شارل ديجول، اعتراضًا على المفاوضات السرية، التى كانت قد بدأتها حكومته مع جبهة التحرير الوطنى الجزائرية. وبزعم أن «فرنسا يهددها العديد من الأخطار القاتلة»، قام عشرون جنرالًا ومائة ضابط رفيعو المستوى وألف آخرون من الرتب الدنيا، أواخر أبريل الماضى، بالتوقيع على نداء مفتوح، أو مقال مطول، نشرته مجلة «فالور أكتويل»، Valeurs Actuelles، حمل تهديدًا، أو تلويحًا، بالانقلاب.

الموقعون على الخطاب أو المقال، قالوا إنهم برغم تقاعدهم لا يزالون جنودًا لفرنسا، ولا يمكنهم «فى ظل الظروف الحالية» أن يظلوا غير مبالين بمصير بلدهم الجميل، الذى زعموا أنه «سوف ينفجر ويشهد حربًا أهلية إذا لم تفعل السلطات شيئًا حاسمًا تجاه الانقسام الحالى»، ملوحين، أو مهددين بأن «رفاقهم فى الخدمة» قد يضطرون إلى المشاركة فى «مهمة محفوفة بالمخاطر»، لحماية قيمهم الحضارية وحماية مواطنيهم، ومشددين على أنه «لم يعد هناك وقت للتسويف وإلا فإن الحرب الأهلية ستضع حدًا لهذه الفوضى المتزايدة».

قيل إن ذلك الخطاب جاء بمبادرة من جان بيير فابر برناداك، القائد السابق لقوات الدرك. وكان من بين الموقعين على المقال المطول، أو الخطاب المفتوح، الجنرال بيير دى فيلييه، رئيس أركان الجيش الفرنسى السابق، الذى أقيل من منصبه سنة ٢٠١٧. لكن فى تقرير نشرته جريدة «الديلى ميل» البريطانية، فى ٢٧ أبريل، ذكرت أن الذى يقود هذا التحرك هو الجنرال كريستيان بوكيما، ٨٠ سنة، القائد السابق لقطاع Foreign Legion، وهو فرع فى الجيش الفرنسى متهم بارتكاب فظائع وجرائم حرب فى المستعمرات الفرنسية السابقة.

المهم، هو أن ماريان لوبان، التى خسرت الانتخابات الرئاسية، فى المرتين السابقتين، انتهزت تلك الفرصة، ونشرت مقالًا فى المجلة ذاتها، دعت فيه هؤلاء العسكريين إلى المشاركة فى الانتخابات المقبلة، التى وصفتها بأنها «معركتنا التى بدأت، وهى قبل كل شىء معركة فرنسا». وفى المقابل، هاجمت فلورنس بارلى، وزيرة الدفاع، الموقعين على النداء أو المقال واتهمتهم بالسعى إلى الانقلاب، ونددت بـ«تنسيقهم الواضح» مع «لوبان». وبرغم تأكيدها أن جميع الموقعين على ذلك «المقال المشين» من «المتقاعدين ولا يمثلون سوى أنفسهم»، إلا أنها ذكرت أن العسكريين الذين لا يزالون فى الخدمة انتهكوا القانون الذى يلزمهم بالبقاء محايدين سياسيًا، وأكدت أنها أصدرت تعليمات لرئيس أركان الجيش بمعاقبتهم.

الإشارة هنا قد تكون مهمة إلى محاولة الانقلاب الفاشلة، التى أصدر العسكريون خطابهم المفتوح فى ذكراها الستين، سبقها انقلاب ناجح، فى مثل هذا الشهر، منذ ٦٣ سنة. وما حدث بالضبط هو أن جنرالات فرنسا فى الجزائر، تمردوا وهددوا بالانقلاب العسكرى، فى ١٣ مايو ١٩٥٨، ونادوا بالجنرال شارل ديجول رئيسًا، مقابل إنهاء تمرّدهم. وتحت ضغط القوات الفرنسية، التى انتقلت من الجزائر إلى جزيرة كورسيكا استعدادًا لاجتياح باريس، استدعى الرئيس الفرنسى رينيه كوتى الجنرال ديجول، ليتولى رئاسة الحكومة، فى أول يونيو ١٩٥٨، بصلاحيات استثنائية، لمدة ٦ أشهر، تم خلالها وضع دستور جديد للبلاد، سقطت به الجمهورية الفرنسية الرابعة، وتم الإعلان فى ٤ أكتوبر التالى، عن قيام الجمهورية الخامسة، المستمرة إلى الآن.

.. أخيرًا، ولو لم تتمكن من ربط «عملية أزور» بخطاب أبريل الماضى المفتوح، وانقلاب ١٩٥٨ الناجح، ومحاولة انقلاب ١٩٦١ الفاشلة، فإن ربط الأحداث الأربعة، سيكون أسهل، وأكثر منطقية، بالانتخابات الرئاسية الفرنسية، المقرر إجراؤها فى أبريل المقبل، والتى يبدو أن معاركها انطلقت مبكرًا!