رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الملتقى العالمى للتصوف» يحتفى بالقيم الإسلامية والمضامين الأخلاقية للتصوف

فعاليات الملتقى العالمي
فعاليات الملتقى العالمي للتصوف

أقيمت أولى جلسات الملتقى العالمي للتصوف بالمغرب  في دورته السادسة عشر، الذي ينعقد تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وتنظمه الطريقة القادرية البودشيشية ومشيختها ومؤسسة الملتقى بشراكة مع المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم "CEMEIA"، تحت شعار "التصوف والقيم الإنسانية: من المحلية إلى الكونية".

 

وترأس هذه الجلسة التي تمحورت حول "القيم الإسلامية وأصولها الدينية"، كل من، الدكتور عبد الرزاق تورابي، أستاذ التعليم العالي، جامعة محمد الخامس بالرباط، والدكتور سمير الحلوي، أستاذ جامعي بالمدرسة الوطنية للإدارة بالرباط، وافتتحت فقراتها بتلاوة آيات بينات من القران الكريم بصوت المقرئ المغربي عز الدين بدري.

 

وتناول الكلمة في بداية الجلسة الدكتور محمد الخزرجي، أمير الانصار في الإمارات العربية المتحدة، وخادم الآثار النبوية، حول موضوع "مكارم الأخلاق في الكتاب والسنة"، أكد من خلالها أن مكارم الأخلاق من الشيم المحمودة عند سائر الملل والأديان؛ اقتداء بالأنبياء والرسل عامة وبرسول الله صلى الله عليه وسلم، المتمم لمكارم الأخلاق التي كانت قبله مستدلا بالحديث النبوي الشريف: "إنَّمَا بُعثْتُ لأتَمِّمَ مَكَارِمَ الأخْلَاقِ"، وذكر باتفاق القدماء من الحكماء والفلاسفة في بحثهم  عن أحسن العلاقات الإنسانية على مبدأ "عامل الآخرين بما تحب أن يعاملوك به"، موضحا أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل هذا المبدأ شرطا للإيمان مستشهدا بالحديث النبوي: "لا يُؤمن أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحبُّ لنَفْسِهِ".

FB_IMG_1634733045757
فعاليات الملتقى العالمي للتصوف 

وأكد الخزرجي أن كل الشيم الفاضلة اجتمعت في الرسول صلى الله عليه وسلم، وختم مداخلته موضحا دأب الخلفاء الراشدين والأئمة المرضيين بعدهم وسائر المشايخ من أهل الطريق ومن بينهم سيدي عبدالقادر الجيلاني في الإرشاد إلى أخلاقه وصفاته.

 

بعد ذلك تدخل الدكتور أحمد سعد الخطيب، أستاذ بجامعة الأزهر في مصر، بكلمة حملت عنوان "الإصلاح الأخلاقي مقصد قرآني"، أشار في مستهلها إلى تجدد الآمال والآلام في ذكرى المولد النبوي، موضحا أن  تجدد الآلام يتمثل في ظهور فرق مناوئة، تجهل مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأوضح أنها مناوئة غير متبصرة في جوهره، أو مدافعة متعصبة أغفلت جانب الرحمة.

 

وبين الخطيب أن تجدد الآمال يتجلى في ضرورة استثمار الوقت للقيام بالواجب تجاه النبي صلى الله عليه وسلم، داعيا إلى إعادة اكتشاف شخصيته من خلال التغلغل فيها والعيش معها واستخراج جوهرها الصافي برؤية غواصة متجردة عن المؤثرات.

 

وقدم نماذج لباحثين أثنوا على الرسول صلى الله عليه وسلم في مؤلفاتهم، مثل توماس كارليل في كتاب " الأبطال"، ومايكل هرت في كتابه "الخالدون مائة"، ولبيب الرياشي المسيحي في كتاب "نفسية الرسول العربي". 
 


ونبه إلى دور ذكرى المولد النبوي في بعث روح بحث جديدة منصفة، موجها الى القيام بخطوات عملية من طرف العلماء الربانيين، الذين يجمعون بين الربانية والأكاديمية والهمة المتميزة، ليكشفوا بهذا العمل عن الشخصية الحقيقية للنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، مشيدا بدور الملتقى العالمي للتصوف في إذكاء روح الأخلاق النبوية.

FB_IMG_1634733048957
فعاليات الملتقى العالمي للتصوف 

أما المداخلة الثالثة فقدمها الدكتور الشيخ سليم علوان الحسيني أمين عام دار الفتوى بأستراليا، حول موضوع "معالم خلق النبي الأكرم من القرآن والسنة"، الذي عبر عن "إشراق الدنيا وبهجتها بذكرى ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم، لاسيما ابتهاج وفرح الصوفية به"، مستظهرا آيات قرآنية كريمة تصف الشمائل المحمدية وعظمة خلقه، واستشهد ببعض الأحاديث التي تبين تواضعه وحلمه ومسكنته، وأشار إلى استمرار منهجه الأخلاقي القويم في من التابعين ومن تبعهم من الصوفية كالإمام الجنيد وعبد القادر الجيلاني وأحمد الرفاعي و أبي مدين الغوث وغيرهم، داعيا إلى ضرورة التحلي بأخلاقه الكريمة والمساهمة بالعلم والعمل والخلق الحسن لبناء مجتمع عالمي نافع بعيد عن التطرف لا غلو فيه ولا تقصير ولا إفراط فيه ولا تفريط.

 

وبدورها تطرقت الدكتورة مسيرة لطفي، استاذة باحثة متخصصة في القرآن وعلومه، الى موضوع "إرساء النبي صلى الله عليه وسلم لقيم السلم والتعايش وثيقة المدينة أنموذجا"، وأوضحت أن هذه الوثيقة قد أرست قواعد المواطنة وثبتت أركان العدل بين مكونات المجتمع وطوائفه، ونظمت العلاقات بينها كي يسود التسامح والمحبة ويدخل الناس في السلم كافة، دالة على مدى التحضر الإنساني آنئذ، مبينة أن مختلف الأقليات والطوائف الاجتماعية قد حظيت بما لم تحظ به أي دولة وفق هذه الوثيقة التشريعية المدنية التي تعد اللبنة الأولى في بناء الدولة المدنية  بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة والتي آخت بين الأوس والخزرج والطوائف اليهودية كبني النظير وبني قريظة.

 

وأضافت أن الوثيقة أبانت عن الأساس السلوكي الذي يجب أن يعامل بها المسلمون غيرهم، موضحة أنها كانت "أول عقد سياسي مدني ينظم العلاقات الاجتماعية والسياسية في تاريخ العرب وأول عقد قانوني ونص دستوري لتنظيم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين مختلف المكونات والطوائف على أسس وثوابت جديدة قائمة على الحياة المشتركة وإشراكهم جميعا في إدارة الشأن العام للمدينة أثناء الحرب وفي حالة السلم ، تجمع بينها مشاعر الانتماء والولاء إلى دولة جديدة في احترام تام للخصوصيات الدينية".

 

واختتمت مداخلات هذه الجلسة بكلمة الدكتور محمد صلاح الدين المستاوي من تونس، تحت عنوان "دور الأسوة النبوية في ترسيخ الأخلاق الإسلامية"، أشاد من خلالها بدور مؤسسة الملتقى العالمي للتصوف في إثارة المضامين الأخلاقية  "التي تواكب ما يستجد في الساحة العربية والإسلامية والدولية لتقدم عطاء المشرب الروحي للإنسان في هذا العصر، الذي رسخه شيوخ التربية الصوفية على مر الأزمان كما هو الحال مع شيوخ الطريقة القادرية البودشيسة وبطليعتهم الشيخ سيدي حمزة بن العباس رحمه الله تعالى ونجله والشيخ جمال الدين القادري بودشيش رضي الله عنه".

 

وأكد أن الأخلاق عماد الدين، مبينا أنه من أجلها بُعث سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام، منكرا على من يحصر اتباع رسول صلى الله عليه وسلم في الاقتصار على إتيان الشعائر فقط، وأوضح انهم يقيدون مطلقا، مضيفا أن الاتباع الكامل الموصل إلى درجة لايقتصر على الشعائر بل يتعداه إلى الاقتداء بكل الأفعال والشمائل الأخلاقية.

 

واختتم مداخلته بالإشادة بنموذج مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية، التي تجمع لمريديها وتلاميذها بين التفتح على القيم الإنسانية والتزكية الروحية الربانية، مؤكدا على ضرورة صحبة الشيخ في فعل تزكية النفس.

 

وانعقدت الجلسة الثانية بتاريخ 12 ربيع الأول 1443ه، الموافق  19 أكتوبر 2021م، والتي كانت تحت عنوان "المضامين الأخلاقية للتصوف وأبعادها الكونية"، وترأس أشغالها الدكتور رشيد حميمز، أستاذ جامعي باحث في التصوف.

 

وكانت المداخلة الأولى تحت عنوان "الحكمة والمرجعية الكونية"، ألقاها الدكتور عبدالسلام الغرميني، أستاذ التعليم العالي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، وتحدث فيها عن مفهوم الحكمة في القرآن الكريم والسنة النبوية، وذكر بعض تفاسيرها وإطلاقاتها الأدبية والفلسفية، مشيرا إلى أن السعي في التحقق بالحكمة قيمة كونية ينبغي أن يطمح إليها كل إنسان.


أما المداخلة الثانية فقد تفضلت بها الدكتورة أسماء الرباعي، حول موضوع "كونية القيم الأخلاقية: نماذج من الكتاب والسنة "، أشارت فيها إلى أن الأمة في حاجة إلى مكارم الأخلاق، مستذلة بنماذج من القرآن الكريم ومن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، باعتباره نموذجا يحتذى به سواء قبل البعثة أو بعدها، واكدت أن المقصد من هذه الأخلاق هو تحقيق الأمن الروحي والسلم والسلام والقدرة على مواجهة مختلف التحديات.

 

أما المداخلة الثالثة فقد قدمها الدكتور عبد الرحيم السوني، أستاذ باحث في الرابطة المحمدية للعلماء بفاس، وقد تحدث عن "القيم الدينية وأبعادها الإنسانية والكونية"، أشار من خلالها إلى أن القيم هي التي تكشف هوية الإنسان، موضحا دورها في السمو به إلى أعلى درجات الإنسانية، كما أكد على أهميتها في بناء مجتمع متماسك ومتلاحم، منبها الى النتائج الخطيرة التي يمكن أن تترتب عن غيابها.

FB_IMG_1634733054192
فعاليات الملتقى العالمي للتصوف 

أما المداخلة الرابعة فتناول الدكتور نور الدين الحاميدي  موضوع "جهود أعلام التصوف بالغرب الإسلامي في الدعوة إلى الأخلاق النبوية، كتاب الأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الطرطوشي نموذجا"، تحدث فيها عن "اهتمام علماء الغرب الإسلامي بالدعوة إلى الأخلاق النبوية إيمانا منهم بأن هذه الأخلاق والقيم هي التي ستساهم في الرقي الروحي للأفراد والمجتمعات، وقد سعوا إلى ترسيخ هذه القيم سواء بالقدوة أو بالتأليف من أجل تحقيق جملة من المقاصد أبرزها التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم".

 

أما المداخلة الخامسة والأخيرة فقد ألقاها فضيلة الدكتور حكيم الإدريسي، حيث تحدث عن الأصل في الاحتفال بالمولد النبوي وهو دوام الاتصال الروحي بالرسول صلى الله عليه وسلم والتعلق به، وأكد على ضرورة الانفتاح على الرسول صلى الله عليه وسلم للاستمداد منه إذ هو مصدر الخيرات والفتوحات، وعدم الانغلاق على النفس والذات.

 

يذكر أن هذه الجلسات تمت إقامتها عن بعد وبثت فقراها عبر المنصات الرقمية لمؤسسة الملتقى، في حين يتم تنظيم بعض أنشطة الدورة الحالية من الملتقى العالمي للتصوف بشكل حضوري، ويراعى فيها احترام التدابير الصحية المتبعة، التي فرضتها جائحة كوفيد-19.