رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«مراسلات حسين وجلال أمين» رحلة التكوين والخلافات الفلسفية بين المفكرين الكبيرين

 مراسلات حسين وجلال
مراسلات حسين وجلال أمين

جهد كبير بذله كمال صلاح أمين فى كتابه «أخى العزيز.. مراسلات حسين وجلال أمين» الجزء الأول ١٩٥٠- ١٩٦٠، والصادر مؤخرًا عن دار «الكرمة» للنشر والتوزيع، لإلقاء الضوء على مختلف مراحل حياة المفكرين الكبيرين منذ الطفولة وحتى الشيخوخة، فضلًا عن صورهما فى مراحل مختلفة.

جمع كمال أمين تلك الخطابات المتبادلة بين الأخوين والمفكرين الكبيرين حسين وجلال، ابنىّ الأديب والمفكر والمؤرخ الكبير أحمد أمين، والتى بدأت فى عام ١٩٥٠ وامتدت حتى ١٩٨٧، بعدما وجدها فى ثنايا مكتبتيهما بعد عدة سنوات من وفاتهما، وكانا قد تبادلاها على مر السنين، وبدأ بقراءتها وحفظها وتحريرها. 

عن تلك الخطابات يقول: «وجدت أن مضمون خطاباتهما يلقى ضوءًا على حياتهما، وعلى مراحل تطورهما الفكرى والثقافى من زوايا مختلفة، كما وجدت أن موضوعاتها الثقافية والفلسفية والدينية لا تجعلها مفيدة للقارئ العام فحسب، بل إنها إن وضعت بجانب كتاباتهما الأخرى، سواء الاقتصادية أو الإسلامية أو السير الذاتية، ستجعل الأخيرة أكثر وضوحًا، فتضىء بُعدًا جديدًا لشخصيتيهما، وتوضح تأثير كل منهما على الكتابات اللاحقة».

بدأ كمال أمين الكتاب بفصل يحمل عنوان «النهايات»، كشف فيه عن تفاصيل اللقاء الأخير بين الأخوين حسين وجلال أمين، حين كان الأول يمكث فى غرفة العناية المركزة، ويقف الثانى عند نهاية السرير يحاول بدء حديث مع أخيه فلا يستجيب سوى بكلمات قليلة وإشارات ضعيفة، ولم يكن يبدو على «حسين» التأثر أو حتى سماع ما يقوله له مَن حوله، وبدا وجهه مختلفًا عما قبل، بعدما أصابه ما أصابه من نحافة ومرض.

وحرص محرر الكتاب على أن يقدم قائمة تعريفية بأفراد عائلة المفكر الكبير أحمد أمين، لأنه جاء ذكرهم فى الخطابات، ثم بدأ فى رصد المراسلات بين حسين وجلال أمين التى حملت عنوان «البدايات»، وبدأت بخطابين غير مؤرخين، كتبهما «حسين» فى عام ١٩٥٠ أثناء تواجده فى لندن فى رحلة صيفية استمرت ثلاثة أشهر.

ولعل أهم ما قام به كمال صلاح أمين أنه راعى فى تحرير الكتاب أن يضيف فقرات قصيرة فى بداية الفصل أو منتصفه- حسب الحاجة- لإعطاء نبذة عن موضوع الفصل ومحتوى الخطابات؛ توضيحًا للسياق وتسهيلًا لمتابعته.

ويشير محرر الكتاب إلى أنه اقتدى بأسلوب جلال أمين عند نشره بعض الخطابات المتبادلة، كإضافة حاشية إما لشرح جزء من الخطاب أو حدث ورد فيه أو اسم قد يكون مجهولًا للقارئ، وحاول أن يُبقى كل هذه المداخلات عند حدها الأدنى، إبقاءً للضوء على الخطابات ذاتها.

وفى فصل جاء بعنوان «مصرى فى الغربة»، يحكى الكاتب عن الفترة التى تبعت تخرج حسين أمين فى كلية الحقوق عام ١٩٥٣، وعمله مذيعًا فى الإذاعة المصرية لمدة عام، وما تعرض له من رفض الإذاعة إعطاءه موافقة للالتحاق بهيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى».

وتلا ذلك خطابات هذه المرحلة من ديسمبر عام ١٩٥٤، حين تولى «حسين» مهامه كمذيع فى القسم العربى من الإذاعة البريطانية، لأخيه «جلال» ووالدته «زينب» يتحدثان إليه عن تجمع العائلة لسماع صوته فى الراديو، كما كتب «جلال» رأيه فى أداء أخيه ولغته، واستمرت هذه الخطابات حتى عام ١٩٥٦.

«مباهج لندن»، هكذا جاء عنوان الفصل الثالث من الكتاب الذى بدأه كمال صلاح أمين بفقرة تحكى عن تخرج «جلال» فى كلية الحقوق، وعمله لفترة قصيرة معيدًا فى قسم الشريعة الإسلامية، ثم حصوله على بعثة حكومية إلى مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، ومن بعدها، وتحديدًا فى ٢٣ يناير ١٩٥٨، اضطر لوداع عائلته فى بورسعيد صاعدًا إلى الباخرة المتوجهة إلى إنجلترا، واستمرت إقامته فى لندن ٦ سنوات، تزوج خلالها من فتاة إنجليزية وحصل على شهادة الدكتوراه، قبل أن يعود هو وزوجته إلى مصر فى عام ١٩٦٤.

ومن بعدها، بدأ محرر الكتاب فى رصد المراسلات بين «جلال» ووالدته وأخيه «حسين»، وحديث الأول مع أخيه عن الحياة والإقامة فى لندن، فضلًا عن معارضته أن يترك حسين العمل فى وزارة الخارجية ويتفرغ للعمل الأدبى، فقد كان رأيه أن يستغل الوقت المتاح أمامه فى الكتابة ليثبت نفسه أولًا ويعترف الناس به ككاتب، ثم يترك الوظيفة، إلى جانب غير ذلك من الأمور التى تشاوروا فيها مع بعضهما البعض.

وتعد مراسلات الجزء الأول بين حسين وجلال أمين بمثابة إطلالة نادرة على شباب قامتين عظيمتين فى الثقافة العربية، كما تسلط الضوء على رحلتيهما الثقافية الطويلة، وكيفية وصولهما إلى تلك المكانة الأدبية، خاصة مع استمرار مراسلاتهما حتى السنوات الأولى لبدء شهرتهما فى الميدان الثقافى.

واعتمد كمال أمين فى تحرير الكتاب بشكل أساسى على كتب السيرة الذاتية للأخوين، لاسيما كتب «ماذا علمتنى الحياة؟» و«رحيق العمر» و«مكتوب على الجبين» لجلال أمين، وكتب «كيمياء السعادة» و«فى بيت أحمد أمين» و«أبوشاكوش» و«شخصيات عرفتها» لحسين أمين، وإن صادف حدثًا لا ذكر له فى هذه الكتب، وجد بين أفراد العائلة العديد من المصادر التى عاينت الوقائع بشكل شخصى وما زالت تتذكر الأحداث.

ويختتم محرر الكتاب مقدمته قائلًا: «رغم تشابه سنواتهما الأولى فى مرحلة التكوين الثقافى من سفر إلى لندن ثم إقامة فيها، فإن عقليتهما ومجريى تفكيرهما افترقا، فسلك كل منهما طريقًا فكريًا مختلفًا عن الآخر، وهو ما أدى فى كثير من الأحيان إلى خلافات فلسفية ومناقشات أدبية أثرت على محتوى الخطابات.. كل تلك العوامل أدت فى رأيى إلى أن يخرج هذا الكتاب بهذه الصورة، ليجمع بين مميزات كتب الرسائل والسيرة الذاتية، والمذكرات، والتاريخ، والأدب، والسفر».