رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بى بى سى.. وحرب 6 أكتوبر المجيدة

في لحظة من الزمان كان توقيت حرب أكتوبر أنه يوم صدم دولة الاحتلال الإسرائيلي، وأحدث هزة زلزلت حلفاء الصهيونية. 

لا أدري إلامَ تريد أن تصل شبكة «بي بي سي» البريطانية من تحقيقها الذي توصل فيه كاتبه (صحفي مصري ميداني يعمل في البي بي سي) مقررا أن اختيار يوم الغفران لبدء الجيش المصري والجيش السوري الهجوم على دولة الاحتلال، إسرائيل، وأن (توقيت) ساعة الصفر ويومها "كان نصيحة جنرال روسي". 

إلى هذه الدرجة تحاول شتى وسائل الإعلام الغربية دس أنفها في الشأن المصري، العسكري بالذات. 

حرب أكتوبر "حرب العاشر من رمضان"، كما تعرف في مصر، أو حرب تشرين التحريرية كما تعرف في سوريا، أو حرب يوم الغفران (ميلخمت يوم كيبور) كما تعرف في دولة الاحتلال الإسرائيلي- هي حرب شنتها كل من مصر وسوريا عام 1973، وهي رابع الحروب العربية الإسرائيلية بعد حرب 1948 (حرب فلسطين) وحرب 1956 (حرب السويس) وحرب 1967 (حرب الستة أيام)، حسب وثائق عسكرية أرهخت للحرب، التي بدأت يوم السبت 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1973 م، الموافق 10 رمضان 1393 هـ. 
ما الذي حدث؟. 
باختصار، تم التنسيق العسكري المصري السوري لأول مرة ربما مند نكبة فلسطين 1948، وحتى نكسة1967، ووفق خطط عسكرية في غرفة عمليات الجيش المصري، واتفق على القيام بهجومين مفاجئين ومتزامنين على القوات الإسرائيلية؛ أحدهما للجيش المصري على جبهة سيناء المحتلة وآخر للجيش السوري على جبهة هضبة الجولان المحتلة، حسبما تم دون إشارات لوجود أثر لخبرات أو منشورات عسكرية غربية أو من أوروبا الاشتراكي أو روسيا، الاتحاد السوفيتي وقتها. 

المنصة الإلكترونية rt الروسية الرسمية قالت: كشف ضابط مصري، عمل بغرفة عمليات المخابرات العامة المصرية أثناء حرب 6 أكتوبر، عن أن "توافر المعلومات الدقيقة عن العدو أمام القيادة السياسية وعنصر المفاجأة كان أهم عوامل النصر".

وقال اللواء محمد رشاد، ضابط غرفة عمليات المخابرات العامة إبان حرب أكتوبر، في تصريح خاص لـRT: "إن جهاز المخابرات العامة وضع كل المعلومات الدقيقة أمام القيادة السياسية عن العدو الإسرائيلي والقوات الموجودة شرق قناة السويس، وكانت تلك المعلومات حصيلة جهد ممتد استمر لسنوات، حيث كانت المخابرات العامة تعمل على هدفين مهمين، إجهاض أي محاولة تجسس يقوم بها العدو الإسرائيلي، وبالفعل تم القبض على عدد من الجواسيس، أبرزهم هبة سليم التي كانت واحدة من أخطر مصادر المعلومات بالنسبة لإسرائيل، وتم استدراجها من فرنسا إلى ليبيا ثم القبض عليها وترحيلها لمصر".

وأضاف رشاد: "الهدف الثاني توفير المعلومات الدقيقة عن قدرات العدو العسكرية والاقتصادية أمام القيادة السياسية لاتخاذ القرار السياسي والعسكري المناسب، وهو ما نجح فيه جهاز المخابرات العامة المصرية باقتدار، كان نتيجته تحقيق النصر الحاسم في ست ساعات وتقليل خسائر الجيش المصري لأقصى حد ممكن".

وتابع رشاد أن "الخطة العسكرية كانت تنصب أساسا على أن يقوم الجيش المصري بعبور القناة وتحطيم خط بالريف والوصول لمسافة 15 كيلو داخل عمق سيناء حتى تكون القوات المصرية تحت مظلة حائط الصواريخ، لأننا نعلم أن قدرات العدو الإسرائيلي قوية بالنسبة للقوات الجوية، حيث يتمتع بتفوق كبير في هذا المضمار".

وكشف اللواء محمد رشاد النقاب عن أن "موعد ساعة الصفر كان السادسة مساء 6 أكتوبر، لكن الجانب السوري طلب في اللحظات الأخيرة تقديمها  للساعة 2 ظهرا".
وهنا إشارة مهمة، بعدم وجود طرف ثان يعلم بيوم الحرب، أو الساعة غير القيادة العسكرية المصرية، حسبما قال الضابط رشاد. 

عامر سـلطان، الصحفي الذي أورد عبر «بي بي سي نيوز عربي» ما كشفت عنه وثائق بريطانية أن السوفيت "هم الذين نصحوا الرئيس المصري الراحل أنور السادات باختيارالسادس من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973" لعبور قناة السويس وبدء الهجوم على الجيش الإسرائيلي الذي كان يحتل سيناء.

وكان اختيار هذا اليوم الموافق السبت، الذي يطلق عليه اليهود بالعبرية اسم يوم كيبور، أي الغفران، العاشر من شهر رمضان، أحد عناصر المفاجأة التي شلت حركة إسرائيل في الأيام الأولى للحرب.

هل فعلا هناك وثائق عسكرية سرية اطلعت عليها «بي بي سي»؟، وكيف هو شكل هذه الوثائق، صوتية أم ورقية أو مواد فلمية أو نتائج مراسلات تلكس أو برق، أو محاضر اجتماعات عسكرية أو استخبارية؟، كل ذلك مبهم عن معد التحقيق. 
فهل كانت روسيا السوفيتة بقدر ما فصلت «بي بي سي» لها، أن حجم الدعم السوفيتي لمصر وسوريا حتى "قبل الحرب وخلالها" كان أكبر بكثير مما يُعتقد.

تقول شبكة «بي بي سي» إن معلومات الناتو الاستخباراتية، (لا تفسير عن كيف تم الكشف عن المحتوى)، في ذلك الوقت، تشير إلى أنه "خلال دراسة المصريين لحرب يونيو، أوصى المستشار الروسي الكبير، الجنرال فاسيليوفيتش، بفترة يوم كيبور باعتبارها أفضل وقت للهجوم لتحقيق المفاجأة".

واستندت النصيحة إلى أنه في هذا اليوم تتوقف الحياة بشكل شبه تام وفقا للتعاليم اليهودية المتبعة.

وقالت: "في هذا اليوم يكون سكان إسرائيل في المنزل يتأملون، ويصومون، وتظل أجهزة المذياع مغلقة".

وفي تحقيق الشبكة الإعلامية البريطانية إشارات إلى أن ما أثار اهتمام خبراء الناتو هو احتمال أن يكون الاتحاد السوفيتي على علم أكبر بكثير مما كان يُظن بخطط السادات في مرحلة مبكرة، وهو ما يجعل السوفيت، حسب دراسة الحلف، يستحقون "قدرا أكبر من الاعتراف بفضلهم".

هذا تحليل فيه تشويه وعدم دقة، فقد كانت قدرات الجيش المصري تعد منذ نكسة 67 للانتقام من العدو الصهيوني، وقد كان ذلك بحرفية مصرية، مدعمة بوثائق ومحاضر اجتماعات وخطط عمليات على الأرض، مشهود لها.

وتقدم «بي بي سي» مقاطع من تقرير الناتو وفيه إشارات إلى أن الولايات المتحدة قد استخدمت أقمارها الاصطناعية، كما كشف وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، هنري كيسنجر، في إرشاد الإسرائيليين إلى وجهة الضربات المصرية الرئيسية، وخريطة انتشار دفاعات صواريخ سام (صواريخ سطح- جو)، والأهم نقطة الضعف في المسافة بين الجيشين الثاني والثالث، التي اخترقها الإسرائيليون في النهاية وعبروا القناة إلى الأراضي المصرية.. وأن الأقمار الاصطناعية السوفيتية "مكنت العرب، قبل العمليات القتالية، من التأكد من الترتيبات الإسرائيلية في سيناء، ومن أن يروا، لاحقا بعد أن بدأ الإسرائيليون في التحرك غربا، التهديدات التي تتعرض لها القاهرة".

وخلص التحليل الاستخباراتي لهذه "المعلومات" إلى أن "التخطيط والاستعداد اللازمين لإطلاق (الأقمار)، ولتنظيم الجسر الجوي لنقل عائلات الروس وبعض المستشارين من مصر وسوريا، يشير حتى إلى علم مسبق قبلها بوقت أطول".

هل فعلا تضمنت دراسة حلف الناتو تحليلا استخباراتيا لتوقيتات وأشكال الدعم الأمريكي لإسرائيل، والسوفيتي لمصر وسوريا، وحجم فائدة هذه المعلومات.

ماذا عن حاجة الجيش المصري للدعم السوفيتي، حقيقته وحجمه الحقيقي، لأن وصف هذا الدعم بالقول: "حجم الدعم السوفيتي للعرب أكبر وأهم بكثير من المعروف عنه"، تشويه لمسارات الحرب ونتائجها.

ولا تربط الشبكة حقيقة أن الرئيس أنور السادات كان قد قرر يوم 17 يوليو عام 1972 "إنهاء مهمة" الخبراء العسكريين السوفيت في مصر، الذين كان سلفه عبدالناصر قد استقدمهم للمساعدة في إعادة بناء القوات المسلحة المصرية بعد الهزيمة في حرب 67 أمام إسرائيل..

وأبلغ السادات، كما تقول وثائق بريطانية أفرج عنها في وقت سابق، البريطانيين رسميا بأنه جاد في إعادة النظر في علاقاته مع الاتحاد السوفيتي.
وهذا أمر سابق لموعد الحرب، فكيف تقبل السوفيت التعاون وتقديم المنشورات لجيش أنهى استشاراتهم ووجودهم في مصر قبل الحرب بأشهر طويلة.

وقالت دراسة الناتو: "على خلاف الروابط عبر البحر بين الاتحاد السوفيتي والعرب، كانت خطوط الإمداد البحري بين الولايات المتحدة وإسرائيل طويلة، وتستغرق الرحلة البحرية الواحدة 10 أيام، ولذا فإن إعادة الدعم البحري من ساحل الولايات المتحدة الشرقي ومن بريميرهافن الساحلية، في ألمانيا، لم يكن له تأثير على المعركة قبل وقف إطلاق النار الثاني"، يوم 24 أكتوبر عام 1973.

.. ليس في وثائق الصحفي الميداني عامر سلطان أي دراية بالتحليل الوثائقي المقارن، إذ فشل في الخروج بمادة حقيقية تثري تاريخ هذه الحرب التاريخية، التي أقرت دولة الاحتلال عبر رئيسة وزراء إسرائيل، غولدا مائير، بالتقصير، وهو عنوان يومياتها عن حرب أكتوبر. 

أيضا، وهذا مهم في الذكرى العزيزة لانتصارات الجيش المصري، إن الوثائق الإسرائيلية لم تشر إلى أي دور سوفيتي حاسم كما تحاول «بي بي سي» فرض ذلك، عبر تقريرها، ولنقرأ ما كتب المؤرخ الإسرائيلي "نتانئِل لورْخ" عندما أراد تعريف حرب 6 أكتوبر:

أطلِق على الحرب هذا الاسم نظرًا لنشوبها في أقدس يوم لليهود، يوم الغفران (6 من تشرين الأول أكتوبر 1973)، وجاءت هذه الحرب كمفاجأة شبه تامّة وحصل الإنذار بوشك نشوبها في وقت متأخر مما جعل التعبئة المنتظمة لقوات الاحتياط في ساعة الصفر أمرًا مستحيلا.
وأضاف:
حقّق الجيشان المصري والسوري بعض الإنجازات الهامة في المرحلة الأولى؛ فاجتاز الجيش المصري قناة السويس وانتشر على امتداد الضفة الشرقية من القناة، أما الجيش السوري فاجتاح هضبة الجولان واقترب من بحيرة طبريا، ولكن سرعان ما انقلبت الأمور رأسًا على عقب، ففي غضون أيام قليلة ومن خلال شن الهجمات المضادة والتي اتّسمت أحيانًا بالمجازفة، وصل جيش الدفاع إلى الضفة الغربية من قناة السويس على بُعد 100 كيلومتر عن العاصمة المصرية، القاهرة، وكانت مدفعية جيش الدفاع قادرة على إصابة المجال الجوي المحيط بالعاصمة السورية دمشق.
وافقت مصر على القبول بوقف إطلاق النار بحماسة، وذلك بعد أن رفضت ذلك في البداية، وحذت سوريا حذوها، ونظرًا للملابسات في المرحلة الأولى والتي لم تصبّ في مصلحة إسرائيل، فإنّ  قدرة جيش الدفاع على قلب الأمور بسرعة وبشكل تام كانت رائعة واستثنائية، ورغم ذلك فإنّ حرب يوم الغفران دخلت تاريخ إسرائيل كإخفاق خطير بسبب المفاجأة، إذ إن الحرب كبدت إسرائيل ثمنًا باهظا بمقتل 2،688 جندي إسرائيلي.

..وحقيقة، فإن مجرد ذكر كيف أنه اتُهمت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في العجز عن توفير الإنذار في الوقت المناسب- واضطرّ رئيس هيئة الأركان دافيد (دادو) إيلْعَزار ورئيس هيئة الاستخبارات في جيش الدفاع إلى الاستقالة، وتم خلال الحرب إسقاط طائرات إسرائيلية عديدة نتيجة لتعرضها لإطلاق صواريخ روسية الصنع من طراز sam، وتوصّل بعض الخبراء إلى الاستنتاج القاطع بأن أيَام الدبابات قد ولت نظرًا لكونها عرضة لإصابة صواريخ ساغِير وقذائف آر بي جي تطلقها قوات المشاة، فمن ضمن 265 دبابة إسرائيلية في النسق الأول لم تبق إلا 100 دبابة صالحة للخدمة.

أيضا، تؤرخ الوثائق الإسرائيلية لحالة الحرب من زاوية تدريس الخطط التي قادها نخب ضباط وأفراد الجيش المصري، وتاليها الجيوش العربية المشاركة، كأنموذج للخطط الحربية المتجددة، بدلالة عدم اعتمادها على حالة مؤشر ما من مكان ما، أو دولة ما، برغم تداخل الاتصالات والأخبار ومظاهر الحرب النفسية والإعلامية والخداع الصهيوني في التعامل مع نتيجة الحرب في كل الجبهات.