رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مأزق «فيسبوك».. وسلامتنا!

الخسارة الفادحة، التى نتجت عن تعطل خدمات «فيسبوك» لمدة ٦ ساعات تقريبًا، مساء الإثنين الماضى، قد تتبعها خسائر أخرى أكثر فداحة، بعد تصاعد أزمة التسريبات الأخيرة، وتوافق الحزبين الرئيسيين، الجمهورى والديمقراطى، على اتهام الشركات التكنولوجية الكبرى، بإساءة استغلال هيمنتها على السوق الرقمية، وبأنها باتت تهدد ديمقراطيتهم وبلدهم والمجتمع والناس.

فى بيان صدر، مساء الإثنين، قالت «فيسبوك» إن العطل الواسع نتج عن «تغيير خاطئ فى إعدادات الخوادم» التى تربط هذه المنصّات بمستخدميها من خلال الإنترنت». موضحة أن هذا التغيير الخاطئ أدى إلى «سلسلة من المشاكل أثرت على أدوات وأنظمة كثيرة، ما عرقل جهود تشخيص المشكلة وحلها». غير أن تزامن العطل مع تصاعد أزمة التسريبات وظهور هوجين على شاشة «سى بى إس»، فتح الباب أمام عددٍ من «نظريات المؤامرة»، كان أكثرها انتشارًا تلك التى تتهم شركة «فيسبوك» بأنها تعمدت تعطيل عمل منصتها ومنتجاتها. 

أصحاب هذه النظرية قالوا إن مهندسى الشركة استغلوا فترة التوقف، لعمل مسح شامل وإلغاء جميع الأمور الحساسة، التى كشفتها تسريبات فرنسيس هوجين، الموظفة السابقة فى الشركة، خوفًا من قيام الكونجرس، بعد جلسة الاستماع لشهادة هوجين بتشكيل لجنة من الخبراء، ومنحها صلاحيات فحص خوادم الشركة، واكتشاف ما قد يكون أبعد وأخطر مما تم تسريبه. 

انضمت هوجين، Frances Haugen، إلى «فيسبوك» سنة ٢٠١٩، وقبل مغادرتها الشركة فى مايو الماضى، قامت بتسريب مستندات ووثائق داخلية إلى جريدة «وول ستريت جورنال»، لم تشكك «فيسبوك» فى صحتها، لكنها اتهمت الجريدة بالانتقاء المتعمد لخدمة هدف ما. كما لم تعلق الشركة على ما قالته هوجين فى مجلس الشيوخ، أمس الأول الثلاثاء، عن قيام الشركة قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة بإجراء تعديلات على خوارزمياتها للحد من انتشار الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة. لكنها، «بمجرد انتهاء الانتخابات» أعادت الأوضاع إلى ما كانت عليه «بهدف إعطاء الأولوية للنمو على السلامة». وأوضحت: «كان هناك تضارب بين ما هو مفيد للجمهور وما هو مفيد لفيسبوك، واختارت الشركة مصالحها».

أمام أعضاء لجنة التجارة فى مجلس الشيوخ، قالت هوجين إن «فيسبوك» تضع أرباحها فوق المصلحة العامة، ومصالح مستخدمى تطبيقاتها. واتهمت هوجين الشركة بأنها تجاهلت عمليات تجسس إيرانية وصينية على دول أخرى، لأن لديها نقصًا فى الموظفين المسئولين عن التصدى للتجسس ومكافحة الإرهاب. كما زعمت أن خوارزميات المنصة أجّجت المشاعر العرقية فى دول كإثيوبيا، باعتمادها على لغتين فقط، وتجاهل باقى لغات مواطنى تلك الدولة. وقالت: لا أحد خارج «فيسبوك» يعرف ما يحدث داخل «فيسبوك»، مؤكدة أن قيادة الشركة تخفى المعلومات الحيوية عن مستخدميها والمساهمين فيها والإدارة الأمريكية وكل حكومات دول العالم. 

على الخط، دخل البيت الأبيض، وقالت جين ساكى، المتحدثة باسمه، خلال إفادتها الصحفية اليومية، إن التسريبات تثبت صحة «القلق الكبير الذى عبر عنه الرئيس (بايدن) والمشرعون من الحزبين حول كيفية عمل شبكات التواصل الاجتماعى الضخمة والسلطات التى استحوذت عليها» إضافة إلى تأكيدها على فشل فكرة «التنظيم الذاتى». وفى تأكيد جديد على أن المصائب لا تأتى فرادى، أعلنت هيئة الاتصالات الروسية «روسكومنادزور»، عن تقدمها بشكوى ضد شركة «فيسبوك» لرفضها مرارًا حذف مضامين غير قانونية. وهددت الهيئة، فى بيان، بفرض غرامة قد تتراوح بين «٥٪ و١٠٪ من حجم التداول السنوى» للشركة الأمريكية فى روسيا.

السكاكين تتكاثر والانتقادات تتزايد، وثقة المستخدمين تتناقص، والكونجرس الأمريكى يهدد منذ سنوات بوضع أطر تنظيمية لـ«فيسبوك» وشبكات التواصل الاجتماعى الأخرى، التى توحشت وظهرت أنيابها ومخالبها. وهناك بالفعل مشروعات لخمسة قوانين، تم الإعلان عنها فى يونيو الماضى، تستهدف «فيسبوك»، «آبل»، «أمازون» وشركة «ألفابت» مالكة «جوجل»، وقد تؤدى، حال تمريرها، إلى إعادة تشكيل الصناعة، التى وصل تأثيرها إلى كل جوانب الحياة.