رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القضاء وثورة 30 يونيو

تابعت بالأمس احتفال قضاة مصر بالعيد الأول للقضاء، والذى شرفه الرئيس السيسى بالحضور.. ولعل أهم ما فى قضاء مصر أنه رغم استقلاله الواضح أدرك دوره كركيزة أساسية للدولة المصرية وكسلطة أساسية من سلطاتها، ولم يكن غريبًا أن يشارك القضاة ضمن جموع الشعب فى التصدى للخطر الذى واجه الدولة المصرية أثناء حكم الإخوان المسلمين، ولم تكن هذه المشاركة وليدة اهتمام بالسياسة التى ينزه القضاة أنفسهم عنها، لكنها كانت وليدة إحساس بالخطر على كيان الدولة الوطنية، والقضاء إحدى مؤسساتها، وعلى مصر كلها والقضاة أبناء لها.. لكن أروع ما حدث أن ثورة ٣٠ يونيو فى تأثيرها الشامل على حياة المصريين جميعًا، أثرت على القضاء المصرى كما أثرت على غيره من مؤسسات الدولة المصرية التى مستها جميعًا يد الإصلاح التى أطلقتها ٣٠ يونيو مستهدفة إنقاذ الدولة المصرية من عوامل الضعف التى تناوشتها وكادت أن تؤدى إلى سقوطها فى يد الفوضى.. وكان أن عمد القضاة إلى إصلاح حال السلطة القضائية مستقلين فى ذلك عن أى تأثير سياسى ومستجيبين فى نفس الوقت لكل تأثير وطنى نتج عن تيار الإصلاح العام.. وكانت الخطوة الأولى تطهير صفوف القضاء المصرى من عدد من الأفاعى الإخوانية السامة الذين طالما تستروا برداء القضاة، وادعوا الاستقلال ولم يكونوا فى حقيقة الأمر سوى خلايا نائمة ومستترة لجماعة الإخوان فى صفوف القضاء المصرى، وكان هذا أول تأثير لثورة ٣٠ يونيو على القضاء المصرى.. وكان ذلك استجابة لنازع الوطنية لا لطلب السياسة، فلم يكن من الممكن أن تحافظ واحدة من أعرق مؤسسات الدولة المصرية داخل صفوفها على تيار يعادى فكرة الدولة الوطنية نفسها، ويحلم بزوالها واندماجها فى غيرها.. وكان المؤشر الثانى للتغيير فى هذه المؤسسة العريقة ذات التقاليد الراسخة هو استقالة وزير العدل المستشار محفوظ صابر فى وقت مبكر من ولاية الرئيس السيسى، حين صرح لبرنامج تليفزيونى بأن ابن عامل النظافة لا يصلح أن يكون قاضيًا، كان الرجل يعبر عن اعتقاد ساد طويلًا فى سنوات ما قبل ٣٠ يونيو، وسيطر على أذهان الكثيرين، لكن إقالته من منصبه التنفيذى، كانت رسالة سياسية، وكانت الرسالة تقول إن الأوضاع يجب أن تتغير، وأن من حق النابهين من أبناء مصر أن يعملوا فى مؤسساتها المختلفة ما داموا يحملون المؤهلات المناسبة لذلك.. وأن بعض هذه الأقاويل استخدمت قبل يناير ٢٠١١ فى تأكيد ادعاءات الفئوية، واحتكار النخبة المناصب، وتدوير الامتيازات فى بعض الوظائف.. ولم يكن كل ذلك صحيحًا، لكن كله لم يكن خاطئًا أيضًا.. وكانت رسائل الإصلاح تقول بفتح أبواب الفرص أمام الجميع ماداموا يحملون التأهيل الكافى.. هذه الأجواء الإصلاحية التقطها القضاة أنفسهم فإذا بنا أمام مجموعة أخرى من الإجراءات مثل حق المرفوضين فى مجلس الدولة والنيابة العامة فى الحصول على وثيقة رسمية بأسباب الرفض، وحقهم فى الطعن على قرار الرفض أمام الجهة القضائية المختصة، وعدم جواز تقدم الخريج لهيئتين قضائيتين فى نفس السنة حتى لا يحدث نوع من أنواع شغل الفرص أو حجز الوظائف، وهى كلها إجراءات إصلاحية ذات بعد اجتماعى واضح يترجم أهداف ثورة ٣٠ يونيو فى بعدها الإصلاحى والاجتماعى.. ثم كانت الرسالة الأقوى من رسائل الإصلاح بقبول تعيين المرأة فى النيابة العامة ومجلس الدولة وهو ما يعنى مساواتها مساواة كاملة بالرجل، وفتح باب الترقى أمامها لأكبر المناصب القيادية، بعد أن كان عمل المرأة فى القضاء فى ما مضى أقرب لفكرة التمثيل المشرف.. إن كل هذه الخطوات الإصلاحية التى أقدم عليها القضاة المصريون تدلنا إلى مدى كانت نفاذية إصلاحات ٣٠ يونيو وتأثيرها على كل مؤسسات الدولة المصرية، وكل نواحى الحياة فيها، حيث لم يعد بإمكان كاذب أو مدعٍ أن يقول إن القضاء المصرى سلطة مغلقة على نفسها لها طابع ذكورى وفئوى وطبقى كما كان يقال منذ سنوات.. القضاء المصرى مؤسسة من مؤسسات الدولة المصرية مفتوحة للنابهين من أبناء مصر.. بغض النظر عن الجنس أو الدين أو الانتماء الاجتماعى.. وهو ما ندين به جميعًا لثورة ٣٠ يونيو ولقضاة مصر المحترمين.. فتحية لهم فى عيدهم.