رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا مستقبل للإخوان

وأنا أستعد لكتاب جديد، وقعت فى يدى دراسة أكاديمية تحمل اسم «الإخوان ومبارك صراع الشرعية»، الكتاب رسالة دكتوراه فى إحدى جامعات الغرب أعدها الباحث هشام العوضى.. الرجل متعاطف مع الإخوان لأقصى درجة، لكن هذا ليس هو الموضوع.. حين انتهيت من قراءة الكتاب أدركت أن فرص الإخوان ستكون قليلة جدًا فى المستقبل.. فكرة الكتاب الرئيسية أن «الإخوان» كانت تستمد شرعية وجودها من فشل دولة مبارك وانصرافها عن أداء دورها الطبيعى تجاه مواطنيها.. يضرب الباحث مثلًا بما حدث فى زلزال أكتوبر ١٩٩٢ وكيف كان نقطة تحول فى إعلان قوة الإخوان فى الشارع المصرى، كانت دولة مبارك كما بدا ضعيفة وكسولة وقاصرة ومقصرة، لم تستطع استيعاب آثار الزلزال وتوابعه ولا إغاثة المنكوبين بما يكفى، لم تكن يد الدولة قادرة، ولا متحمسة، ولا تمتلك الكفاءة اللازمة، نزل «الإخوان» فى كل موقع أضير من الزلزال، قدموا المساعدات وعالجوا الجرحى، كانوا يقدمون أوراق اعتمادهم للناس، وكانوا يقولون لهم نحن نستطيع أن نقدم لكم ما لا تقدمه دولة مبارك، نحن الأكثر كفاءة، والأكثر تقوى، والأكثر إحساسًا بكم.. لا تسألنى من أين كان الإخوان يأتون بالتمويل اللازم.. فهذا موضوع آخر اسأل عنه دولة مبارك نفسها.. من ضعف الدولة المصرية وقتها، وتخليها عن دورها، وشائعات الفساد التى كانت تحاصرها، وانعدام القدرة الذى يلمسه الناس، ولد ما يسميه الباحث «شرعية الإخوان» وقتها.. ما يقصده الباحث هنا هو شرعية الأمر الواقع، أو شرعية الإنجاز، وهى شرعية أخرى عن الشرعية الشكلية التى تحدث عنها محمد مرسى وصارت محلًا لتندر الناس بعد ذلك.. حين أنظر لمستقبل الإخوان فى ضوء الواقع الحالى أجد أنه لا مستقبل لهم، ستستمر الجماعة كتيار فكرى يرتكز على الدين، لكنها أبدًا لن تكون لها هذه «الشرعية» التى كانت لها أيام مبارك.. لماذا؟ لأن الدولة المصرية استعادت أسباب شرعيتها، اهتمت بمواطنيها، بسطت ظلال رعايتها الاجتماعية والسياسية والأمنية أيضًا بكل قوة، لم يعد بإمكان الإخوان اتهام الدولة المصرية بأنها دولة مقصرة، أو أنها لا تؤدى دورها تجاه مواطنيها، ولم يعد بإمكانهم إطلاق شائعات الفساد ضد مسئوليها.. لأن الدولة تضرب الفساد بيد من حديد، هناك بقايا للماضى بكل تأكيد.. وهناك مافيا للفساد بكل تأكيد، ولكننا نتكلم عن الاتجاه الرسمى أو اتجاه رأس الدولة.. هو ضد الفساد ويحتقر الفاسدين بكل تأكيد.. لم يعد بإمكان الإخوان حاليًا أن يستأثروا بالريف المهمل، وأن يشكلوا تصورات أبنائه عن العالم.. لأن الدولة دخلت الريف المصرى وبقوة لم تحدث فى التاريخ.. لم يعد بإمكان الإخوان أن يقولوا إنهم يقومون بعلاج الناس بدلًا من الدولة المقصرة.. ولا بتعليمهم بدلًا من الدولة.. لأن الدولة دخلت بقوة كبيرة عبر مبادرات الصحة والتعليم وعبر مشروع «حياة كريمة» لتصل بهذه الحقوق إلى كل مكان على أرض مصر.. والمعنى أن الإخوان فقدت «الشرعية» التى كانت تتمتع بها فى زمن مبارك، والتى استخدمتها فى إسقاطه ومعه مؤسسات الدولة المصرية «بقدر ما استطاعت»، بعدها فقدت الجماعة شرعيتها على ثلاث مراحل.. المرحلة الأولى حين تولى رئيس منها الحكم وأثبت فشلًا غير مسبوق إزاء مشكلات الواقع، وبالتالى فقدت الجماعة شرعية «الكفاءة» أو ادعاء الكفاءة.. ثم كانت المرحلة الثانية من فقد الشرعية بتولى الرئيس السيسى وانخراطه فى خطة عمل دائمة وعملاقة وعودة الدولة القادرة والمهتمة بمواطنيها والتى تتمتع بسمات سياسية وأخلاقية وفكرية واضحة.. ثم كانت المرحلة الثالثة من فقد الإخوان شرعيتها أمام أعضائها أولًا وأمام الجميع ثانيًا حين لم تجد الجماعة أمامها سوى الاستكانة وقبول الأمر الواقع والعودة لخطة التقية، وهو ما سيجعل أعضاءها يسألون قادتها قائلين: «ما كان من الأول»!! وستظهر أسئلة عن المسئول عن قرارات الصدام، والسير فى طريق الإرهاب، وعن الثمن الذى دفعه شباب الجماعة، وعمّن ذهب للسجون ومن تنعّم فى مدن أوروبا، وعمّن دخل السجن ومن ركب السيارات الفارهة؟.. والمعنى أن الجماعة ستبقى جسدًا بغير روح، وكيانًا بغير شرعية، ستبقى كجملة من الماضى لا مكان لها فى كتاب المستقبل.. والأكيد أن دولة مبارك لو كانت دولة قادرة لما كان للجماعة مثل هذا الوجود الضخم الذى أدى لإسقاط الدولة نفسها.. لا شرعية للإخوان مع دولة تتمتع بالكفاءة.. والدولة المصرية حاليًا تتمتع بالكفاءة.. وبما هو أكثر بكثير.