رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يوميات تنويرية.. قذائف خالد منتصر عن الدين والتدين

 الدكتور خالد منتصر
الدكتور خالد منتصر

 

يواصل المفكر الدكتور خالد منتصر حربه ضد الأفكار الظلامية بشجاعة يحسد عليها، بهدف تسليط الضوء على عورات الجماعات الإرهابية وقوى الإسلام السياسى التى تتاجر بالدين وتتخذه وسيلة للسيطرة على عقول الناس وتنفيذ أجندات مسمومة.

أحدث فصول هذه المعارك يتمثل فى كتابه «يوميات تنويرية»، الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، الذى يقدم من خلاله نصائح وتحليلات مبسطة وسريعة لسلوكيات خاطئة بحاجة للتعديل، وأحداث مهمة تبرهن على أصالة الشعب المصرى وحصانته الجينية ضد التطرف والإرهاب.

ويستهل «منتصر» كتابه بوصف التنوير فى مصر بأنه «ماراثون طويل، يتسلم فيه الراية متسابق ويسلمها للآخر، ولن يكون أبدًا مسابقة رماية تنتهى برصاصة، وجزء مهم من خطة المكسب هى أن تحتفظ بالذاكرة التاريخية، فذاكرة السمك المثقوبة تفقدك نقاطًا فى معركة التنوير، تخسر معها الجولة قبل أن تدخل الحلبة، لذلك فكرت فى توثيق بعض من يوميات معركة التنوير بكل أطيافها».

وبين صفحات الكتاب، التى يصل عددها إلى ما يقرب من ٢٥٠ صفحة؛ يتناول «منتصر» يوميات تاريخية رصد فيها ووثق أحداثًا ومناسبات مهمة كما فى زمن الحملة الفرنسية، ويوميات معارك التنوير التى يخوضها لإنقاذ العقل المصرى من الفاشية التاريخية والاجتماعية، ويصفها بأنها «يوميات ليست عن أحداث وقتية سريعة التبخر، ولكنها عن منهج فكر ما زال يؤمن بالخرافة ويخشى المنهج العلمى، مرعوب من إعلان الحب والتعبير عنه، عاشق لدفء القطيع وركود العادى والبديهى».

الجنة لا يملك تصريح دخولها شخص.. ومفاتيحها ليست فى يد صاحب عمامة

حدد «منتصر» قواعد بسيطة قدمها فى شكل كبسولات صغيرة لمفاهيم وآليات تجديد الخطاب الدينى أو بالأصح تجديد الفكر الدينى، أبرزها أن «التدين» وليس الدين هو الذى يحتاج إلى تجديد.

يقول: «الدين إلهى والتدين بشرى، الدين عموميات ثابتة والتدين تفاصيل متغيرة، انتقادنا للتدين وإجلالنا للدين»، ويضيف: «كذلك السماء غير قابلة للتأميم، لا يحتكرها أحد، والجنة لا يملك تصريح دخولها شخص، ومفاتيحها ليست فى خزانة صاحب عمامة أو ماسك مسبحة».

ويشدد على أنه «لا بد أن يتصالح المسلم مع العالم ويتخلى عن وسواس هداية البشر، ولا بد من أن يقتنع بأنه جزء من هذا العالم وليس كل العالم»، مؤكدًا أن «الكتب الدينية ليست لتدوين ملاحظات علم تجريبى ولكنها لرسم تفاصيل روحية ودينية.. الدولة الدينية تحمى دينًا والدولة المدنية تحمى أديانًا.. العلمانية ليست ضد الدين ولا تحتقره ولكنها ضد من يحتكره».

ويتقاطع اهتمام مؤلف الكتاب بتجديد الخطاب الدينى مع الإشارات والمطالبات المتكررة التى يطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى ويطالب بها فى غالبية لقاءاته، ويشدد على أهميته وينبه لخطورة إهماله أو التسويف فيه، وسؤاله الشهير فى أحد مؤتمرات الشباب «هل من الممكن أن تعيش تلك الأفكار وهى على صدام مع العالم كله؟! لكن هل التجديد مهمة رجال الدين وحدهم؟».. الإجابة لا، إنها مهمتنا جميعًا وليست حكرًا عليهم.

الوطن فى اعتقاد الإخوان «حفنة تراب عفن»

«لماذا لم نمنح الإخوان الفرصة؟».. سؤال تردد كثيرًا بعد ٣٠ يونيو، واستطاع أن يجيب عنه الدكتور خالد منتصر فى إحدى يومياته، قائلًا: «من قال لكم إن الإخوان لم يمنحوا الفرص لا الفرصة الواحدة؟»، موضحًا: «منحتهم ثورة ٥٢ الفرصة حين عين مجلس قيادة الثورة وزيرًا إخوانيًا ودللهم وقرب منظرهم وفيلسوفهم سيد قطب، وجعلوا له مكتبًا مجاورًا، كان رد الجميل هو محاولة اغتيال عبدالناصر!.. أخرجهم السادات من السجون لضرب اليسار ومنحهم الذراع الإعلامية والوجود فى المناسبات السياسية، وكان رد الجميل هو اغتياله شخصيًا فى حفل عرسه، منحهم مبارك الفرصة وترك لهم الشارع والمدرسة والمستوصف وكراسى البرلمان التى تعدت الثمانين، وبعدما وافقوا على التوريث خطفوا ثورة يناير من أصحابها وجثموا على أنفاس الشعب، إنهم أصحاب شعار (امنحنى صباعك لألتهم ذراعك)».

وأكد «منتصر» أن «الفرصة تمنح للوطنيين، لمن ينتمون لهذا الوطن، لكن تلك الجماعة تنتمى للخلافة ولا تعرف وطنًا، بل تكره كلمة وطن، فهو فى نظرها حفنة من تراب عفن، و(طظ فيه)، كما قال مرشدهم محمد مهدى عاكف، (لو حكم ماليزى إخوانى أفضل من أى مصرى سواء مسيحيًا أو مسلمًا ما دام لا ينتمى إلى قطيعهم)».

 

«30 يونيو» ثورة ضد احتلال الإسلام السياسى

تعد ثورة ٣٠ يونيو من الأحداث المهمة التى مرت بها الدولة المصرية، بخروج المتظاهرين للمطالبة برحيل الإخوان ورئيسهم الراحل محمد مرسى، بعد عام أسود قضوه فى حكم مصر.

يقول خالد منتصر: ««عبقرية ٣٠ يونيو فى بساطتها وعفويتها وفكرتها ودلالتها وعميق رسالتها.. فالشعوب عادة تتظاهر وتخرج فى ثورات من أجل ارتفاع أسعار أو ضائقة اقتصادية أو انعدام كهرباء ومياه، لكن الشعب المصرى خالف كل تلك التوقعات وتمرد على كل هذه البديهيات وخرج من أجل فكرة مجردة، من أجل الحفاظ على الهوية، من أجل مادته الوراثية الجينية المصرية التى كانوا يريدونها إخوانية إنتاج ١٩٢٨، باعتبار أن ما قبلها باطل».

وأضاف: «خرج المصرى من أجل (دى إن إيه) ابن البلد الذى لا يعرف تجهم الإخوان ولا تزمتهم ولا لزوجتهم ولا تقيتهم، المصرى الذى كان يردد دومًا أن الرب رب قلوب، وأن الدين المعاملة وليس التنظيم، الدين المعاملة وليس الطقوس، الدين المعاملة وليس العصابة ولا المرشد ولا حزب الحرية والعدالة».

وما أراد أن يؤكده «منتصر» أن كثيرًا ما ينخدع البعض بأن الشعب المصرى استسلم لاحتلاله بالإسلام السياسى وتخديره بشعاراته، ونكتشف أن تحت تلك القشرة الزائفة ما زالت نواة متماسكة فيها شريط وراثى عمره سبعة آلاف سنة، نكتشف أن طبقات مصر الجيولوجية التاريخية متراكمة ومتداخلة وعميقة.

 

«كورونا» ليس عقابًا سماويًا أو انتقامًا إلهيًا

هل «كورونا» لعنة من السماء؟.. هذا يعد أحد عناوين يوميات خالد منتصر، مستشهدًا بما كتبه أحد الكُتاب عن أن «كورونا» انتقام إلهى، وأنه لأسباب التجبر والغرور الإنسانى حقت على الأرض اللعنة، وأن «كورونا» رسالة إلهية لكى تعود البشرية إلى الله، وأنه كان لا بد أن يُذل العلماء وتعاقب البشرية حتى تعرف وتدرك قيمة الدين فى عصر المادة.

ويعد هذا الرأى من الأمور الخطيرة الذى سلط عليها مؤلف الكتاب الضوء، محذرًا من استغلال رعب الناس من المرض فى ترويج الخرافات وترسيخ الجهل. لم يغفل «منتصر» فى يومياته التأفف والتحرشات التى مارسها بعض الجهلاء بعد قرار وزير الأوقاف غلق المساجد لمنع التجمعات ضمن إجراءات الوقاية من فيروس كورونا، وقال إن بعضهم كان يصلى سرًا فى الزوايا والمساجد، والبعض يخطب الجمعة من أمام المسجد المغلق، ومنهم من يتجمع فى كمبوندات مغلقة، وجميعها تصرفات غريبة تصدر من جماعة تعتقد أن الدولة ضد صلاتهم، ولكن الحقيقة أنها ضد محاولات انتحارهم بالإصرار على افتعال زحام وتجمع مقصود. وأراد الكاتب أن يؤكد أن مصر لن تعلن الحرب على الإسلام كما يتخيل البعض، وأن حكومة مصر ليست حكومة ستالين التى كانت تحارب الكنائس، والفيروس لم ينطق الشهادتين ويستثنى المسلمين. واعتبر أن القيام بهذه الممارسات ما هو إلا تحرش دينى و«شو» إيمانى، بعيد تمامًا عن جوهر الدين والضمير الذى يحتم على الإنسان الحفاظ على المجموع والتخلى عن أنانية التعامل مع الدين كسلعة.

النقاب «باكيدج» أفكار وليس مجرد ستار والإرهابيون يتخفون وراء اللثام

قضية أخرى نجح الدكتور خالد منتصر أن يوضح وجهة نظره بها، ألا وهى «النقاب»، إذ يرى أنه ليس مجرد زى يغطى ملامح وجه، لكنه «باكيدج» أفكار تشير إليه ملامح فكر، ومن اختارته فقد اختارته ضمن حزمة أفكار تبدأ بطمس الهوية وتنتهى بقناعة أن أكثر أهل جهنم من النساء، هى حرة فى اختياراتها، لكن عليها تحمل تبعات تلك الاختيارات.

ويقول: «إن مد الخط على استقامته يعنى أن تقر المنتقبة فى بيتها استكمالًا لمنظومة الاعتزال واللثام الاجتماعى».

وتعجب خالد منتصر من أن يكون الطلب الملح لضبط الأمن فى مصر هو انتشار كاميرات المراقبة، متسائلًا: ماذا تفعل تلك الكاميرات فى مجتمع ملثم؟! وحتى إذا تسلم رجل الأمن فى الشركة أو فى «المول» صورة منتقبة متهمة فى مخالفة ما كيف سيتوصل إليها أو كيف تتتبعها الشرطة؟ ولمَ لا تسألوا أنفسكم لماذا يرتدى معظم الرجال ممن يرتكبون أعمالًا إرهابية اللثام؟

وأكد مؤلف الكتاب أن هذا ليس اتهامًا للمنتقبات، فمنهن سيدات فضليات يتخيلن أن فى ارتدائه يكمن الإيمان، ولكنها احترازات أمنية.