رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللاجئون درجات!

غير الآلاف المتزاحمين على مطار كابول، منذ سقوط العاصمة الأفغانية فى أيدى حركة طالبان، هناك ٣.٥ مليون لاجئ أفغانى يعيشون على الحدود بلا مأوى، بسبب الحروب والاضطرابات والأزمات السياسية والأمنية، التى تعصف بالبلاد منذ سنوات طويلة.

قلوبنا مع هؤلاء وهؤلاء طبعًا، لكن ما لفت نظرنا هو أن ما يوصف بالمجتمع الدولى لم يتوقف عن الإعراب عن قلقه، والتعبير عن مخاوفه بشأن الفئة الأولى، بينما تعامل بمنتهى البرود واللامبالاة مع الفئة الثانية، وأيضًا مع اللاجئين الإثيوبيين، الذين فروا من بلادهم نتيجة النزاعات المسلحة وسوء الأوضاع الأمنية والإنسانية، وتحدث كثيرون منهم عن مآسٍ مرّوا بها، بعد تدمير قراهم ونهب ثرواتهم ومقتل كثيرين من أفراد قبائلهم بواسطة الجيش الاتحادى والميليشيات المسلحة التابعة له أو المتحالفة معه.

تدفقات اللاجئين الإثيوبيين مستمرة. وفى أكبر موجة تجتاز الحدود، منذ اندلاع القتال فى إقليم تيجراى فى نوفمبر الماضى، بين جبهة تحرير الإقليم والقوات التابعة لحكومة أبى أحمد، عبر ٣ آلاف إثيوبى الحدود مع السودان، مساء ٢ أغسطس الجارى. ومع هذا الرقم، وصل إجمالى عدد اللاجئين الإثيوبيين فى السودان إلى ٩٠ ألفًا، معظمهم من النساء والأطفال.

مع استمرار التدفقات، ذهب فيلبو جراندى، المفوض «السامى» للأمم المتحدة، إلى السودان، للوقوف على الترتيبات الجارية لعقد اجتماع رفيع المستوى حول الحلول المستدامة للاجئين والنازحين والعائدين والمجتمعات المضيفة فى البلد الشقيق، وفى جنوب السودان، على هامش أعمال قمة رؤساء دول وحكومات منظمة «إيجاد»، المقرر انعقادها فى نوفمبر المقبل.

تضم الهيئة الحكومية للتنمية «إيجاد»، دول شرق ووسط إفريقيا. وكانت أزمة تيجراى على رأس أولويات قمة ديسمبر الماضى. ولأنه يرأس دورتها الحالية، عرض السودان مبادرة تهدف إلى «تشجيع الأطراف الإثيوبية على التوصل لوقف شامل لإطلاق النار، والدخول فى عملية حوار سياسى شامل». غير أن الحكومة الإثيوبية ردت على تلك المبادرة بوقاحة ووصفت السودان بأنه «ليس طرفًا ذا مصداقية» واتهمته بعدم الحياد وباحتلال أراضٍ إثيوبية!.

يرافقه محمد عبدى آفى، المبعوث الخاص لمفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، وعمر قمر الدين، معتمد اللاجئين فى السودان، وعدد من ممثلى دول الاتحاد الأوروبى، وصل جراندى إلى الخرطوم، السبت الماضى، فى زيارة استغرقت يومين، التقى خلالها عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء، ومريم الصادق المهدى، وزيرة الخارجية، وعزالدين الشيخ، وزير الداخلية. وحدثه الطيب محمد الشيخ، الحاكم المكلف لولاية كسلا، المتاخمة للحدود مع إثيوبيا، عن تدفقات اللاجئين الجديدة، التى تصاحبها عمليات تهريب البشر والسلاح والمخدرات، فى ظل الإمكانات والموارد المحدودة للولاية، واستمرار الصراعات فى إثيوبيا.

ظروف المناخ والأمطار والعواصف عصفت بالخيام والمرافق الصحية بالمعسكرات، وأعاقت توزيع المعونات وتقديم الخدمات، فى ظل شح الموارد والإمكانات المحلية أصلًا، وبطء حركة منظمات الإغاثة الدولية. ووسط هذه الأجواء، وبالإضافة إلى تفشى وباء «كورونا المستجد»، كشفت منظمة «أطباء بلا حدود» العاملة فى معسكرات اللاجئين شرق السودان عن انتشار مخيف لالتهاب الكبد الوبائى، نتيجة نقص الاستجابة الدولية لطلبات المساعدة. وأكدت المنظمة أن فرقها الطبية تستقبل حوالى ١٥ حالة يوميًا، ما يهدد المجتمعات المضيفة بالإصابة أيضًا، خاصة مع انفتاح العديد من معسكرات إيواء اللاجئين على المدن الرئيسية فى شرق السودان.

اللاجئون، إذن، درجات، ولا تعتمد التفرقة بينهم على أى معايير إنسانية، بل على حسابات أخرى، من بينها عمالتهم، أو عملهم، لحساب دول أجنبية، كهؤلاء الأفغان، الذين تعاونوا مع أجهزة مخابرات أو قوات عسكرية غربية. ومن أجل بعض هؤلاء، اتفق الرئيس الأمريكى، جو بايدن، وبيدرو سانتشيز، رئيس الوزراء الإسبانى، السبت الماضى، على استخدام قاعدتين عسكريتين فى جنوب إسبانيا لاستقبالهم، لحين ترتيب سفرهم إلى دول أخرى. 

إحجام بعض الدول عن استقبال الأفغان، الذين عملوا لصالح الولايات المتحدة، دفع الإدارة الأمريكية إلى مساومتها على تقديم بعض الدعم. والشىء نفسه، فعلته أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، التى قالت إن «المفوضية مستعدة للتفكير فى تقديم دعم مالى للدول من أجل مساعدة اللاجئين على الاستقرار فى أراضيها». والمذكورة كانت قد زارت إسبانيا، أيضًا، وتفقدت منشآت تم تخصيصها لاستقبال الأفغان، الذين عملوا لحساب دول الاتحاد الأوروبى، قبل توزيعهم لاحقًا على دول مختلفة.

.. ولا يبقى غير الإشارة إلى أن ما تشهده سوريا، منذ حوالى عشر سنوات، أجبر نحو ثلاثة ملايين سورى على اللجوء إلى تركيا، اضطر غالبية الرجال والأطفال منهم إلى التسول، بينما وقعت نساء وفتيات كثيرات ضحايا لشبكات التجارة بالبشر، وانتهى بهن المطاف إلى العمل فى الدعارة. ونهبت السلطات التركية المليارات، التى خصصها الاتحاد الأوروبى، لمساعدة هؤلاء!.