رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دعوة ودعاية

خطباء المساجد الأفغانية تلقوا، أمس الخميس، تعليمات من حركة «طالبان» بشأن خطبة الجمعة الأولى بعد سقوط العاصمة كابول. وفيها طالبت الحركة «جميع الخطباء الكرام»، بأن يتحدثوا فى الموضوعات التالية: بيان مصالح «النظام الإسلامى» للمواطنين، وحثهم على التعاون من أجل بناء الوطن وعدم الهروب منه.. وإعادة الكوادر والثروات إلى البلاد.. والرد على دعايات «العدو» واستفزازاته. 

قد يرى البعض أن هذه التعليمات عادية، وقد يراها آخرون غير ذلك، لكنّ الطرفين سيتفقان على عبثية الأمر كله، أو كارثيته، حين يعرفون أنها صادرة عن «لجنة الدعوة والإرشاد، والتجنيد، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»، التى كانت «وزارة» خلال فترة سيطرة طالبان على الحكم. وبعد الغزو الأمريكى، تغيّرت طبيعة عملها وتطورت وعملت مع بقية أجهزة الحركة، لفرض رؤيتها الدينية والاجتماعية على كل منطقة تخضع لسيطرتها وتجنيد زعماء القبائل والموظفين الحكوميين وجنود الجيش الأفغانى، وضمهم إلى صفوفها.

يرأس هذه اللجنة أمير خان متقى، وزير الإعلام والثقافة فى «نظام طالبان» السابق. وفى تصريحات سابقة قال أكبر أغا، وزير العدل فى النظام نفسه، إن اللجنة صارت تركز على محاربة المنكرات والمساوئ الأخلاقية والانحرافات الدينية، عبر برامج وآلية تعامل مع المواطنين، بعد أن كانت تركّز فقط على إرغامهم على العبادات وحظر حلق اللحى ولبس النساء «البرقع» ومنع سماع الأغانى، وغيرها من الأمور.

للجنة لجان فرعية فى كل المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة، يعقد مسئولوها مجالس دعوية، يحضرها بالأمر أبناء وزعماء القبائل، حسب تأكيد دلاور خان، أحد زعماء قبيلة شينوارى بولاية ننجرهار، وزين الله خان الذى ينتمى إلى قبيلة خيربونى بالولاية نفسها، وكلاهما انتقد طريقة تعامل طالبان مع القبائل الأفغانية، موضحين أن «أفغانستان دولة مسلمة ولها قيم وأعراف لا تتعارض مع الدين الإسلامى لكن مسئولى حركة طالبان يفرضون رؤيتهم على الجميع».

الأهم، هو أن هذه اللجنة تمتحن أئمة المساجد قبل السماح لهم باعتلاء المنابر، وتوجّههم لاحقًا لخدمة توجهاتها، وتراقبهم اللجان الفرعية، وتقوم بتوبيخهم، حال مخالفتهم التعليمات، أو منعهم من أداء مهامهم، كما حدث مع عبدالحكيم جهاردراى، الذى تم منعه من إلقاء خطبة الجمعة فى مدينة قندوز. كما أقيل مولوى محمد سليم من إمامة مسجد فى ولاية «ميدان وردك». والشىء نفسه تكرر مع سبعة أئمة فى إقليمى لجمان ولوجر، ومع مدرسين قامت اللجنة بفصل بعضهم بزعم رسوبهم فى امتحان، لتحديد مستواهم العلمى والدينى!.

تلك مجرد خطوة قطعتها «طالبان»، طوال السنوات الماضية، لفرض رؤيتها الدينية والاجتماعية، وهناك خطوات أخرى عديدة تنسف رسائل الطمأنة التى وجهتها للداخل والخارج، وتشكك فى ادعاءاتها، الصريحة والضمنية، بأنها تغيرت عمّا كانت عليه خلال فترة حكمها السابقة، أبرزها قيام عناصرها بقتل عدة أشخاص، أمس الخميس، فى مدينة أسد آباد، عاصمة إقليم كونار، بإطلاق الرصاص على مسيرة لوّح المشاركون فيها بالعلم الوطنى بمناسبة عيد الاستقلال: استقلال أفغانستان عن بريطانيا فى ١٩ أغسطس ١٩١٩، الذى احتفلت به «طالبان»، بأن زعمت، فى بيان، أنها هزمت قوة عاتية ومتغطرسة أخرى، هى الولايات المتحدة، وأجبرتها «على الانسحاب من أرض أفغانستان الطاهرة»، ووصفت استيلاءها على الحكم بأنه «نصر ربانى»، وطالبت جميع الأفغان بأن يحمدوا الله ويشكروه على هذه «النعمة الإلهية»!.

فى اليوم السابق، أيضًا، قتلت الحركة آخرين فى مسيرات مماثلة بمدينة جلال آباد. ووسط حالة التعتيم، ليس بعيدًا أن تكون هناك ضحايا فى أقاليم أخرى، شهدت مسيرات مماثلة، وجّه لها التحية أمر الله صالح، نائب الرئيس الأفغانى، الذى أكد أنه «الرئيس الشرعى القائم بالأعمال» بعد مغادرة الرئيس أشرف غنى البلاد، وظهر فى صور متداولة، على شبكات التواصل الاجتماعى، فى ولاية بنجشير، برفقة نجل أحمد شاه مسعود، وزير الدفاع الأفغانى الأسبق، الذى اغتاله تنظيم القاعدة، بالتنسيق مع طالبان، سنة ٢٠٠١ قبل يومين من أحداث ١١ سبتمبر.

يقود أحمد مسعود الابن حزبًا سياسيًا اسمه «جبهة المقاومة». وأكد فى مقال نشرته جريدة «واشنطن بوست»، أمس الأول الأربعاء، أن جنود الجيش الأفغانى «الغاضبين من استسلام قادتهم»، وعناصر من القوات الخاصة الأفغانية، انتقلوا إلى بنجشير وانضموا إلى قواته، موضحًا أنهم يحتاجون إلى مزيد من الأسلحة والذخيرة والمعدات، ثم طالب واشنطن بمواصلة دعم «قضية الحرية» وعدم التخلى عن أفغانستان، وأضاف مخاطبًا الإدارة الأمريكية: «أنتم أملنا الأخير».

قطعًا، لن تستجيب إدارة بايدن إلى هذا النداء، أو الاستجداء، لأنها «لا تسمع شرًا، ولا ترى شرًا، ولا تمنع شرًا»، كما وصفها «أوجست بفلوجر»، عضو الكونجرس عن الحزب الجمهورى، والمحارب القديم فى القوات الجوية الأمريكية، تعليقًا على خيانتها الشعب الأفغانى.