رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من يحاسب على «المشاريب»؟

يقول تقرير لجامعة براون الأمريكية إن تكلفة الحرب على العراق وأفغانستان وباكستان بلغت ٤٫٣ تريليون دولار.. نعم الرقم صحيح، ولكى نفهمه أكثر فالتريليون دولار هو ألف مليار دولار، والمليار دولار هو ألف مليون دولار، والمليون دولار هو ألف ألف دولار، فإذا افترضنا أن ألف دولار «١٦ ألف جنيه تقريبًا» يمكن أن تغير حياة شخص، إذا بدأ بها مشروعًا صغيرًا، ولك أن تتخيل كم مليار جائع وفقير فى العالم كان يمكن أن تغير هذه التريليونات الثلاثة والأربعون حياتهم، ودون الدخول فى تفاصيل فنية فإجمالى التكلفة يحسب بعوائد فوائد القروض التى تحصل عليها الحكومة الأمريكية لتمويل الحرب، وبعوائد التعويضات والمعاشات التى تلتزم بصرفها للعائدين من الحرب حتى ٢٠٥٠، والمعنى أن هذا المبلغ الخرافى هو تقدير التكلفة الإجمالية، وبالتالى فإن المبلغ الذى أعلنه الرئيس جو بايدن مؤخرًا حول تكلفة حرب أفغانستان «أقل قليلًا من تريليون دولار» هو تكلفة الحرب المباشرة، وليس التكلفة غير المباشرة، وهى حرب لم تستطع القضاء على طالبان، ولا إقامة دولة مدنية، ولا جيش قوى «انهار الجيش دون قتال فى ساعات قليلة»، والسؤال الآن من يدفع الفاتورة؟ أو من يحاسب على المشاريب؟ كما يقول المصرى العادى، لقد اتخذت أمريكا قرار الحرب بعد حادث الحادى عشر من سبتمبر، وهو حادث إرهابى مدان وحقير، تسبب فى موت مليون عراقى، و٨٠ ألف أفغانى، وفى أعقابه قرر جورج بوش الثانى شن حرب على من اعتبر أنهم على علاقة بالحادث، وإذا كان مبرر غزو أفغانستان مفهومًا، حيث كانت مقر تنظيم القاعدة وبن لادن، فإن مبرر غزو العراق كان واهيًا، حيث تم اعتماد حجة واهية تقول إن محمد عطا، قائد المجموعة الإرهابية، التقى دبلوماسيًا عراقيًا فى تشيكوسلوفاكيا لمرة واحدة، وقبل الحادث بثلاث سنوات تقريبًا، ثم تم إطلاق كذبة تقول إن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل، رغم تكذيب تقرير المفتشين الدوليين لهذه الحقيقة، ومن أجل تبرير الكذبة خرج ديك تشينى، عراب الشر ونائب الرئيس الأمريكى، فى ١٦مارس ٢٠٠٣، وقبل الحرب بأسبوع واحد ليقول للأمريكيين إن الحرب لن تتكلف سوى ٨٠ مليار دولار، وإن إعادة إعمار العراق ستتكلف عشرة مليارات دولار فقط، فى حين بلغت التكلفة الحقيقية آلاف أضعاف هذا المبلغ، لكن الهدف كان الجيش العراقى، مثله مثل كل الجيوش العربية، وكان أكبر دليل على هذا تصميم بول بريمر، قائد الحملة الأمريكية، على حل الجيش العراقى، رغم نصيحة مصرية بإبقاء الجيش وتسليمه مقاليد الأمور حفاظًا على الأمن، ورغم أن بعض القادة، للأسف، قد تعاونوا فعلًا مع الأمريكان أثناء الغزو، غزا الأمريكيون العراق، ومات مئات الآلاف، واشتعلت الفتن والحروب الطائفية، وسرقت آثار العراق، ونهب الفاسدون خيرات العراق، وهاجر عشرات الآلاف من الكلدان، والآشوريين، والمسيحيين العراقيين ولم يحقق الأمريكيون هدفًا واحدًا من أهدافهم، بل أسفر الغزو عن ظهور مزيد من الإرهاب عبر تنظيمات مثل تنظيم الزرقاوى ثم تنظيم داعش، حيث اكتسب الإرهابيون شرعية لدى البسطاء بحجة أنهم يقاومون الاستعمار الجديد، والسؤال الآن هل يعتذر الأمريكيون للبشرية عن هذا الخطأ البسيط؟ أم أن أمريكا محصنة ضد الاعتذار؟