رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عملاء بلا مأوى!

مع التقدم السريع، الذى حققته حركة «طالبان»، وباقتراب نهاية النظام السياسى الحاكم فى أفغانستان، تزايدت مخاوف عشرات آلاف الأفغان، الذين تعاونوا مع قوات عسكرية غربية، من احتمالات تعرضهم لعمليات انتقامية. وبينما فتحت بريطانيا ذراعيها، للذين تعاونوا مع قواتها، تحاول الولايات المتحدة التخلى عن عملائها، وتبحث عن بلاد أخرى تقبل إيواءهم!

قيل إن إدارة الرئيس بايدن تواجه صعوبة فى العثور على «أماكن مؤقتة» لإيواء ١٢٠٠ أفغانى، واضطرت إلى إرسال بعضهم إلى قاعدة عسكرية فى فرجينيا لاستكمال أوراقهم. مع أن هؤلاء لا يمثلون غير جزء بسيط جدًا ممّن تقدموا بطلبات للحصول على «تأشيرات هجرة خاصة»، بموجب «عملية ملاذ الحلفاء»، الذين لا يقل عددهم عن ٢١ ألفًا، وقد يصل إلى ثمانين ألفًا، لو اصطحبوا عائلاتهم. ونقلت «وول ستريت جورنال»، فى ٣ يوليو الماضى، عن مصادر فى الخارجية الأمريكية، أن هناك كشوفًا بأسماء ١٨ ألف عميل أفغانى للمخابرات الأمريكية.

الإدارة الأمريكية تواجه اتهامات بأنها لم تبذل الجهد الكافى لإنقاذ هؤلاء، من قدامى الجنود الأمريكيين، الذين شاركوا فى الحرب الأفغانية. كما أعربت كريش أومارا فيناراجاه رئيسة «المنظمة اللوثرية لخدمات الهجرة واللاجئين»، عن قلقها من «غياب خطة حقيقية لإجلاء الحلفاء الذين أصبحوا عرضة للخطر». وفى الكونجرس، تعالت الأصوات المطالبة بعدم التخلى عن هؤلاء. وقال السيناتور الجمهورى ميت رومنى إن الولايات المتحدة قدمت تعهدات «للذين قدموا لها مساعدات قيمة» بإخراجهم من أفغانستان، ولا يجب أن تتراجع عن تعهداتها. كما اتهم مايك مكول، كبير الجمهوريين فى لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، الرئيس بايدن، بأنه سيتخلى عن شركائهم «عملائهم» الأفغان، وسيتركهم ليذبحوا.

عدد من هؤلاء تظاهروا، فى مايو الماضى، بأحد أحياء كابول، وناشدوا السلطات الأمريكية عدم التخلى عنهم. وتعاطف معهم ١٠٠ مسئول سابق، شارك بعضهم فى وضع السياسة الأمريكية تجاه أفغانستان، خلال السنوات العشرين الماضية، من بينهم أربعة سفراء أمريكيين سابقين، ووجهوا رسائل إلى وزيرى الخارجية والدفاع، أنتونى بلينكن ولويد أوستن، منتصف مايو، جاء فيها إن «التاريخ الأمريكى حافل بالحالات التى فشلنا فيها فى إدراك أو الاستعداد أو الحد من العواقب الوخيمة التى قد يتعرض لها هؤلاء الذين وقفوا إلى جانبنا وآمنوا بنا». و... و... أن لدى الولايات المتحدة «التزامًا أخلاقيًا يدفعها للتصرف بشكل أفضل هذه المرة».

فات مايو ويونيو ويوليو، وقبل أن ينتصف أغسطس، نقلت وكالة «رويترز»، أمس السبت، عن أربعة مسئولين أمريكيين أن إدارة جو بايدن تجرى محادثات سرية مع عدة دول فى محاولة يائسة لتأمين اتفاقات توفر «المأوى بشكل مؤقت للأفغان المعرضين للخطر، الذين كانوا يتعاونون مع الحكومة الأمريكية». وكان أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى، قد أشار، فى وقت سابق، إلى أن طالبى اللجوء الأفغان، الذين ساعدوا بلاده، يجب أن يصلوا إلى دولة ثالثة، لأن أعمال التدقيق الأمنى يمكن أن تستمر لأكثر من عام!

مصادر عديدة أكدت أن بعض الدول رفض استقبال هؤلاء بسبب مخاوف تتعلق بدقة الفحص الأمنى والفحص الصحى الخاص بـ«كورونا المستجد». وقال مسئول كبير بالخارجية الأمريكية إن هناك مخاوف يمكن توقعها بشأن ضمانات حصولهم، لاحقًا، على تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة، أو بشأن إطعامهم، و... و... وبينما رفض هذا المسئول تسمية الدول، التى يجرى التفاوض معها، قال مسئول ثان، ومصدر مطلع، إن هناك اتفاقًا وشيكًا لإيواء نحو ثمانية آلاف فى قطر. كما اتهمت المعارضة التركية حكومة أردوغان بإدخال مئات الأفغان يوميًا، فى إطار «عملية ملاذ الحلفاء»، أو برنامج قبول المهاجرين الأفغان العاملين مع الولايات المتحدة.

إحجام بعض الدول، دفع الإدارة الأمريكية إلى مساومتها، مع دول أخرى، على تقديم بعض الدعم. وبالفعل جرى، حسب مصادر، عرض امتيازات اقتصادية وسياسية على كوسوفو لاستقبال عدة آلاف. لكن وزارة الخارجية فى كوسوفو لم ترد على طلب للتعليق. كما لم ترد سفارات ألبانيا وقازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان على طلبات مماثلة. وكلها دول قيل إن جهود إدارة بايدن لإقناعها باستقبال الأفغان، نظير مساعدات أو امتيازات، لم تُحرز تقدمًا يُذكر.

عملاء بريطانيا، كالعادة، أفضل حالًا وأسعد حظًا. بل إن البرنامج البريطانى لنقل الأفغان الذين تعاونوا مع قواتها، امتد ليشمل أولئك الذين تعاملوا مع وسائل إعلامها أيضًا، بموجب قرار صدر فى ٦ أغسطس الجارى، استجابة لرسالة تحمل توقيع صحف وشبكات تليفزيونية بريطانية كبرى طالبت بحماية هؤلاء. لكن لا توجد ضمانات بعدم تكرار أزمة ٥٧ ألفًا من مهاجرى، أو عملاء الكاريبى، وجدوا أنفسهم، بعد مرور ٧٠ سنة، مطالبين بإثبات «شرعية إقامتهم» وإلا واجهوا إجراءات الترحيل، وبعضهم جرى ترحيله بالفعل أو اضطر إلى المغادرة!