رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إنهم يخلطون الدين بالفساد!

 

أربع قضايا فساد جديدة لمسئولين إسرائيليين كبار، تم الكشف عنها أمس الأول، الأربعاء، إحداها تتعلق برئيس جهاز المخابرات الخارجية السابق، الموساد، والثانية لضابط كبير بالجهاز نفسه، والثالثة بطلها وزير سابق. وبينما لا تزال محاكمة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء السابق، عن ثلاث قضايا، مستمرة، اتهمته صحف عبرية، بأنه أمضى ليلتين فى أحد فنادق حيفا الفخمة، ودفع ربع السعر فقط، ما عدتها رشوة جديدة لمَنْ صار زعيمًا للمعارضة فى الكنيست أو البرلمان!.

كلهم فاسدون. و«لو كانت معايير اليوم سائدة فى الماضى، لما بقى رئيس حكومة فى إسرائيل خارج السجن»، وما بين التنصيص قاله أحد المقربين من نتنياهو، أواخر ٢٠١٨، وردت عليه جهات التحقيق، بأن قضايا الفساد القديمة لو كانت قد عولجت لصار معيار نظافة اليد هو السائد. والحقيقة، هى أن غالبية رؤساء الحكومة السابقين تم اتهامهم، بالفساد، لكنهم أفلتوا، كما الشعرة من العجين، باستثناء إيهود أولمرت، الذى عوقب بالحبس ١٨ شهرًا أمضى منها ١٦ فقط، عن قضايا كانت تستوجب سجنه مدى الحياة: خيانة أمانة، سرقة، تلقى رشاوى و... و... ومحاولة التأثير على شاهد. 

المهم، هو أن صحفًا عبرية نقلت، أمس الأول، عن مصادر فى «الموساد»، أن أبيحاى مندلبليت، المستشار القضائى للحكومة، كلّف عميت ايسمان، المدعى العام الجديد، بإجراء تحقيق شامل مع يوسى كوهين، رئيس الجهاز السابق، الذى ترك منصبه منذ شهرين تقريبًا، حول شبهات وصلت إليه وإلى النيابة العامة، تتعلق إحداها بتلقى كوهين ٢٠ ألف دولار، عدًا ونقدًا، من الملياردير جيمس فاكر، كهدية بمناسبة زواج ابنته، بالإضافة إلى شبهات تتعلق بالخصوصية الفردية، والابتزاز. وسيقرر مندلبليت بعد انتهاء الفحص، إمكانية فتح تحقيق علنى معه أم لا!. 

بعد خمس سنوات وستة أشهر، قضاها على رأس الجهاز، غادر يوسى كوهين منصبه فى يونيو الماضى. وكان بعض المصادر يرشحه لخلافة نتنياهو فى رئاسة الحكومة. وكان طريفًا، أن يشهد يوم الكشف عن فساده، طرد ضابط كبير فى الجهاز نفسه، جهاز الموساد، وإجباره على إعادة «مبالغ دسمة» كان قد سرقها من نقود تحت تصرفه. كما قدمت دائرة الضرائب ورأس المال فى النيابة العامة، لائحة اتهام رسمية ضد الوزير السابق ديفيد بيتان، عضو الكنيست الحالى عن حزب الليكود، نسبت إليه فيها تلقى رشوة تزيد على ٧٥٠ ألف شيكل «نحو ٢٠٠ ألف دولار»، وخيانة الأمانة وغسل أموال ومخالفة قانون ضريبة الدخل. والمذكور كان وزيرًا فى حكومة نتنياهو وترأس الكتلة البرلمانية للائتلاف الحاكم السابق.

وفقًا للائحة الاتهام، فإن بيتان قدم خدمات لرجال أعمال، مقابل حصوله على أموال نقدية ومنافع شخصية بمبالغ ضخمة. وأشارت اللائحة إلى أن هذه القضية تكشف وجهًا قبيحًا للقيادة السياسية والمحلية فى المجتمع الإسرائيلى، وتبين كمّ الفساد المتجذر فى مؤسساته، وكيف أن السياسيين مستعدون لتلقى الرشاوى. وأكدت أن الحكم فى هذه القضية يجب أن يكون ملائمًا لتعلم الدرس، وردع المسئولين عن التورط فى الفساد واقتلاع الظاهرة من جذورها.

أقل الاتهامات، كان الاتهام الجديد الموجّه إلى نتنياهو، والذى تمكن من نسفه بأن قام بحجز غرفة عادية، لكن الفندق خصص له جناحًا، «سويت». وأكد أنه لم يكن يعرف أن هناك فرقًا فى السعر، وحين عرف، أمر بدفع الفرق فورًا. وانتهز رئيس الوزراء السابق تلك الفرصة، ليتهم وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنها تجاهلت إنفاق الدولة لـ٢٢ مليون شيكل على ترميم منزل نفتالى بينيت، رئيس الوزراء الحالى. ما قد يعنى إضافة الأخير إلى قائمة الفاسدين، التى تشمل غالبية، إن لم يكن كل، رؤساء الدولة والحكومة السابقين وكبار المسئولين فى المؤسستين الأمنية والعسكرية.

بالمرة، نشير إلى أن الفضائح، التى صاحبت قضية تاجر الجنس الأمريكى «جيفرى إيبستن»، الذى عثروا عليه ميتًا فى زنزانته، فى مثل هذا الشهر سنة ٢٠١٩، طالت إيهود باراك، رئيس الوزراء الأسبق. ووقتها، ذكرت تقارير أن إبيستين كان عضوًا فى مجلس أمناء مؤسسة «فكسنر»، عندما منحت باراك نحو ٢.٥ مليون دولار، بزعم أنها مقابل خدمات استشارية وبحثية. كما اتضح أن الاثنين جمعتهما، أيضًا، شراكة فى شركة تكنولوجية، وتم تسريب صورة للثانى وهو يدخل متخفيًا إلى منزل اعتاد الأول أن يقدم فيه فتيات قاصرات لزبائنه. 

.. وتبقى الإشارة إلى أن الأوغاد يبررون فسادهم بآية فى «التوراة» تقول: «لاَ تَكُمّ الثّوْرَ فِى دِرَاسِهِ»، ومعناها: لا تمنع الثور عن الأكل مما يحمله. وكان أول من استخدم تلك الآية، هو ليفى أشكول، رئيس ثالث حكومة لذلك الكيان، دفاعًا عن موظفين كبار فى الوكالة اليهودية، جرى اتهامهم، سنة ١٩٥١، بأنهم تلقوا رشاوى واستغلوا أموال الوكالة لأغراض شخصية.