رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تونس فى منتصف الطريق

مع مرور أسبوعين، هما نصف مدة «المرحلة الاستثنائية»، واصل سياسيون وحقوقيون وقضاة وخبراء فى القانون والدستور و... و... ومواطنون تونسيون تأييدهم الرئيس قيس سعيد، وطالبوه بسرعة التفاعل مع دعوات الإصلاح وإعطاء الأولوية للملفات الاقتصادية والاجتماعية وتعيين عسكريين على رأس بعض الوزارات الاستراتيجية، وإجراء «استفتاء شعبى»، فى أقرب وقت، على تعديل القانون الانتخابى ومواد الدستور الخاصة بالسلطتين التنفيذية والتشريعية.

بعد غدٍ، الجمعة، تحتفل تونس بالذكرى الخامسة والستين لقانون الأسرة والأحوال الشخصية، الذى أصدره الحبيب بورقيبة، أول رئيس للجمهورية بعد استقلالها، وتضمن إصلاحات عارضتها قوى الإسلام السياسى، ولا تزال، داخل تونس وخارجها. ومن المتوقع أن يعلن الرئيس التونسى، فى ذلك اليوم، عن خريطة طريق للمرحلة المقبلة، واسم رئيس الحكومة الجديد، الذى سينهى سنوات من الصراع بين رأسى السلطة التنفيذية، تسبب فيها دستور ٢٠١٤ المرتبك. 

بعيدًا عن «خريطة الطريق» السياسية، المنتظرة، بدا واضحًا أن الرئاسة التونسية بدأت، بالفعل، تنفيذ «خريطة طريق» لمحاربة الفساد والإرهاب، بفتح تحقيقات إدارية وقضائية ضد عدد من السياسيين والوزراء والبرلمانيين، استبقتها بتعيين وزراء ومشرفى القطاعات الحساسة، أبرزهم خالد اليحياوى، وزير الداخلية، الذى منحه القانون التونسى صلاحية إصدار قرارات «وضع تحت الإقامة الجبرية» والمنع من السفر، لأسباب أمنية، دون الحاجة إلى إذن قضائى.

الوزير الجديد استخدم تلك الصلاحية، بالفعل، ضد وزراء سابقين وقضاة وشخصيات عامة تحوم حولهم شبهات فساد واستغلال النفوذ. وقيل إن هناك قضايا أعيد فتحها ضد عدد من رؤساء الحكومة السابقين ووزرائهم ومستشاريهم الذين تسببوا فى كوارث وأزمات كان هدفها الأساسى وضع مفاصل الدولة فى قبضة «حركة النهضة»، التى تواجه قياداتها، أيضًا، اتهامات عديدة أبرزها تلقى تمويلات أجنبية، ودعم بعض الكيانات الإرهابية، واستغلال مؤسسة القضاء، أو إفسادها، للتلاعب بملفات التقاضى الخاصة بتورطها فى تصفية معارضين سياسيين.

فور القرارات التصحيحية، التى بدأها الرئيس التونسى قيس سعيد، فى ٢٥ يوليو الماضى، بـ«تعليق» عمل البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وإقالة الحكومة، توقعنا أن ينشط الجهاز السرى المسلح، التابع لـ«حركة النهضة»، مدعومًا من الدول الداعمة للإرهاب والميليشيات الإخوانية الليبية. وبالفعل، أحبط الجيش التونسى، خلال الأيام الماضية، محاولات تسلل بعض عناصر تلك الميليشيات وقيادات بتنظيم «داعش» عبر البوابة الشرقية. ما أكد، مجددًا، أن قطار الإصلاح التونسى لن يتمكن من مواصلة رحلته إلا بدهس «الإخوان»، الذين تأرجحت مواقفهم بين التنديد بقرارات الرئيس والدعوة إلى الحوار. وكنا قد توقفنا، منذ أيام، عند عبارة «لا حوار مع الخلايا السرطانية»، التى ردّ بها الرئيس التونسى على مناورة للحركة الإخوانية، أرادت بها كسب أرضية للتفاوض، بعد عدم استجابة الداخل لتهديداتها، وفشلها فى الاستقواء بالخارج.

يؤكد ذلك، أيضًا، فتح قضايا جديدة، ضد قيادات «حركة النهضة»، بعضها يتعلق بالتعاقد مع مؤسسات أوروبية وأمريكية للهجوم على تونس ورئيسها. وطبقًا لما أعلنته وزارة العدل التونسية، فإن إحدى هذه القضايا تتعلق بعقد «لوبينج» مع شركة ضغط دولية، اسمها «بورسن كوهن أند وولف»، أبرمته الحركة فى ٢٩ يوليو الماضى، لتحسين صورتها والهجوم على الرئيس قيس سعيد وقراراته، و«تيسير تواصل قيادات الحركة مع الفاعلين الرئيسيين بالولايات المتحدة، وتوفير دعم وسائل الإعلام وتقديم استشارات فى الاتصال الاستراتيجى». التحقيقات فى تلك القضايا، ومع بعض المحتجزين أو الموضوعين قيد «الإقامة الجبرية»، من المتوقع أن تقود إلى فتح ملفات فساد وسوء تصرف مالى وإدارى من الحجم الكبير، تورط فيها وزراء وسياسيون قبل «ثورة ٢٠١١» وبعدها. كما قد تؤدى إلى إعادة فتح ملفات رجال الأعمال والسياسيين، الذين صودرت ممتلكاتهم خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة من حكم الرئيس الراحل الباجى قائد السبسى، ضمن ما عرف وقتها بـ«الحرب على الفساد».

يبقى إعلان اسم رئيس الحكومة، الذى ستكون صلاحياته محدودة، وسيكون أقرب إلى «المنسق العام» بين الوزراء. وقد يسبق تلك الخطوة، أو يلحق بها، قيام «لجنة خبراء فى رئاسة الجمهورية» بإعداد مشروعين لتعديل الدستور والقانون الانتخابى، وطرحهما للاستفتاء الشعبى، وربما يتم عرضهما على البرلمان الحالى بعد إبعاد أعضائه المتهمين بالفساد أو دعم الإرهاب.

أخيرًا، وانطلاقًا من الروابط التاريخية والقومية التى تجمع مصر وتونس، وتأكيدًا على عمق روابط الأخوة والصداقة التى تجمع الشعبين، أقلعت أمس الأول، الإثنين، ثلاث طائرات نقل عسكرية من قاعدة شرق القاهرة الجوية إلى مطار تونس الدولى محملة بأطنان من المساعدات الطبية. وأسعدنا أن تؤكد الرئاسة التونسية أهمية تلك المساعدات فى مساندة قطاع الصحة التونسى، وأن تعرب عن عميق شكرها وامتنانها واعتزازها بالجهود المبذولة من مصر، قيادة وحكومة وشعبًا، للوقوف بجانب تونس فى أوقات المحن والشدائد.