حكم نهائي يوجب الالتزام بخطبة الجمعة الموحدة: بعض الخطباء استغلوا المنابر للتحريض
أودعت المحكمة الإدارية العليا، بمجلس الدولة، حيثيات حكمها، بنهائية الحكم الذى أصدره المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة رئيس محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الدائرة الأولى بحيرة، بتأييد قرار وزير الأوقاف بتنظيم موضوع الخطبة الموحدة ليوم الجمعة للأئمة والدعاة والخطباء على مستوى المساجد والزوايا بجمهورية مصر العربية، وقد أصبح هذا الحكم نهائياً وباتاً.
وطالب المدعون وعددهم ثمانين مواطناً فى دعواهم القضائية أمام المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، بإلغاء قرار وزير الأوقاف بتنظيم موضوع الخطبة الموحدة للخطباء بالمساجد الزوايا، وطالبوا الأخذ برأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، بترك الخطيب حراً على حد زعمهم وطالبوا أيضا بخضوع المساجد لمشيخة الأزهر دون وزارة الأوقاف.
ويأتى أهمية الحكم فى وقت يستبين فيه للشعب حقيقة الجماعات المنحرفة الذين يتخذون من الدين ستارا عبر المنافذ الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعى وهم غير مؤهلين للبت فيه.
الخطبة الموحدة ضرورة تحمي مصر من الفكر المتطرف
أكدت المحكمة فى حكمها التاريخي على مجموعة من المبادئ والقيم الدينية التي تحفظ للأوطان كيانها، منها: بأن الخطبة الموحدة ضرورة تحفظ لمصر والأمة العربية والإسلامية وجودها، وتحميها من الفكر المتطرف المناهض لوجود الدولة، وأن مصر تؤرخ لدور عالمي وليس إقليميا، وتواجه بقوة وثبات وتضحية دعاة التطرف والإرهاب حماية للإنسانية، مؤكدة أن منظومة ثنائية بين الأزهر الشريف وزارة الأوقاف لخدمة الإسلام الوسطى المستنير.
أكد الحكم أن بعض الخطباء استخدموا المنابر لتحقيق أهداف سياسية وأخرى تحريضية لشق الصف متخذين من الدين ستارًا لهم، وأن المسجد ذكرًا لله بالإرشاد والوعظ لتقرب العبد إلى ربه، وليس مصدراً للتحزب والاختلاف الفكري والمذهبي، ووضعت إطاراً للخطباء، والأئمة فليس من حق الخطيب أن يوجه الناس لرغباته ويملي عليهم قناعاته الشخصية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويوهمهم أنه الحق المبين، فيؤدى إلى الاحتقان الشعبي في البلدان الإسلامية والعربية.
وأضافت أن “الخطيب يتمتع بحرية فى طريقة اَداء الخطبة شفاهة ارتجالا أو مكتوبة، أو مقروءة، بما لا يخرج عن مضمون الخطبة الموحدة لإبراز ملكاته ومواهبه لجمهور المصلين، وأن الخطبة لا تكون طويلة مملة أو قصيرة مخلة، ولا تزيد على عشرين دقيقة، وتقصيرها علامة على فقه الخطيب، فلا يطيل فينسى الناس بآخر كلامه أوله وهو هدى النبي في خطبته الراتبة”.
قالت المحكمة الدولة أنه وفقا لوثيقة إعلان الدستور المصرى فإن مصر مهد الدين وراية مجد الأديان السماوية وفى أرضها شب كليم الله موسى عليه السلام، وتجلى له النور الإلهى، وتنزلت عليه الرسالة فى طور سنين، وعلى أرضها احتضن المصريون السيدة العذراء ووليدها، ثم قدموا اَلاف الشهداء دفاعاً عن كنيسة السيد المسيح عليه السلام، وحين بعث خاتم المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام للناس كافة ليتمم مكارم الأخلاق فانفتحت القلوب والعقول لنور الإسلام فكانوا خير أجناد الأرض جهاداً فى سبيل الله لنشر رسالة الحق وعلوم الدين فى العالمين، وأن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع.
وأضافت المحكمة أن الدستور نص على أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع وجعل من الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، وهو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامي، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر و العالم.
كما عهد المشرع إلى وزارة الأوقاف التى تمثل الجانب المادي الملموس فى الحقل الديني الإسلامي لمرفق المساجد والزوايا التابعة لها مهمة إدارتها، والإشراف عليها بعد تسليمها وضمها إليها، والتزام الخطباء بالخطة الدعوية لها، وذلك ضماناً لقيام هذه المساجد برسالتها في نشر الدعوة الإسلامية على خير وجه، احتراما لقدسية المنبر، وتطهيراً لأفكار الدعاة، وصوناً لجوهر الدعوة.
وأشارت المحكمة إلى أنه من أفضل منن الله على المسلمين أن جعل لهم مواسم للخيرات، يتلقوا فيها أعلى الدرجات ويكفر عنهم السيئات، ومنها يوم الجمعة.. مما يقتضي وضع منهجًا لمواجهة المشكلات التى تواجه المجتمع الإسلامي، والأزمات التى يتخذها المتشددون الذين يتسترون من وراء الدين لتحقيق أهداف سياسية، ولضبط النشاط الدعوي المستنير ولتلافي حصول بعض النواقص والأخطاء من بعض الخطباء، نتيجة عدم الإلمام ببعض الأحكام الفقهية للخطبة.
وأوضحت المحكمة أن التحديات المعاصرة كشفت عن أن التشدد والتطرف والإرهاب كان نتيجة الانحراف عن مفاهيم الدين الصحيح، والخلل الذي أصاب مسار الفكر الديني مما يتعين معه على الدول الإسلامية والعربية ومصر فى قلبها النابض محاربة الفكر المتطرف لدعاة التشدد والغلو، الذين يستخدمون الشباب وقوداً لفكرهم المنحرف.
المحكمة: بعض خطباء الجمعة حولوا أغراض الخطبة إلى تحريض
وذكرت أن الواقع المصرى كشف عقب ثورتى الشعب فى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 أن بعض خطباء الجمعة استخدموا المنابر لتحقيق أهداف سياسية، متخذين من الدين ستارًا لهم بعيدا عن واقع المجتمع، وحولوا موضوع خطبة الجمعة إلى تحقيق أغراض حزبية وسياسية، وأخرى تحريضية وشق الصف عبر المناب، بما يخدع البسطاء.
واستطردت أن الأزمة المصيرية لشعوب العالم الإسلامى والعربى على قمتها دعاة التشدد باسم الدين، وقتلة الإنسانية والجماعات المتطرفة التى تستبيح الدماء والأموال لتفسد فى الأرض، وأن هاجس عدوى الإرهاب والتشدد لم يعد قاصرا على العالم العربي والإسلامي، بل انتقل إلى العالم الغربى حتى المتقدم منها، ذلك أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، مما يكون معه للنشاط الدعوي المصرى مع مثيلاته بالبلاد العربية والإسلامية أبلغ الأثر إزاء المواجهة الفكرية لما يحدث من إرهاب نتيجة استقطاب الجهلاء بأحكام الدين.
وأشارت المحكمة إلى أن زمن إلقاء موضوع الخطبة بما بين خمس عشرة إلى عشرين دقيقة أمرا لازماً، ذلك أن تقصير خطبة الجمعة علامة على فقه الخطيب، حيث يستطيع جمع المعاني الكثيرة في كلمات يسيرة، ولا يطيل فينسى الناس بآخر كلامه أوله، وهذا هو هدى النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الراتبة، بل هو أمرُه ، وهو أكمل هدى، كما كانت مواعظه قليلة؛ ليُحفظ عنه ما يعظ به الناس.
وانتهت المحكمة أن فى الإطالة أو الإطناب فى وقت الخطبة يفقد التركيز عند المصلين وينفرهم من طول زمنها.