رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إثيوبيون يقاومون الإبادة

 

مقاتلو «الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى» يواصلون مقاومة محاولات إبادة عِرقيتهم، ويحققون انتصارات متلاحقة على قوات الحكومتين الإثيوبية والإريترية. ولم يكتفوا برفض دعوات الولايات المتحدة الانسحاب من مناطق مجاورة فى إقليمى عفر شرقًا وأمهرة جنوبًا، بل دخلوا أيضًا، دون قتال، مدينة «لاليبيلا»، المدرجة على قائمة الـ«يونيسكو» للتراث العالمى.

فى تلك المدينة العريقة، كنائس تاريخية، منحوتة فى الصخر، تعود إلى القرن الثانى عشر، وتعد مكانًا مقدسًا لملايين المسيحيين الأرثوذكس فى البلاد. وبينما طالب نيد برايس، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، «جميع أطراف النزاع» بوقف القتال، لا تزال الحكومة الإثيوبية تمنع إيصال المساعدات الإنسانية إلى تيجراى، بالترهيب وقطع الطريق، وبالرصاص أحيانًا، ما أدى إلى أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم منذ عقود: أكثر من ٤٠٠ ألف شخص يعيشون فى ظروف تشبه المجاعة، وقرابة ٥ ملايين يحتاجون مساعدات عاجلة، طبقًا لتقديرات الأمم المتحدة.

الانتقادات الأممية والأوروبية، الشفهية، للحكومة الإثيوبية تتزايد، بسبب انتهاكاتها وجرائم الحرب التى ترتكبها. وأكد مسئولون بارزون فى مجال المساعدات أن ما تقوله تلك الحكومة عن سماحها بتوصيل المساعدات تخالفه أفعالها على الأرض. ومع اتهام مارتن جريفيث، منسق الشئون الإنسانية بالأمم المتحدة، لها، بعرقلة دخول المساعدات، قامت بتجميد نشاط منظمة «أطباء بلا حدود» الهولندية و«المجلس النرويجى للاجئين» ومنظمة «آل مكتوم الإنسانية» الإماراتية، فى مناطق تيجراى وأمهرة وجامبيلا والمنطقة الصومالية، بزعم خرقها قوانين الدولة والعمل خارج دائرة اختصاصها. وفوق ذلك، أعلنت أديس أبابا عن رفضها «الضغوط التى يمارسها بعض الدول الغربية ومؤسساتها لفتح ممر جديد للمساعدات عبر السودان»!

مع استمرار تدفق اللاجئين من إقليم تيجراى إلى السودان، جرفت مياه نهر «سيتيت»، إلى الأراضى السودانية ما لا يقل عن ٤٠ جثة، منذ أيام. والأربعاء الماضى، تحدث أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى، مع عبدالله حمدوك، رئيس وزراء السودان، عن أزمة تيجراى، وناقشا «اتساع نطاق المواجهة المسلحة فى إقليمى أمهرة وعفر، والوضع الإنسانى المتدهور فى تيجراى، وما يتردد عن دخول القوات الإريترية مجددًا الأراضى الإثيوبية».

بدأ العدوان على إقليم تيجراى، فى ٤ نوفمبر الماضى، عندما أرسلت الحكومة الاتحادية الإثيوبية قواتها للإطاحة بـ«الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى»، الحزب الحاكم إقليميًا، الذى كان يهيمن على الحياة السياسية فى إثيوبيا، قبل تولى أبى أحمد السلطة فى أبريل ٢٠١٨. وتعقّد الصراع بمشاركة إريتريا المجاورة، التى ظلت أديس أبابا تنفى وجود قواتها، حتى أقرت بذلك أوائل أبريل الماضى زاعمة أنها ستنسحب. وفى ٢٨ يونيو الماضى استعادت قوات «الجبهة الشعبية» السيطرة على مدينة ميكيلى عاصمة الإقليم، وتعهدت بـ«تحرير كل شبر من تيجراى»، والمناطق المتنازع عليها فى غرب الإقليم وجنوبه، التى سيطرت عليها قوات «أمهرة» خلال النزاع. حيال ذلك، قام رئيس الوزراء الإثيوبى، الحاصل على «نوبل» للسلام، بتعبئة ميليشيات عرقية من مناطق أخرى، واستخدم لغة تحريضية، ضد عرقية التيجراى، من شأنها أن تخلق، أو خلقت بالفعل، موجات جديدة من العنف العرقى فى جميع أنحاء البلاد. خاصة بعد تزايد نشاط «الجبهة الشعبية لتحرير أوروميا»، التى تشن منذ فترة هجمات على المدن المتاخمة لغرب العاصمة. إضافة إلى أن أقاليم أخرى عديدة تدهورت أوضاعها الاقتصادية والأمنية وارتفعت معدلات البطالة بين شبابها، وظهرت فيها حركات تمرد جديدة ضد الحكومة الاتحادية الإثيوبية، أبرزها إقليم جامبيلا، الواقع على الحدود الإثيوبية مع جنوب السودان.

الحركة، التى أطلقت على نفسها «جبهة تحرير جامبيلا»، قالت، فى بيان، إنها استنفدت كل وسائل النضال السلمى، «وبعد المداولات والتقييم للوضع الماضى والحاضر للبلد ككل ولجامبيلا على وجه الخصوص»، توصلت الحركة إلى أن «الكفاح المسلح وحده» هو الذى سيحرر شعبها «من هذه العبودية»، وأشار البيان إلى أن الانتخابات العامة السادسة شابتها مخالفات وممارسات سيئة. وبالفعل، لم تكن تلك الانتخابات، التى جرت فى ٢١ يونيو الماضى، حرة أو نزيهة، كما أوضحنا وقتها، وكما أكدت لاحقًا الخارجية الأمريكية، التى شددت على ضرورة أن يجتمع الإثيوبيون لمواجهة الانقسامات المتزايدة ونبذ العنف والامتناع عن التحريض على ممارسته. 

قلوبنا مع الشعب الإثيوبى المسكين، ونتمنى أن يتمكن من استرداد بلاده من التشكيل العصابى الحاكم. وبرغم عدم التوصل إلى اتفاق قانونى عادل وملزم ينظم ملء وتشغيل ذلك السد، الجارى بناؤه على النيل الأزرق، أسعدنا أن يؤكد أسامة عبدالخالق، سفيرنا لدى أديس أبابا، الخميس الماضى، فى رسالة إلى رئيسة إثيوبيا، بمناسبة قرب انتهاء عمله هناك، أن الروابط التاريخية بين البلدين حاضرة وأزلية، وتستحق العمل من أجل وضعها فى مكانها الصحيح والارتقاء بمصالح الشعبين، فى إطار من الاحترام المتبادل ومبادئ حسن الجوار والقيم الإفريقية العريقة.