رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ابن ذوات.. أحزان محمد سلماوى التى لا يعرفها أحد

محمد سلماوى
محمد سلماوى

في الجزء الثاني من مذكراته الصادر عن دار الكرمة والذي جاء تحت عنوان "العصف والريحان" في 415 صفحة من القطع الطويل، يبدأ محمد سلماوي في استكمال سيرته والتي أنهاها في الجزء الأول عند عام 1981 وكانت فترة قلاقل في مصر إذ تولى الرئيس محمد حسني مبارك مقاليد الحكم بعد اغتيال السادات.
هذه المذكرات بدمجها بما يحدث في مصر في تلك الفترة وكانها تأريخ لمصر كلها، ورؤية سلماوي لما يحدث بعين فاحصة ولاقطة، وبالتالي فهي ليست فقط مذكرات شخص وإنما صورة مصغرة لمصر من خلال حياة محمد سلماوي إذ أنه يتقل ما بين الشخصي/ الخاص للجمعي/العام.
الكتاب لم يتطرق فقط لذكر حياة الكاتب الصحفي الكبير، وإنما هناك أدوار أخرى لشخصيات هامة وصانعة حدث مصري يتطرق لها ولأبعاد أخرى كثيرة وتأثير هذا كله على سياق رؤيته ووعيه، وغيرها من الأمور التي جعلت هذا المتن لايبدو وكانه متنا ذاتيا وإنما متنا يخص الكثيرين.
ولأن سلماوي الكاتب الصحفي والشاعر هو الذي حمل رسالة محفوظ إلى أهل نوبل، هو رئيس اتحاد الكتاب وهو الذي عرضت عليه وزارة الثقافة، كل هذا يتطرق إليه وإلى كيف تم تأسيس بيان اتحاد الكتاب الاول على وصل كهرباء، وايضًا وقائع وتفاصيل فوز كاتب مصر الكبير نجيب محفوظ بنوبل.
كما ناقش سلماوي فصله من جريدة الأهرام بعد 11 عاما قضاها فيها، وتطرق بعدها لمسرحياته حيث عرضت له مسرحيتين هما "فوت علينا بكرة"، و " اللي بعده"، وحققتا نجاحا كبيرا، وإن كانت "فوت علينا بكره" قد حققت شهرة عالية حتى أنها عرضت في المحافظات، وترجمت المسرحيتان بالإضافة لمسرحيته الثالثة "سأقول لكم جميعا"، واستكمل سلماوي حديثه عن زيارة تحية عبد الناصر للعرض وإعجابها به، وغيرها من وقائع سيرته الذاتية مرورا بما يحدث في مصر منذ عام 1981.

 

رحلت أمى وأنا مُمسك بيدها

أقسى اللحظات التى مرت على محمد سلماوى كان يوم رحيل والدته فى ١٤ يونيو ١٩٩٤، وكان حينها مدعوًا لحوار تليفزيونى تقدمه سميحة غالب أرملة الشاعر الكبير الراحل صلاح عبدالصبور، وكان اللقاء سيصور على الهواء، وكانت الحالة الصحية لوالدته قد ساءت.

قبل عام كانت والدته قد أصيبت بنزيف حاد فى المرىء، ومن يومها ظلت تلازم المستشفيات وتنتقل من واحد إلى آخر، وكان «سلماوى» يرعاها مع إخوته، ويحكى عن ذلك قائلًا: «فكرت أن أعتذر عن الحوار التليفزيونى، لكن إخوتى أقنعونى بالذهاب، كان سلماوى يعلم أن غيبوبة الكبد التى دخلت فيها والدته خطيرة».

وذهب «سلماوى» للحوار التليفزيونى وبين الفواصل كان يتذكر والدته، ويقول: «بعد انتهاء البرنامج انطلقت للمستشفى دخلت مسرعًا إلى غرفتها بالعناية المركزة، جلست إلى جوارها وأمسكت بيدها وارتسمت على وجهها ابتسامة خفيفة، ورحلت فى هدوء فى تمام السابعة مساءً».

 

بيان تأسيس اتحاد الكتاب دُوِّن على وصل كهرباء

كان «سلماوى» يظن أن يوسف السباعى هو من فكر فى نقابة تحمى الكتّاب ومصالحهم عام ١٩٧٥، ولكن فى جلسة مع ألفريد فرج أكد له أن عبدالرحمن الشرقاوى هو أول من فكر فى ذلك عام ١٩٥٥، حين أنشأ جمعية الأدباء التى هى الأب الشرعى للاتحاد، وذكر «فرج» أن «الشرقاوى» فاتحه فى الأمر، فتحمس ألفريد فرج فأخرج الشرقاوى من جيبه ورقة اتضح أنها إيصال كهرباء وكتب على ظهرها: «نحن الكتاب المصريين اجتمع رأينا على تكوين اتحاد للأدباء والكتاب يدافع عن المهنة، ويدعم الأدب والفكر وحرية النشر، وحقوق المؤلف الأدبية والمادية، ويمثل أدباء مصر فى الداخل والخارج».

وقال الشرقاوى وهو يمسك بالورقة: «لو جمعنا مائة توقيع نستطيع أن نبدأ فى إشهار الاتحاد»، وأكمل أنه يستطيع الحصول على توقيع يوسف السباعى، فأخبره ألفريد بأنه سيحصل على توقيع طه حسين، وكذلك توفيق الحكيم.

ويكمل ألفريد فرج حكايته لسلماوى: «ذهبت لطه حسين وبدأت أقرأ من الورقة، فقلت: «نحن الكتاب المصريين»، فقاطعه حسين قائلًا: «نحن الكتاب المصريون»، وأعاد ألفريد النظر للورقة فوجدها «نحن الكتاب المصريين»، وخشى فرج أن يرفض طه حسين التوقيع بسبب الخطأ اللغوى، لكن الأخير سأله: «من الذى كتب البيان؟»، فرد فرج: «عبدالرحمن الشرقاوى»، فأكمل «حسين»: «لا عجب فى ذلك، لقد جدد عبدالرحمن الشرقاوى فى الشعر ويريد أن يجدد فى النحو أيضًا»، ثم سأله عن بقية المؤسسين، وحين أخبره فرج بأسمائهم وعلم أنهم ليسوا من اليسارييين، قبل الانضمام إليهم.

 

نجيب محفوظ أصر على سفرى لتسلم «نوبل» نيابة عنه رغم اعتذارى

يتطرق «سلماوى» إلى لحظة فوز نجيب محفوظ بنوبل قائلًا: «كنت فى مكتبى بوزارة الثقافة ١٣ أكتوبر ١٩٨٨ عندما جاءنى اتصال من الدكتور مصطفى عبدالمعطى الذى كان مديرًا للأكاديمية المصرية بروما، التابعة للعلاقات الثقافية الخارجية وسأله إن كان قد حدث شىء لنجيب، فأخبره بأنه بصحة جيدة، فقال له عبدالمعطى إن الكثيرين اتصلوا يطلبون سيرة نجيب محفوظ الذاتية، فاتصل «سلماوى» بالأهرام ليزف إليه محمد باشا، مدير التحرير، خبر فوز محفوظ بنوبل، وأنه أبلغ زوجة محفوظ السيدة عطية الله التى بدورها أيقظت زوجها وأخبرته بأمر الجائزة، فطلب محفوظ منها أن تكف عن الدعابات وتجعله يكمل نومه، وهنا اتصل سفير دولة السويد فى القاهرة لارس- أولوفبريليوت وطلب أن يأتى لزيارة محفوظ ليبلغه الخبر بنفسه.

وحكى أن «محفوظ» لم يسافر للسويد بسبب اعتلال صحته كما قيل، ولكن لعدم حبه للسفر وعدم ميله الشخصى للمهرجانات والاحتفالات، وبعد الجائزة اعتبر الكل أن عيد ميلاد محفوظ مناسبة قومية فكانوا يتوافدون على مجلسه وقد حمل كل منهم كعكة تعلوها الشموع، بينما لم يكن محفوظ يقرب الحلوى أصلًا بسبب إصابته بمرض البول السكرى لكنه يضطر لمجاراة زواره، وتستمر الاحتفالات ليس أقل من أسبوع وكان محفوظ يسميه «أسبوع الآلام».

ويعرج سلماوى على اختيار «نجيب» له ليتسلم جائزة نوبل بعد أن تبين له أن السفير المصرى لا يصح أن يتسلمها بدلًا عنه، وكيف أن اختياره أثار الكثير من اللغط حتى إن أحد أقرباء محفوظ اتصل بأديب نوبل ليقول له إنه كان الأولى من سلماوى، فرد عليه «محفوظ»: إن أمى كانت أقرب لى منكما فهل كان يصح أن أرسلها لتسلُم الجائزة؟».

وتابع: «عندئذ قال له محدثه: هذه جائزتنا كلنا وليس من حقك أن تختار وحدك من يتسلمها، فأغلق «نجيب» الخط، ونشرت الصحف أن اختيار سلماوى ليس نهائيًا وأن رئاسة الجمهورية ستتدخل لتحدد من يمثل محفوظ ليتسلم الجائزة وذكرت أسماء من بينهم ثروت عكاشة ولويس عوض وثروت أباظة».

وأشفق سلماوى على محفوظ فكتب رسالة يقول فيها: «لقد شرفتنى باختيارى من دون الناس جميعًا لأكون ممثلك الشخصى فى احتفالات نوبل، وهذا الشرف لن يستطيع أحد أن يسلبنى إياه بعد أن كرمتنى بإبلاغه رسميًا للجنة نوبل، ثم إعلانه بعد ذلك على الملأ، هو شرف أفخر له وأتمسك به، أما السفر لاستوكهولم فاسمح لى أن أعتذر عنه مكتفيًا بهذا الاختيار الكريم الذى سأظل أعتز به مدى الحياة».

وزار سلماوى نجيب محفوظ فى الأهرام وسلمه الرسالة، لكن «محفوظ» تمسك بأن يؤدى هو المهمة.

 

رفضت وزارة الثقافة فى عهد الجنزورى

يحكى «سلماوى» أنه بعد استقالة وزارة عصام شرف وتكليف الدكتور كمال الجنزورى بالوزارة فى ٢٥ نوفمبر ٢٠١١، كان يجلس مع الدكتور عمرو موسى، حيث اتصل الجنزورى بالأخير يعرض عليه تولى وزارة الخارجية، ولم يأخذ عمرو موسى العرض على محمل الجدية، بسبب حملته الانتخابية وأنه كان وزيرًا من ١٠ سنوات وعرض المشير طنطاوى رئاسة الوزراء عليه قبل أن يستقر رأيه على الدكتور الجنزورى. وبعدها رن هاتف «سلماوى» ليجد محدثه الدكتور الجنزورى ليعرض عليه وزارة الثقافة، موضحًا أنه يريد لحكومته أن تضم أفضل الكفاءات، قائلًا له: «وزارة الثقافة بالذات يجب أن يتولاها مثقف أو كاتب كبير يعيد إلى مصر ريادتها الثقافية ويحافظ على هويتها»، فاعتذر له «سلماوى» قائلًا إن ظروفه الشخصية لا تسمح، فطلب منه «الجنزورى» أن يرشح له البديل، فتطرق لبهاء طاهر ومن بعده جمال الغيطانى ومن بعده شاكر عبدالحميد ليستقر الأمر على الأخير ويتولى حقيبة وزارة الثقافة.

 

كتبت «معذرة بغداد» حزنًا على غزو العراق

 

ويحكى «سلماوى» عن فترة غزو أمريكا للعراق وكيف دعمت حكومة تونى بلير رؤية أمريكا وامتنع العرب عن تقديم يد العون للعراق، وكيف كان الصراخ محبوسًا داخله، وحين صرخ كان يقول شعرًا، اعتبره البديل عن الكتابة والصحف والصراخ.

وفى قصيدته «معذرة بغداد فقد آثرنا السلامة»، راح «سلماوى» يعتذر للعراق الجريح، قائلًا: «معذرة بغداد 

إن سقطت فى النار

معذرة إن سقطت تحت غزوة المحررين

من جحافل التتار

معذرة أننا لم نهرع لنجدتك

لم نكن فى البصرة ولا الموصل ولا أور

لم نأت لكربلاء ولا النجف الأشرف

حين دكت المدافع تاريخك الأكرم»