رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطريق إلى الحياة الكريمة

المحاولة الأولى للنهوض بالريف المصرى، قامت بها حكومة على ماهر، الثانية، منذ ٨٢ سنة، بإنشاء وزارة الشئون الاجتماعية، التى جعل المرسـوم الملكى، الصادر فى ٢٠ أغسطس ١٩٣٩، بين اختصاصاتها تحسين أحوال العامل والفلاح ورفع مستوى المعيشة لهما، والإرشاد والدعاية وأعمال البر والإحسان، و... و... واستقال على ماهر، فى ٢٩ يوليو ١٩٤٠، وجرى تحديد إقامته. ثم شاء القدر أن يتولى رئاسة الوزراء، مرة رابعة وأخيرة بعد قيام ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ ويتم إجباره على الاستقالة لمعارضته قانون الإصلاح الزراعى!.

لم يحدث تغيير جذرى أو نهوض فعلى بالقرى المصرية إلا بعد ثورة يوليو، التى أدركت أن الريف هو العمود الفقرى لأى تحول اجتماعى، وأصدرت قبل مرور خمسة وأربعين يومًا، قانون الإصلاح الزراعى، الذى انتزعت به الأراضى الزراعية من أيدى الإقطاعيين، وأعادت توزيعها على أصحابها الأصليين، الفلاحين المعدمين، ثم قامت بتوسيع الرقعة الزراعية باستصلاح المزيد من الأراضى، وأنشأت مديرية التحرير. وبفعل مجانية التعليم حدث حراك اجتماعى صعود بموجبه نحو مليونى فلاح، إلى مراكز متقدمة فى مواقع الدولة، وشارك أبناؤهم فى قيادة عملية التنمية.

قد تندهش لو عرفت أن لدينا جهازًا لـ«بناء وتنمية القرية المصرية»، تم إنشاؤه سنة ١٩٧٣، فى إطار، أو تحت زعم، اهتمام الدولة بإعادة بناء القرية وتحسين المستوى المعيشى وزيادة الناتج القومى وفتح فرص للتصدير وتحقيق المزيد من الاكتفاء الذاتى من الناتج المحلى، عن طريق تنمية وتوفير فرص عمل جديدة للشباب وفتح آفاق من الاستثمار فى السوق المحلية المصرية.

هذا ما تقوله الأوراق، أما ما يقوله الواقع فهو أن القرى المصرية عاشت فاصلًا زمنيًا طويلًا، جرى خلاله الاكتفاء بالحديث عن أخلاقها وقيمها وطيبة أهلها. ولمّا حاول الرئيس الأسبق محمد أنور السادات إنهاء ذلك الفاصل، أنشأ «صندوق التنمية المحلية كشخصية اعتبارية مستقلة بموجب القرار الجمهورى رقم ٣١٠ لسنة ١٩٧٨، بهدف إقراض المجالس القروية لزيادة النشاط الاقتصادى للقرية عن طريق التوسع فى المشروعات الإنتاجية، غير أن الصندوق لم يبدأ مزاولة نشاطه بصورة عملية إلا فى نوفمبر ١٩٧٩، وليته ما بدأ، إذ كان من المفترض أن يكون ذلك إحدى الآليات الأساسية التى يعتمد عليها البرنامج القومى للتنمية الريفية المتكاملة، التى لم تحدث، ولم تتحقق واحدة من محاورها الأربعة: التنمية الاقتصادية والبشرية والعمرانية والمؤسسية!.

تكررت المحاولة، بعد ١٥ سنة تقريبًا، بظهور مشروع طموح، سنة ١٩٩٤، اختير له اسم «برنامج شروق» أو البرنامج القومى للتنمية الريفية المتكاملة. وقيل إن هذا البرنامج يعمل على خفض أعباء الدولة المالية بزيادة نسب المساهمة الشعبية ورفع معدلات تشغيل القوى العاملة من خلال إتاحة مزيد من فرص العمل المستقر والمنتج. وتعميق وتفعيل الممارسات الديمقراطية من خلال توسيع قاعدة المشاركة الشعبية وإرساء أدوار مجتمعية للمنظمات الأهلية ومكونات المجتمع المدنى ودمج المرأة والشباب والفئات المهمشة فى حركة تنمية المجتمع و... و... وكانت النتيجة «ز م ش»، أو «زى ما شفت»: مجرد كلام لم يغادر الأوراق المكتوب فيها. 

هذه النتيجة، مع أوضاع أخرى كثيرة، لم تكن تسر حبيبًا، وضعتنا تحت رحمة عدو، احتجنا ثلاث سنوات، فعليًا، وسنة نظريًا، لكى نتمكن من كنسه واسترداد وطننا من قبضته. وبينما كنا نواصل معركتنا ضد هذا العدو وقوى الشر، التى صنعته وساندته ومكنته من رقابنا، بدأت معركـة الإصلاح والبناء، بعد مرحلة زمنية مفصلية مرت بها مصر، منذ سنة ٢٠١٤، تم خلالها التركيز على إجراء إصلاحات اقتصادية هيكلية، وتكاملت وتوحدت جهود وزارات وهيئات ومؤسسات الدولة مع القطاع الخاص، والمجتمع المدنى، لسد الفجوات التنموية بين القرى والمراكز، وتحسين مستوى المعيشة الاقتصادى والاجتماعى والبيئى للفئات الأكثر احتياجًا والأولى بالـدعم، وإعادة التخطيط العمرانى والزراعى، وتطوير البنية التحتية وشبكة الطرق والاتصالات، وإتاحة فرص الاستثمار والعمل فى طول مصر وعرضها.

محاور المشروع القومى، أو المبادرة الرئاسية، «حياة كريمة»، تغطى كافة جوانب تنمية الإنسان المصرى، وتوفر حزمة متكاملة من الخدمات: سكن كريم، صحة، تعليم، بنية تحتية وبيئة نظيفة، مع إقامة مجتمعات منتجة، لضمان استدامة التنمية، وتطوير وتحسين حياة أكثر من نصف سكان مصر، تحديدًا ٥٨٪ منهم. وباتت المبادرة أو المشروع القومى ذراعًا مجتمعية تنموية قوية، وأحدثت بالتدريج نقلة نوعية هى الأضخم على الإطلاق، فى بناء الإنسان المصرى.

الخلاصة، هى أن الريف المصرى ظلّ بعيدًا عن التطوير الحقيقى والتغيير الجاد، وأكثر بعدًا عن اهتمام الدولة، حتى قامت دولة «٣٠ يونيو»، وقرر الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يعيد رسم خريطة مصر وأن ينقل قراها وكفورها ونجوعها من الفقر وتسوّل الخدمات إلى الحياة الكريمة.