رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مؤشرات غروب شمس الإمبراطورية الأمريكية (2)


سادساً: سقوط الفكر والفلسفة التى تبناها مفكرون أمريكيون «نهاية التاريخ» بعد سقوط الاتحاد السوفيتى، حيث كان يرى هذا الفكر أن أمريكا أصبحت سيدة العالم بلا منازع، والقوة الأوحد بلا منافس

تحدثنا فى مقال سابق عن توقعنا لغروب شمس الإمبراطورية الأمريكية على العالم، وفى هذا المقال نبرهن على ذلك التوقع، بعرض لأهم المؤشرات التى تبين أن المشروع الأمريكى الإمبراطورى للسيطرة وحده على مقدرات وسياسات العالم عن طريق القوة لن ينجح هى:

أولاً: بعد سقوط الاتحاد السوفيتى 1991 تصور الأمريكيون أن السيطرة على العالم قد دانت لهم، وأنهم أصبحوا القوة الفريدة المتحكمة فى شئون العالم، فبدأت أمريكا تتحرك فى نطاق أوروبا الشرقية فى محاولة لضم بعض بلدان الاتحاد السوفيتى القديم، ودول حلف وارسو المنحل، وكان لأمريكا دور أساسى فيما حدث فى صربيا والبوسنة والهرسك، إلا أن التدخل الأمريكى قد فشل على سبيل المثال فى مقدونيا إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق، بعد زرع سياسة أدت إلى بث الخلاف والتباعد بين روسيا ومقدونيا، وأصبحت هناك ردود أفعال داخل مقدونيا تمقت الوجود الأمريكى وترفض العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، بعد حالة التردى الاقتصادى التى وقعت فيها، وما حدث فى مقدونيا حدث مثله فى كثير مع جمهوريات الاتحاد السوفيتى القديم، ودول أوروبا الشرقية.

ثانياً: بعد سقوط برجى التجارة العالمية فى نيويورك 2001 شنت الولايات المتحدة حرباً كاسحة فى أفغانستان، استخدمت فيها أحدث أدوات الحرب والتدمير، وبرغم هدم الطائرات الأمريكية بطيار أو بدون طيار للمنشآت والأفراد، وضرب الصواريخ والقنابل، وقتل السكان وتشريدهم من عسكريين ومدنيين لم تحقق الولايات المتحدة الأمريكية أهدافها فى أفغانستان، فالجناح المتشدد من الشعب الأفغانى لم يستسلم أو يرض عن السياسة والوجود الأمريكيين، وجماعة طالبان، وتنظيم القاعدة لم يقض عليهما كما كان منتظراً، والديمقراطية التى نادت بها الولايات المتحدة لم تتحقق، وما الديموقراطية التى يرددها الأمريكيون ليل نهار سوى ستار لتحقيق سياستهم الخفية، ذلك لأن مواجهة أمريكا حتى لجماعات الإرهاب تقوم على المواجهة العسكرية، لا على السعى لحل المشاكل الاقتصادية الاجتماعية، ومواجهة الفقر، وهى السبب الأساسى لقيام الحركات الدينية الأصولية.

ثالثاً: فشل السياسة الأمريكية فى العراق، بعد غزوه وتخريبه عام 2003 بحجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة النووية، التى لم تكن موجودة أصلاً، وفى الحقيقة كان هدف الولايات المتحدة ضرب وتخريب دولة العراق ـ والتخلص من صدام حسين ـ باعتبارها كانت أكبر قوة عسكرية واقتصادية فى المنطقة العربية، قوة محتملة التطور والنمو بشكل هائل، وكان بإمكانها دعم القضايا العربية، وكانت الترتيبات الأمريكية تقوم على خلق نظام سياسى بديل قالوا عنه « نظاماً ديموقراطياً»، سيجعل العراق نموذجاً للديمقراطية فى المنطقة، وذلك ما لم يتحقق على الإطلاق. وقد زادت أوضاع العراق سوءاً بعد الغزو، وسيطرة أمريكا على البترول، فعمت الفوضى، واختلط الحابل بالنابل، وظهرت قوى مقاومة من جماعات إسلامية كالقاعدة، وتشكيلات إرهابية أخرى، واستيقظت كوادر من بعض أفراد حزب البعث، وتكونت ميليشيات من اتجاهات مختلفة ضد الوجود الأمريكى، وأصبح الجيش الأمريكى يخسر كل يوم أعداداً كبيرة من قواته فانسحب، وترك العراق فى حالة من الدمار، والحرب الأهلية بين السنة والشيعة، والأكراد والعرب بفعل المخابرات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلى حتى يتفتت فتزحف عليه القوى الغربية والصهيونية، لتحقيق حلم إسرائيل من النيل إلى الفرات. رابعاً: فشل السياسة الأمريكية فى حل الأزمة الكورية، فقد راهنت أمريكا على إرغام كوريا الشمالية لإيقاف برنامجها النووى لإنتاج القنبلة النووية، وهددتها أحيانا باستخدام القوة، وانتهجت فى أحيان أخرى أسلوب التفاوض معها، ومع ذلك لم تنجح فى إثناء كوريا الشمالية عن برنامجها النووى، ذلك لأن الولايات المتحدة اعتادت أن تأمر ولا تسمع، تمنح الفرصة لمن تشاء لكى تكون لديه القوة النووية كإسرائيل، وتنزع هذه الفرصة ممن تشاء، فاتصفت سياستها بعدم المصداقية.خامسا: حاولت الولايات المتحدة الضغط على إيران بعد ثورة خمينى للرضوخ للسياسة الأمريكية، كما كان الحال أيام الشاه، إلا أن محاولاتها لمحاصرة إيران قد باءت بالفشل، رغم فرض الحصار الاقتصادى عليها، وبنفس الأسلوب فشلت الولايات المتحدة فى وقف البرنامج النووى الإيرانى، خشية استخدامه فى إنتاج السلاح النووى، ولم يكن منطقياً أن تطلب الولايات المتحدة من إيران وقف برنامجها النووى، الذى تعلن إيران أنه مخصص للاستخدامات السلمية، فى الوقت الذى تمتلك فيه إسرائيل ترسانة نووية جبارة تهدد بها الدول المحيطة بها، ولذلك اضطرت الولايات المتحدة للتفاهم مع إيران مؤخراً.من أمثال صمويل هنتنجتون، وفرنسيس فوكوياما فى كتابه، وللحديث بقية

■ استاذ تاريخ -جامعه المنصورة