من يُداوى قلب «سارة»؟.. العم خطف طفليها وأوهمهما بوفاتها
ثلاث سنوات دون أن ترى «سارة» توأمها محمد وعلي.. آلام الفراق التي زارت قلب الأم قبل نحو 1000 يوم؛ لم تُغادره منذ حينها، فلم تتوقف قدما ابنة الإسكندرية عن السير بحثًا عن الصغيرين الضائعين بعد أن اختطفهما عمهما، بعد أشهر من انفصال والدتهما عن والدهما الذي غادر البلاد قبل سنوات.
حكاية من حكايات الألم في نهايات الحياة الزوجية، تعيشها ابنة الإسكندرية سارة علي، التي باتت تُجسد جُرحًا كبيرًا من جِراحات اللاتي فقدن فلذات أكبادهن، ودفعن ثمنًا غاليًا لجبروت آباء حملوا ألقابًا دون معانيها في الأبوة.
قبل 9 سنوات، غُرست البذرة التي أنبتت ألمًا، حينما كانت «سارة» بصحبة أسرتها في رحلة إلى القاهرة.. شاهدها أحدهم، وأعُجِب بها.. «كان زميلًا لأزواج شقيقاتي، وتقدم للزواج مني بعد أسبوع من عودتنا من القاهرة، وتمت خُطبتنا، وظللنا عامًا حتى حدث الزواج في مطلع العام 2013» ـ تقول سارة.
حاول زوج المستقبل أن يظهر رائعًا أمام خطيبته وأسرتها طيلة فترة الخطوبة، غير أن «سارة» التمست جانبًا غير طبيعي في شخصية الشاب، لكن شعورها هذا مرّ بين مشاكل تقول إنها «عادية» شهدتها هذه الفترة، وسارت الأمور حتى جمعهما منزل واحد.
قناع الملاك الذي ارتداه الخطيب، انتزعه عنه حينما صار زوجًا، فبدأت تظهر للزوجة أشياءً للمرة الأولى في صورة لرجل كما لو كانت لا تعرفه من قبل.. تغيّر كل شيء، لكن بذرتين كانتا تُنبتان في أحشاء سارة، لتُعلنا عن ضيفين جديدين قادمين للدنيا.. التوأم «محمد وعلي» ـ هكذا أطلقوا عليهما بعد أن وضعتهما.
دبّت المشاكل، فلم تعد الزوجة تُطيق أن تقضي يومًا آخر في سجن كانت تظنه قصرًا سعيدًا قبل الزواج، فعادت بطفليها لبيت زوجها في العام 2015، ولم يكونا قد بلغا فِطامهما.. طلبت الطلاق أخيرًا، ومعها غادر أبوهما مصر، ليتركها مُعلقة.
طيلة ثلاث سنوات قضتها سارة في بيت أبيها ـ الذي غادر عالمنا قبل 6 أشهر ـ كان شقيق زوجها يطلب رؤية ابني شقيقه، لكنها كانت ترفض ألمًا مما تعيشه، لكن أبيها كان يُعاتبها في كل مرة، ليؤكد لها أنها صلة رحم، ولا يقبل أن يكون عرضة للحساب كونه قاطعًا للرحم، فكان يسمح لعمهما برؤيتهما.
سئمت سارة تلك الحياة، فذهبت لأسرة زوجها وطلبت منهم أن يتركها لحالها، وأن يُطلقها على أن تتنازل عن كل حقوقها من زوجها.. «وافقوا، وتم الطلاق.. وفعلت ذلك حتى لا يتأثر الطفلان نفسيًا من خلافاتنا.. وطلقني شقيقه نيابة عنه بعد أن أرسل له توكيلًا لذلك» ـ تقول ابنة الإسكندرية.
بعد الطلاق؛ تركت سارة طفليها ليذهبا بصحبة عمهما لأسرة والدهما ليقضيا يومين هُناك.. تكرر الطلب، لكن هذه المرة كانا في حالة صحية لا تسمح لهما بالذهاب ـ هكذا تقول سارة ـ فأخبرت العم بذلك، لكنه اعتقد أنها لا تُريد ذهابهما.. فجهّز لاختطافهما.
«بعد فترة؛ هاتفني عمهما ليُخبرني أنه يُريد أن يراني أنا والأولاد في منزلهم لأنه اشترى لهما ألعابًا وملابس، يرغب في إعطاؤها لهما.. ذهبت سارة دون أن تعرف أن حدثًا سيُكدر حياتها؛ ينتظرها هُناك.. احتجزني في المنزل، وكان بصحبة شخص آخر أخذ الطفلين بعيدًا، واستحوذ على حقيبتي وأوراقي، واعتدى عليّ صفعًا ليُجبرني لأوقع على أوراق لا أعلم ما كُتِب فيها.. فعلت ذلك رغمًا عني» ـ تقول سارة.
حررت سارة محضرًا ضده، واتخذت طريقًا قانونيًا لإعادتهما، لكن العم تبخّر واختفى بصحبة طفليها محمد وعلي.. عامان مرا؛ طعمهما مُر على الأم، دون أن تجد الطفلين، حتى بلغا السابعة من عمريهما.. هذا موعد التحاقهما بالمدرسة، ويُمكن العثور عليهما إذا ما كان العم تقدم بملفاتهما لأي مدرسة ـ هكذا أخبرها أحدهم.
بحثت سارة في ملفات المتقدمين للمدارس، حتى وجدت اسميهما في إحداها.. كانت هدية السماء للأم الجريحة على طفليها الضائعين.. شعاع نور أضاء قلبها من جديد ليبعث الأمل في نفسها أن تراهما مُجددًا.. «انتظرت أمام المدرسة فوجدتهما، وكانت هُناك سيارة مُخصصة لتوصيلهما من المنزل إلى المدرسة، وإعادتهما.. انتظرت حتى عرفت أين يقطنان بصحبة العم الخاطف، وكان بصحبتي المحامي الخاص بي، وذهبنا لنُبلغ الأجهزة المعنية لتنفيذ الحكم، لكن عند ذهابنا في اليوم التالي؛ وجدنا أن العم علم بقدومنا وهرب بهما من جديد.. عرفت بعد ذلك أن المُحامي الذي وكلته هو من وشى بموعد حضورنا» ـ تقول الباحثة عن طفليها.
لم ينكسر قلب الأم فقط عند احتراق فرحتها بعد أن كانت على بُعد خطوات من طفليها، لكن الأمل الأكبر حينما أخبرها الجيران بما كانت تقوله أسرة الأب عن الطفلين حينا يسألهما أحد عن والدتهما، فيردان بأنها ماتت، وهكذا أوهموا الطفلين وصدقا الأمر.. تقول الأم مؤكدة: عُدت إلى المنزل منهارة للغاية، فالأبواب كلها أُغلقت أمامي.
ألغت سارة توكيلها للمحامي الذي تقول إنه خدعها، ووكلت عنها آخر، وحررت محضرًا للعم ووالدته بخطف طفليها، وما زالت تنتظر لقاءً يُداوي قلبها الجريح.. «اشتقت لهم كثيرًا، وأعيش على أمل رؤيتهما.. لا شيء أريده من هذه الحياة سوى أن أعيش لأهتم بهما.. أتمنى أن أُخبرهما أن أمهما لا تزال على قيد الحياة».