رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

للإرهابيين الأوروبيين أيضًا حقوق!

قلوب الأوروبيين خضراء، تدق وترق وتحنو على الإرهابيين هنا، لكنها تصبح سوداء ميتة، حين تتعامل مع إرهابييها، وتحرمهم من أبسط حقوقهم: حق العودة إلى وطنهم، الذى يكفله الإعلان العالمى لحقوق الإنسان واتفاقية جنيف الرابعة والمعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية. كما أنهم محرومون، أيضًا، من الحق فى محاكمة عادلة، أحد أبسط الحقوق فى الدول التى تحترم سيادة القانون. إضافة إلى الحق فى الحياة، الذى يتقدم على كل الحقوق. 

دول قليلة سمحت بعودة أطفال الدواعش فقط، ودول أخرى منحت حق العودة لزوجاتهم، بينما يصر باقى الدول على عدم استعادة الكبار أو الصغار، الذكور أو الإناث، وترى أنهم يجب أن يمثلوا أمام محاكم محلية. ولم تلتفت إلى تأكيد دنيا مياتوفيتش، مفوضة مجلس أوروبا لحقوق الإنسان، على أن هؤلاء ضمن الاختصاص القضائى لتلك الدول.

كانت مياتوفيتش تعلق، يوم الجمعة، على طعنين قضائيين تقدمت بهما عائلات إرهابيين، ضد رفض فرنسا إعادة أقاربها المعتقلين فى مخيم الهول الشاسع فى شمال شرق سوريا. وهو واحد من عدة مخيمات أو معسكرات تديرها «قوات سوريا الديمقراطية» التى يقودها الأكراد، ويضم نحو ٦٤ ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، يُشتبه فى أنهم يرتبطون بعلاقة عائلية مع أعضاء تنظيم «داعش». وفى ذلك المخيم، الذى يشهد بين الحين والآخر فوضى وحوادث أمنية، يوجد نحو ٨٠ فرنسية و٢٠٠ من أطفالهن، على سبيل المثال!

فى اليوم نفسه، يوم الجمعة الماضى، طالبت إدارة الحكم الذاتى الكردية المجتمع الدولى بتقديم الدعم لمساعدتها على إنشاء مراكز لإعادة تأهيل أطفال «الدواعش». ولوكالة الأنباء الفرنسية، قال عبدالكريم عمر، الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية الكردية، إن نحو ٣٥ طفلًا تتجاوز أعمارهم ١٢ سنة تم إخراجهم من مخيم الهول، تمهيدًا لنقلهم إلى «مركز إعادة تأهيل فى الحسكة، سيصبح جاهزًا خلال أيام». وأوضح أن «الحل الجذرى هو أن تأخذ كل دولة مواطنيها، وإذا لم ترغب بذلك فى هذه المرحلة، فلتدعمنا على الأقل لتحسين ظروف هؤلاء الأطفال».

إلى جانب مركز الحسكة، الذى سيكون جاهزًا خلال أيام، يُدير الأكراد مركزًا وحيدًا لإعادة تأهيل الأطفال، تأسس سنة ٢٠١٧ فى ريف مدينة القامشلى، ويضم ١٢٠ طفلًا. وفى تصريحاته للوكالة الفرنسية أشار عمر إلى أنهم يعتزمون إنشاء ١٥ أو ١٦ مركزًا مماثلًا»، وطالب المجتمع الدولى الذى «لا يتحمل مسئولياته» بتقديم الدعم؛ لأن «إمكاناتنا لا تكفى والموضوع أكبر منا».

مجموعات إغاثة حذرت من الظروف السيئة لذلك المخيم، وقالت إن المحتجزين به يفتقرون للرعاية الصحية الكافية. ونبهت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أن «مئات الأطفال، الذين لا تتجاوز أعمار بعضهم ١٢ سنة، محتجزون فى سجون للبالغين»، كما أشارت مياتوفيتش إلى أن «إخراج جميع الأطفال من المخيمات أولوية مطلقة وإلزامية. ومن أجل ضمان مصلحتهم، يتعين ترحيل أمهاتهم معهم». وناشدت دول الاتحاد الأوروبى السماح لمواطنيها بالعودة إلى وطنهم. وأكدت، فى بيان صدر عن مكتبها، أن «وضع المخيمات الصحى والأمنى يؤثر سلبًا على الصحة الجسدية والعقلية للمعتقلين، خاصة الأطفال، ويعرض حياتهم للخطر». وأوضحت أن وضعًا كهذا لا يتوافق مع «المادة ٣» من الميثاق الأوروبى لحقوق الإنسان. 

بمجرد إعلان القضاء على التنظيم الإرهابى، منذ عامين تقريبًا، لم تتوقف إدارة الحكم الذاتى الكردية عن مطالبة الدول المعنية باستعادة رعاياها المحتجزين فى السجون والمخيمات، وبينهم عشرات آلاف الأطفال، ولم تتلق استجابة. ومع أن الولايات المتحدة ترفض، هى الأخرى، استعادة رعاياها، فإن وزير خارجيتها، أنتونى بلينكن، قال خلال اجتماع انعقد فى روما، الإثنين الماضى، لتجديد جهود محاربة «داعش»، إن بلاده تواصل حث الدول، بما فى ذلك الدول الـ٧٨ الأعضاء فى التحالف ضد التنظيم الإرهابى، على استعادة مواطنيها الذين انضموا إلى التنظيم.

الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب كان، أيضًا، يرفض استعادة الإرهابيين الأمريكيين، ويطالب الدول الأوروبية باستعادة رعاياها وتقديمهم للمحاكمة. وله تغريدة شهيرة هدد فيها بأن قواته، قد تضطر إلى إطلاق سراح هؤلاء، وقال إن بلاده «لا تريد أن تقف وتشاهد مقاتلى التنظيم المعتقلين فى سوريا يتغلغلون فى أوروبا». ووقتها، توقعنا ألا يتم تنفيذ ذلك التهديد، لأنه يتناقض مع ما سبق أن أعلنه بريت ماكجورك، المبعوث الأمريكى للتحالف الدولى ضد «داعش»، بأن مهمته الأساسية هى ضمان مقتل كل مقاتلى التنظيم الأجانب.

مع استمرار تعنت الأوروبيين وتجاهلهم أبسط حقوق الإنسان، سيظل الإرهابيون وزوجاتهم وأطفالهم، فى المخيمات، المعسكرات أو المعتقلات، حتى يذهبوا إلى الجحيم، جوعًا أو مرضًا، أو بقذيفة من قوات الدول التى صنعتهم وظلت تستعملهم حتى فقدوا صلاحيتهم ومبرر وجودهم.