رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عالم أزهرى يجيب.. كيف عالج الإسلام القلق من المستقبل والخوف من المجهول؟

القلق
القلق

قال الدكتور أحمد البصيلي، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، إن الإنسان بطبيعة خلقته مخلوق ضعيف، وربنا سبحانه يقول لنا ذلك بصراحة: “وخُلق الإنسان ضعيفا”، ولك أن تتساءل معي لماذا خلق الله الإنسان وجعل الضعف مصاحبا له؟ والجواب: “أن الإنسان إذا شعر بالاستغناء طغى وبغى في الأرض بغير الحق وتكبر وتجبّر وأهلك الحرث والنسل”، كيف لا وقد قال الله تعالى: “كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى”، وبناء على ذلك فلا بد لهذا الإنسان أن يتيقن تمام اليقين أنه مخلوق ضعيف بغير الله، وقوي إذا كان في معية الله.

وأضاف البصيلي، في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن القلق أيضا مصاحب للإنسان بجانب الضعف في أصل خلقته، وذلك من حكمة الله حتى يستقيم نظام الأكوان، يقول ربنا سبحانه موضحا هذه الحقيقة: “إن الإنسان خُلِق هلوعا، إذا مسّه الشر جزوعا، وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين”، ولكن هناك حد أدنى للقلق والخوف من المجهول ينبغي ألا تنزل عنه وإلا أُصبت بالبرود القاتل.

وتابع: “هناك أيضا حد أعلى للقلق والخوف من المستقبل ينبغي ألا تتجاوزه لأن تجاوزه يعني أنك حتما ستصاب بالاكتئاب والإحباط والوسواس القهري الذي ينتهي بك في آخر المطاف إلى العجز”.

دعاء الكرب والقلق

وأشار إلى أن القلق والخوف إذا سيطر على الإنسان أفقدَهُ السيطرة على ذاته فكرا وقرارا، وأصبح خائر القُوَى، ضعيف البنية، لا ينتج عملا ذا بال وصار عبئا على أسرته ومجتمعه، ولا خلاص من ذلك إلا باللجوء إلى هدى الله والارتماء في أحضان معيّته، وذات مرة دخل رسول الله المسجد فوجد رجلا من الأنصار - اسمه "أبو أمامة" - مهموما ودمعته على خدّه من شدة الهم والقلق، فسأله عن حاله، فقال “همومٌ لزِمَتني وديونٌ يا رسولَ اللهِ؟ قال أفلا أُعلمُك كلامًا إذا قلتَه أذهب اللهُ همَّك وقضَى عنك دينَك؟ قال قلت بلى قال قلْ إذا أصبحتَ وإذا أمسيتَ اللهمَّ إني أعوذُ بك من الهمِّ والحزَنِ وأعوذُ بك من العجزِ والكسلِ وأعوذُ بكَ من البخلِ والجبنِ وأعوذُ بك من غلبَةِ الدَّينِ وقهرِ الرجالِ قال ففعلت ذلك فأذهب اللهُ عني همِّي وقضَى عني دينِي”.

علاج القلق والخوف من المستقبل

وأكد على أن العلاج النبوي الذي يقول فيه مولانا رسول الله: "ما أصاب أحَدًا قَطُّ هَمٌّ ولا حَزَنٌ فقال اللهمَّ إنِّي عبدُك وابنُ عبدِك وابنُ أمَتِك ناصيَتي بيدِك ماضٍ فيَّ حُكْمُك عَدْلٌ فيَّ قضاؤُك أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سمَّيْتَ به نفسَك أو أنزَلْتَه في كتابِك أو علَّمْتَه أحَدًا مِن خَلْقِك أو استأثَرْتَ به في عِلْمِ الغيبِ عندَك أن تجعَلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ صدري وجَلاءَ حَزَني وذَهابَ همِّي إلَّا أذهَب اللهُ عَزَّ وجَلَّ همَّه وأبدَلَه مكانَ حُزْنِه فَرَجًا قالوا يا رسولَ اللهِ ينبغي لنا أن نتعلَّمَ هؤلاء الكلماتِ قال أجَلْ ينبغي لمن سمِعَهُنَّ أن يتعَلَّمَهُنَّ".

وأوضح أن المستقبل بالنسبة لك "وهْمٌ"، بمعنى أنك لا تستطيع بحال أن تجزم بأنك ستعيشه، أو أن عمرك سيمتد لتصل إلى الموعد الذي هو سبب في قلقك وخوفك، أما الواقع الذي تعيشه فهو الحقيقة التي ينبغي أن تنشغل بها على هُدىً من الله، فلا تسمح لخوفك من (المجهول) أن يُغيِّبك عن واقعك (المعلوم)، لأنه من الحُمق: الانشغال بهموم المستقبل (المزعومة) عن واجبات الواقع "الموجودة، ولذا يقول سيدي ابن عطاء الله السكندري رحمه الله: "إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما أقامك".

وقال إن "المستقبل بيد الله، والواجب علينا تجاهه أن نستعد له في حدود الأسباب المتاحة والمباحة، على النحو الذي ينظمه الشرع الحنيف، وإلا صار المستقبل بالنسبة لنا شبحا مخيفا وعدوا عنيفا يقتل الواقع الحاضر ولا يفيدك في المستقبل من الأساس"، وهذا المعنى يقول فيه ابن عطاء الله السكندري: "انشغالك بما ضُمن لك.. وتقصيرك فيما طُلب منك.. دليل علي انطماس البصيرة منك".


وناشد المهمومين والمكروبين بقول هذا الدعاء: “اللهم إن في تدبيرك ما يغني عن الحيل، وفي كرمك ما هو فوق الأمل، اللهم يا ولي نعمتي، ويا ملاذي عند كربتي، ويا مؤنسي في وحشتي، اجعل ما أخافه وأحذره بردا وسلاما عليّ، كما جعلت النار بردا وسلاما على إبراهيم”.