رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زيارة تاريخية.. وقمة استثنائية

صباح الثلاثاء، الموافق ٢٤ يوليو ١٩٩٠، زار الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، العاصمة العراقية بغداد. ومن وقتها، لم يذهب أى رئيس مصرى إلى الدولة الشقيقة، حتى قام الرئيس عبدالفتاح السيسى، صباح أمس الأحد، ٢٧ يونيو ٢٠٢١، بزيارة تاريخية، شارك خلالها فى قمة ثلاثية استثنائية، هى الرابعة، التى تجمع زعماء مصر والعراق والمملكة الأردنية. 

انقطعت العلاقات بين البلدين بعد غزو العراق للكويت فى ٢ أغسطس ١٩٩٠، وعادت جزئيًا بعد الغزو الأمريكى للعراق فى ٢٠ مارس ٢٠٠٣. ومع قيام «دولة ٣٠ يونيو»، وتولى الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكم، حرصت مصر على تعزيز العلاقات بين البلدين وتطويرها نحو آفاق أرحب فى إطار وحدة المصير والتحديات، وتحقيقًا لمصالح الشعبين الشقيقين، فى ظل التطورات الدولية والإقليمية المتلاحقة، وما شهدناه من تدخلات إقليمية تهدد الأمن القومى العربى.

شوارع بغداد تزينت بالأعلام المصرية والأردنية والعراقية، وفى حسابه على «تويتر» كتب مصطفى الكاظمى، رئيس الوزراء العراقى: «مرحبًا بكم فى عراقكم، ومعًا نؤسس لمستقبل يليق بشعوبنا وفق منطق التعاون والتكامل، بين الجيران والأشقاء». والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن تلك هى القمة الثلاثية الثانية التى يشارك فيها الكاظمى، وكان من المقرر أن تنعقد أواخر مارس الماضى، غير أنه قرر تأجيلها، تضامنًا مع مصر وأهالى ضحايا تصادم قطارى سوهاج. 

لدى وصوله مطار بغداد الدولى، كان الرئيس العراقى برهم صالح فى مقدمة مستقبلى الرئيس السيسى، ثم أقام الكاظمى استقبالًا رسميًا داخل المقر الحكومى بالمنطقة الخضراء، وعقد الزعيمان مباحثات ثنائية. ثم عقد الرئيس لقاءً ثنائيًا مع العاهل الأردنى، فى إطار الروابط الوثيقة التى تجمع بين البلدين الشقيقين. كما التقى الرئيس، أيضًا، محمد الحلبوسى، رئيس مجلس النواب العراقى، الذى أشاد بدور مصر فى الحفاظ على أمن واستقرار العراق والوطن العربى بأكمله، وأعرب عن تطلع بلاده إلى تعزيز التعاون الوثيق على المستوى البرلمانى.

التعاون الثلاثى بين مصر والأردن والعراق، انطلق من القاهرة، فى ٢٤ مارس ٢٠١٩، بقمة عقدها قادة الدول الثلاث: الرئيس السيسى، الملك عبدالله الثانى، وعادل عبدالمهدى، رئيس الوزراء العراقى السابق. وفى ٢٢ سبتمبر ٢٠١٩، استضافت نيويورك قمة ثلاثية ثانية، شارك فيها الرئيس العراقى برهم صالح، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتبعتها قمة ثالثة، استضافتها العاصمة الأردنية عمان، فى ٢٥ أغسطس الماضى.

قبل مشاركته فى القمة الثالثة، زار الكاظمى واشنطن، وتمكن جزئيًا من حل معضلة الوجود العسكرى الأمريكى فى بلاده، بالاتفاق على نقل العلاقات بين البلدين من الجانب العسكرى إلى الاقتصادى، مع فصل العراق عن الصراع الأمريكى الإيرانى. ومن هناك، طرح فى حوار مع جريدة «واشنطن بوست»، تصورًا لتكتل عربى، سمّاه «المشرق الجديد».

فى قمتهم الثلاثية الاستثنائية، ناقش الزعماء مشروع إقامة هذا التكتل، مع ملفات كثيرة أبرزها التعاون الزراعى وقيام الشركات المصرية بتأهيل المصانع العراقية، والربط الثلاثى فى مجالات النقل البرى والكهرباء. إضافة إلى ملف الأنبوب النفطى الذى يمتد من محافظة البصرة إلى ميناء العقبة الأردنى، وصولًا إلى سيناء، وإنشاء المنطقة الاقتصادية على الحدود العراقية الأردنية و... و... والاستفادة من التجربة المصرية فى ملفات الإسكان وبناء المجمعات العمرانية.

كالعادة، اتفق الزعماء الثلاثة على مواصلة التشاور والاجتماع بشكل دورى، لمناقشة مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، وجدّدوا ما اتفقوا عليه فى القمم الثلاث السابقة: أهمية الحل السياسى الشامل لأزمات المنطقة، بما يحفظ وحدتها واستقلالها ومقدرات شعوبها ويحافظ على الأمن القومى العربى فى مواجهة التدخلات الخارجية التى تهدف إلى زعزعته.. والقضاء على التنظيمات الإرهابية أينما وُجدت، ومواجهة كل من يدعمها سياسيًا أو ماليًا أو إعلاميًا.. ودعم الحل الشامل للقضية الفلسطينية بوصفها قضية العرب المركزية، حتى يحصل الشعب الفلسطينى على كل حقوقه المشروعة، على رأسها إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس.

فوق ذلك، أكد الرئيس السيسى، خلال القمة، حرص مصر على الأمن المائى العربى، ورحّب بموقفى العراق والأردن المساندين للموقف المصرى بشأن السد الإثيوبى، مشيرًا إلى أن تلك القضية تمثل إحدى أولويات السياسة المصرية، لتهديدها المباشر للأمن القومى المصرى، مجدّدًا تأكيده على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل ذلك السد.

استعادة دور العراق العربى والإقليمى ستسهم فى إعادة الاستقرار إلى المنطقة. وتعاونه مع مصر والأردن، يمنحه، قطعًا، عمقًا عربيًا يتيح له مواجهة التوحش التركى والسُّعار الإيرانى. ومع قيام تكتل «المشرق الجديد»، طبيعى أن يتزايد التعاون والتنسيق بين الدول الثلاث، ويتعاظم قلق قوى دولية وإقليمية أرادت إسقاط دول المنطقة وتخريبها، حتى تتمكن من السيطرة عليها.