رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا أدرجت دار «بنجوين» أعمال «زافون» ضمن سلسلة كلاسيكيّون خالدون؟

كارلوس زافون
كارلوس زافون

تحل اليوم الذكري الأولي لرحيل الكاتب الإسباني "كارلوس زافون"، والذي كان قد غادر عالمنا في مثل هذا اليوم، عن عمر ناهز 55 عاما بعد صراع مع المرض في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية.

كارلوس زافون الذي رسم برشلونة طولا وعرضا، وقدس الكتب وباعة الكتب وقدم لنا أعمالا روائية لا تنسى، ومن أشهر مؤلفات الكاتب الإسباني كارلوس زافون٬ رباعيته "مقبرة الكتب المنسية" وهي سجين السماء، لعبة الملاك، ظل الريح، متاهة الأرواح، وكلها صدرت عن منشورات الجمل٬ بترجمة المترجم السوري معوية عبد المجيد.

يشار إلى أن "كارلوس زافون" سيناريست وروائي إسباني ولد في برشلونة عام 1964، وحصدت روايته "ظل الريح"، التي صدرت عام 2001، عدة جوائز دولية، وبيع منها ملايين النسخ حول العالم، تُرجمتْ أعمال زافون إلى أكثر من 30 لغة.

وبحسب الناقد عزيز العرباوي، بدأ "كارلوس زافون" عمله لكسب المال عن طريق العمل في التسويق، والتي تعتبر مرحلة مهمة من حياته كلها، سواء على المستوى الأدبي أم على المستوى الاجتماعي؛ ففي هذه الفترة الزمنية تمكّن من التعرف على إمكانياته اللامحدودة في بيع الأشياء وتسويقها بطريقة مربحة، بل استطاع بنجاح أن يعرف أسرار البيع وطرق إقناع المشتري بمدى صلاحية ما يبيعه إياه.

بعد ذلك كان له موعد مع الانتقال إلى لوس أنجلوس الأميركية التي استقر فيها مدة طويلة من حياته منذ 1994، والتي استطاع فيها أن يبدع سيناريوهات لأفلام عديدة مما جعله يدخل عالم السينما من باب الكتابة باللغة الإنجليزية (التي كان يتقنها جيداً) دون حاجته إلى الترجمة من اللغة الإسبانية. لكنه وكروائي خالص، فقد بدأ زافون مشواره الأدبي من خلال الكتابة الروائية في إسبانيا وذلك بكتابته لأول رواية له "أمير الضباب" عام 1993 والتي حققت شهرةً عالمية فى إسبانيا وكسرت حاجز المليون نسخة فى المملكة المتحدة وحدها، ثم استمر زافون فى الكتابة للشباب واليافعين، فكتب "قصر منتصف الليل" عام 1994، و"أضواء سبتمبر" عام 1995، و"مارينا" عام 1996.

ــ منهج كارلوس زافون في مقبرة الكتب المنسية القائم علي تحدي الموت

وعن رباعيته "مقبرة الكتب المنسية" يوضح "العرباوي": من خلال عنوان السلسلة "مقبرة الكتب المنسية" يبرز لنا منهج كارلوس زافون وفكره المؤسس على تحدي الموت وما يمثله من عناوين وعناصر الإقبار والدفن، لكن هذا كله مرتبط بالمجاز عنده، المجاز الذي يدل على أن الكاتب الإسباني يؤمن بقدرة القراءة والكتابة على خلق نوع من الوعي بأهميتهما في بعث الحياة من جديد واستمرارها في إطار منطق فكري وثقافي يبني الوعي الإنساني بناءً إيجابياً، وهذه السلسلة كانت بالنسبة إليه أسئلة عن جدوى الحياة التي لم يجدْ لها جواباً فترك الفرصة لقارئ كتبه أن يبحث عن تلك الأجوبة المقلقة المثيرة للنفس والذات الفانية، حيث يظل القارئ يجري وراء هذه الأجوبة دون الوصول إلى شيء مقنع.

وتابع، أن كتابة "زافون" رمزية إيحائية تبحث عن قارئ يستطيع حلّ شفراتها بامتياز ويصل في النهاية إلى الغاية التي يريد الوصول إليها من كتاباته الروائية. فبرشلونة الحاضرة بقوة في رواياته هي مدينة الحرب والسلام والأحلام والفانتازيا والموت والحياة والهامش والجمال والقبح في الوقت نفسه. المدينة التي ينطلق منها الإنسان ليصل إلى إنسانيته وحقيقته الخفية.

ــ لهذه الأسباب أدرجت دار "بنجوين" أعمال "زافون" ضمن سلسلة كلاسيكيّون خالدون

وبدوره يقول الكاتب "رشيد الأشقر" عن كارلوس زافون: تُعَدُّ روايته "ظِلّ الريح"، الصادرة سنة 2001، عملاً روائيّاً استثنائيّاً، ونقطة تحوُّل كبرى في المسار الأدبيّ لـ«كارلوس زيفون»، إذ نقلته من كاتِب ناجح لروايات الفتيان والشباب، إلى الروائيّ الأكثر مبيعاً في مجال الكِتابة السرديّة المُوجَّهة إلى الكبار. فمنذ صدورها، حقَّقت "ظِلّ الريح" نجاحاً تجاريّاً منقطع النظير؛ إذ تُرجمت إلى أكثر من أربعين لغة، وأعيد طبعها وتوزيعها في خمسين دولة، كما بِيعت منها أكثر من خمسة عشر مليون نسخة بمختلف جهات العَالَم، لتصبح بذلك، العمل السرديّ الأكثر تداولاً لكاتِبٍ إسبانيّ خارج إسبانيا منذ الانفتاح الديموقراطيّ الذي شهدته البلاد ابتداءً من منتصف سبعينيّات القرن الماضي، بل يرى كثيرٌ من النُقَّاد، أن ظِلّ الريح، هي الرواية الإسبانيّة الأكثر ذيوعاً في العَالَم بعد رائعة "دون كيخوت" لـ ميجيل دي سرفانتيس. أمّا بعضهم، فيصنِّفها ضمن خانة الروايات المُتفرِّدة، التي تمتلك تلك القدرة النادرة على استدراج قرَّاء لا تدخل القراءة ضمن عاداتهم المُستحَبة.

فازتْ الرواية بعددٍ من جوائز الاستحقاق الأدبيّ. وتمَّ اختيارها ضمن لائحة أفضل مئة رواية مكتوبة باللّغة الإسبانيّة خلال الخمس وعشرين سنة الأخيرة، التي أشرف على إعدادها، في عام 2007، واحد وثمانون كاتِباً وناقِداً من إسبانيا ودول أميركا الجنوبيّة. كما أشاد بالرواية كُتَّاب غير لاتينيّن، في مقدِّمتهم رائد الرواية الأميركية المُعاصِرة ستيفن كينج.

ظِلّ الريح، هي الإصدار الأوّل من رباعية روائيّة تحمل اسم (مقبرة الكُتب المنسيّة). وهو عنوان يُحيل على فضاء فانتازيّ متخيّل، تتكدَّس داخله آلاف الكُتب والمطبوعات المنسيّة والمُهمَلة. استوحاه الكاتِب من ذاكرته الطفوليّة بـ "برشلونة"، أيام كان يجوب شوارع المدينة بحثاً عن كُتب ومجلات يُشبع بها نهمه القرائيّ، ويُشفي بها لوعة عشقه للكلمة المطبوعة. ومن بين الأماكن التي كان يتردَّد عليها في صغره، أملاً في العثور على كِتابٍ نادر، أو مجلّة طريفة، مكتبة سرفانتيس كانودا بقلب برشلونة، وقبوها المُظلِم المُشبع بالرطوبة الذي يضمُّ ركاماً من الكُتب والمجلات المُهمَلة والقديمة.

رباعية مقبرة الكُتب المنسيّة، التي تشمل كذلك (لعبة الملاك) 2008، و(أسير السماء) 2011، و(متاهة الأرواح) 2016، تؤلِّف في مجموعها حبكةً روائيّة غاية في التشابُك والتعقيد، وهي وإنْ كانت تنهج نفس الاستراتيجيّة الحكائيّة واللُّغويّة، للسرديّات التجاريّة والقصص الميلودراميّة التي شاعت في العقود الثلاثة الأخيرة، فضلاً عن تأثرها الواضح بالرواية الأميركيّة السوداء التي سادت خلال سنوات الثلاثينيّات من القرن الماضي، إلّا أن ما يميِّز رباعية "زافون"، هو الفضاءات التي تجري فيها الوقائع والأحداث، إذ ينقلنا السردُ إلى أجواء مدينة برشلونة السحريّة والخفيّة، ليرسم لنا صورةً دقيقة للوجه الأدبيّ الداكن لهذه المدينة الميتروبوليّة، من بداية القرن العشرين إلى يومنا هذا، ممّا يدعو القارئ إلى وقفة تأمُّل عميق لواقع الكِتاب والكِتابة الأدبيّة، في سياق التطوُّر التكنولوجيّ الحالي، وتغيُّر عادات القراءة لدى الجمهور.

وتظلُّ (مقبرة الكُتب المنسيّة)، برواياتها الأربع، مشروعاً سرديّاً ضخماً، كلّف كاتِبها عشرين عاماً من التخطيط والبناء والتدقيق، لينتهي إلى تشييد هذه المَعلَمة الروائيّة العتيدة، بقوة شخصيّاتها، وبراعة هيكلها المعماريّ، وسحر أجوائها المُشوِّقة الفاتنة. هذا فضلاً عمّا تزخر به الرباعيّة من حواراتٍ حادّة، ومنظوراتٍ إنسانيّة عميقة، ولمسات فكاهيّة ساخرة، وحب طافح لمدينة برشلونة، وشغف غير منقطع بالقراءة وبالكِتاب. ولعَلَّ هذا ما دفع بدار النشر الأميركيّة بينجوين، أثناء إصدارها في عام 2015، لسلسلةٍ خاصة تحت عنوان (كلاسيكيّون خالدون)، إلى إدراج اسم «كارلوس زافون»، رغم صفته المُعاصِرة، ضمن كبار الكُتَّاب الذين طبعوا ببصماتهم تاريخ الرواية العالميّة، أمثال الفرنسيّيْن مارسيل بروست و«جوستاف فلوبير، والإيرلنديّ جيمس جويس، والألمانيّ هيرمان هيس، وغيرهم. ولم تشمل السلسلة غير عددٍ قليل من الروائيّين المُعاصِرين، كان من بينهم، إلى جانب الإسبانيّ كارلوس زافون، البريطانيّان، كازو إيشيجورو اليابانيّ الأصل، وسلمان رشدي الكشميريّ الجذور.