رواها الطرابيلي في «شوارع لها تاريخ».. حكاية سوق الحسبة المنتسب للمحتسب
في كتابه "شوارع لها تاريخ" سياحة في عقل الأمة، والصادر عن الدار المصرية اللبنانية للنشر، يسرد الكاتب الصحفي الراحل عباس الطرابيلي، تاريخ سوق "الحسبة" في دمياط مشيرا إلي أن السوق مازال قائما حتي الآن، موضحا أن الخليفة عمر بن الخطاب هو أول من وضع نظام "الحسبة"، وكان يقوم بنفسه بعمل المحتسب، إلا أن هذا اللفظ لم يستعمل إلا في عهد الخليفة المهدي العباسي.
و أضاف الكاتب الراحل كانت سلطة القاضي موزعة بينه وبين المحتسب وقاضي المظالم، فالقاضي وظيفته فض المنازعات المرتبطة بالدين بوجه عام، والمحتسب وظيفته كانت النظر، فيما يتعلق بالنظام العام والجنايات التي يستدعي الفصل فيها إلي السرعة ووظيفة قاضي المظالم هي الفصل فيما استعصى من الأحكام علي القاضي والمحتسب وأحيانا كان القضاء والحسبة يسندان إلي رجل واحد، أي أن عمل القاضي مبني علي التحقيق والأناة في الحكم، أما عمل المحتسب فمبني علي الشدة والسرعة في العمل.
- مهام المحتسب
والمحتسب كان يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ، ويحافظ علي الآداب العامة والأمانة والفضيلة، وينظر في مراعاة أحكام الشرع، ويشرف علي نظام الأسواق ويحول دون بروز المحال حتي لا تعوق نظام المرور، ويستوفي الديون، ويكشف علي الموازين والمكاييل منعا للغش في الميزان، ويعاقب من يعبث بالشريعة أو يرفع الأسعار، ويمنع التعدي علي حدود الجيران، وألا ترتفع مباني أهل الذمة عن مباني المسلمين. ووصل الأمر إلي أن ابن "خلدون" تناول أعمال المحتسب وكيف أنه كان أيضا يبحث عن فاعلي المنكرات، ويؤدب الناس، ويراقب المصالح العامة بالمدينة، ومنع مضايقة الناس في الشوارع، ومنع الحمالين والسفن من زيادة الأحمال، والحكم علي أصحاب المباني الآيلة للسقوط يهدمها. ولم يكن يتوقف عمل المحتسب علي كل ذلك بل كان له الحق في نظر كل ما يرفه إليه، والحكم بسرعة في الدعاوي خصوصا ما يتعلق بالغش والتدليس. فحمل الناس علي الإنصاف.
- نظام الحسبة في الأندلس
وعرفت الأندلس نظام المحتسب، وكان يتولى الحسبة في كل مدينة موظف يسمي المحتسب أو صاحب السوق لأن معظم عمله معلق، بالإشراف لهم بالعلم والمعرفة والفطنة، ويختار من القضاة لأن عمله مرتبط بالقضاء. حتي أن أسعار السلع كانت محددة، وكانت للمحتسب قوانين يعمل بها، وتدرس كما تدرس أحكام الفقه والشريعة لأنها تتعلق بالبيع والشراء وهكذا.
كما شاع نظام المحتسب في العصر الفاطمي للإشراف علي الأسواق، وكان للمحتسب نواب يطفون في الأسواق، ويفتشون الفنادق العامة ويشرفون على السقايين، وارتقي نظام المحتسب في عهد الفاطميين ونال قسطا وافرا من عناية الخلفاء، فعملوا على توسيع نفوذ المحتسب، فامتد من الأسواق إلي أحكام الشريعة إلي الإشراف علي المساجد.
- تاريخ سوق الحسبة في دمياط
ويوضح "الطرابيلي" إن سوق الحسبة وميدان سوق الحسبة في دمياط يعود إلي العصر الفاطمي، لأن هذا الميدان الذي يتوسط مدينة دمياط كان يتوسط "الخليج" الذي كان يستمد مياهه من نهر النيل عند الكوبري القديم. ويسير الخليج وعند تقاطعه مع شارع سوق الغلال يمينا ومدخل سوق السمك بشارع الملكة فريدة شمالا كانت هناك قنطرة يعبر عليها الناس. ومازال هذا الاسم "القنطرة" يطلق علي هذه المنطقة بالكامل حتي الآن. ويستمر الخليج إلي أن يصل إلي سوق الحسبة، حيث كان يجلس المحتسب ليراقب السوق ويراقب سلوكيات الناس .