رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«إيكونوميست»: «فوبيا» التضخم تصيب ألمانيا مع توقع صعوده لأعلى معدل في 30 عاما

إيكونوميست
إيكونوميست

ذكرت مجلة "إيكونوميست" أن القائمين على السياسة النقدية في ألمانيا أصيبوا بحالة من الذعر جراء ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، ولاسيما بعد أن تجاوز معدل التضخم نسبة 2% في أبريل الماضي، فضلا عن صدور توقعات أخيرة لـ"البنك المركزي الألماني" (البوندسبنك)، بأن المعدل قد يصل إلى 4% في القريب العاجل، وهو مستوى لم تشهده ألمانيا منذ ما يقرب من 30 عاما.


وتشير المجلة البريطانية في عددها الأخير، إلى أن الذهنية الألمانية لازالت تعاني "رهاب التضخم الحاد"، الذي حُفر في الذاكرة منذ عشرينيات القرن الماضي حين شهدت البلاد قفزات خيالية في معدلات التضخم.


وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، اكتسب البنك المركزي الألماني (البوندسبنك) سمعته بأنه مصاب بـ"رهاب التضخم" (فوبيا)، لذا فقد أصبح الأول في سباقات ترويض وحش التضخم، آنذاك.


وبعد مدة وجيزة من انطلاق العملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، في مطلع الألفية الثالثة، كبحت ألمانيا أعباء الأجور مما أفقد الاقتصادات الأوروبية الجنوبية تنافسيتها أمامها.
وقللت "الإيكونوميست" من مخاوف التضخم وتأثيراته، وطالبت صناع السياسة النقدية في ألمانيا ومنطقة اليورو بتخفيف هلعهم وارتيابهم من حدوث دوامة صعود طويلة لمعدلات التضخم في ألمانيا، مؤكدة أنها مؤقتة وصحية في آن واحد.


واعتبرت أنه يتعين على الألمان التعايش لفترة لن تدوم طويلاً مع مستويات تضخم مرتفعة نسبياً، وهو أمر تراه صحياً إذ أن الاقتصاد الألماني يقود "منطقة اليورو" التي تحاول الدول الأضعف فيها النهوض بمسؤولياتها والخروج من الأزمات، ولاسيما بعد تفشي وباء "كوفيد-19".


وكانت تدابير مواجهة الوباء ساهمت في تخفيف ولجم السخط الألماني بشأن سياسة "البنك المركزي الأوروبي " ECB، "شديدة التراخي"، وربما مع تصاعد معدلات التضخم في ألمانيا، فإنها ستخفف من مطالباتها للبنك بتقليص تدريجي لعمليات شرائه للسندات.


ووصفت المجلة تلك المخاوف المتزايدة بأنها "جعجعات قد تكون مضللة"، إذ أن تعافي أوروبا مقيدٌ بصورة تفوق الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما سيجعل حدوث قفزات تضخمية في القارة الأوروبية أمراً مؤقتاً ولن يدوم طويلاً. بيد أنها لفتت إلى أنه "ينبغي أن تأتي مصالح الدول الأعضاء الأكثر ضعفاً في منطقة الوحدة النقدية الأوروبية، التي لا زالت تزحف ببطء لاسترداد عافيتها، في المقدمة".


وبينما سعى الجنوبيون في أوروبا، خلال العقد الماضي، إلى التعافي من أزمات الديون التي رزحوا تحت نيرها، فإنهم تمكنوا من تضييق الفجوة عن طريق إحكام قبضتهم على تكاليف العمل لديها، بينما لم تفعل ألمانيا إلا القليل لضبط ذلك.


وأطلقت "الإيكونوميست" على تلك الحقبة بـ"العقد المفقود" الذي عزت إليه الاختفاء المرجح لظاهرة الصعود المتتالي للأجور والأسعار داخل أوروبا، حتى في الوقت الذي ازدادت فيه احتمالات صعودها الملحوظ في أميركا. علاوة على ذلك، فإن الضرر الذي منيت به أوروبا بسبب جائحة كورونا كان أكثر سوءاً، فالناتج في المنطقة الأوروبية هبط بصورة أشد من الولايات المتحدة في العام الماضي.


ورغم الضرر الفادح، فإن التحفيز المالي في أوروبا بدا شحيحاً للغاية إذا قورن بالسخاء الملفت الذي قدمته إدارة بايدن. فخطة التحفيز الأوروبية الجديدة وقوامها 750 مليار يورو (بما يعادل 919 مليار دولار أميركي) ستستغرق سنوات حتى يتم توزيعها بصورة كاملة. ويتوقع مستثمرون أن يتدنى معدل التضخم في غضون خمس سنوات مقبلة إلى أقل من هدف البنك المركزي الأوروبي ECB، "يقترب من أو أقل من 2%". أما التوقعات في الولايات المتحدة فتسير على النقيض، إذ يتوقع له أن يزيد على 2 في المائة.


وسعت المجلة إلى طمأنة منطقة اليورو بقولها "يمكننا أن ننعم بمزيد من الطمأنينة إذا دققنا النظر في آليات القفزات التضخمية في ألمانيا. أما في أميركا، فإن الأوضاع تعكس تأثرها ببعض العوامل العالمية الطارئة، من بينها انهيارات أسعار النفط في الربيع الماضي التي هوت بالأساس الذي يحتسب على أساسه المعدل السنوي للتضخم. وباستبعاد أسعار الغذاء والطاقة، فإن التضخم في ألمانيا سجل فقط حوالي 1 في المائة في أبريل الماضي".


وهناك بعض القضايا المؤقتة الخاصة بكل دولة التي تلعب دورها في تلك المسألة. فأعباء الكربون دفعت الأسعار إلى الصعود، كما أن الخفض الطارئ لضرائب القيمة المضافة، الذي طُبق العام الماضي سيعزز، من الناحية الحسابية، معدلات التضخم خلال العام الجاري.


وباستعراض أداء سلاسل الإمداد، أضافت الصحيفة أنه "ربما يتملكنا الرعب بسبب معدل تضخم أسعار المنتجين في ألمانيا، الذي بلغ أكثر من 5 في المائة في أبريل الماضي. لكن ذلك المستوى قد تخف وطأة صعوده مع استجابة المصانع والموردين لارتفاع الطلبيات".


وخلصت "الإيكونوميست" إلى القول إنه ينبغي على ألمانيا أن تتحمل فترة زمنية تتعايش فيها مع معدلات تضخم تفوق ما هو مستهدف، ويعود ذلك إلى أسباب كثيرة أهمها أن تعافي "منطقة اليورو" كاملة يعتمد عليها بصورة كبيرة. كما أن الأعمال في أرجاء المنطقة شرعت في استئناف نشاطها في ضوء استمرار عمليات التطعيم ضد جائحة كورونا ورفع قيود الإغلاق. وبالنسبة لألمانيا، فما تعرضت له في الأزمة يقل عن كثير من بلدان القارة، فرغم أنها مُنيت بانكماش اقتصادي نسبته 5 في المائة في العام الماضي، لكن أداءها كان أفضل كثيراً إذا قورنت بفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، التي انكمشت اقتصاداتها بنسب قاربت الضعف تقريباً.


وعلى صعيد المؤشرات الأخرى فإن معدلات البطالة في ألمانيا لازالت منخفضة، إذ تسجل 5ر4 في المائة، ويتسم اقتصادها باعتماده على التصنيع والصادرات. وعلى النقيض، يتعين على معظم الدول الأخرى أن تتوسل عودة مستويات الإنفاق على السياحة والتجزئة والفندقة إلى مستويات الأيام الخالية، ويرى بنك "جولدمان ساكس" أن التراخي الاقتصادي الذي أصاب إسبانيا وإيطاليا يزيد مرتين إذا قورن بما مُنيت به ألمانيا.


وأشارت المجلة إلى أن "البنك المركزي الأوروبي" ECB وضع سياسته النقدية لمنطقة العملة الموحدة بأسرها وليس للأعضاء الكبار فيها فحسب. لذا فإن ألمانيا ينبغي عليها السعي إلى تهيئة هدير اقتصادها بينما يحاول الأعضاء الآخرون النهوض والتقاط أطواق النجاة لتحفيز اقتصاداتها. وهذا هو الثمن المقابل كون ألمانيا واحدة من أقوى الأعضاء في الاتحاد النقدي.


وأوضحت أنه بعد سنوات عشر ضائعة، تعلمت "منطقة اليورو" من بعض الأخطاء التي حدثت أثناء الأزمات السابقة. وجرى تعليق مبادئ العمل بموازنات متوازنة وموازنات تقشفية لبعض الوقت، فيما يُترقب أن يصدر الاتحاد الأوروبي سياسة مشتركة لتمويل الديون وإدارة مخصصات التعافي التي سبق له أن رصدها. ويبقى على "منطقة اليورو" أن تدرك وتعترف بأن مواصلة الاقتصاد الألماني لأدائه القوي يعد "الحلقة المفقودة" لاسترجاع الثقة في أرجاء المنطقة.