رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تغييرات فى أساليب إدارة الصراعات


لعل من أهم التطورات الاستراتيجية تخلى الولايات المتحدة عن دور شرطى العالم واستخدام الحلفاء، بدلاً من قواتها وكان من أهم مظاهر ذلك تراجعها عن استخدام القوة ضد سوريا، وهو ما يثير أسئلة عن استراتيجية الردع

كان عام 2013 تطبيقاً جديداً لتغيير الاستراتيجيات الدولية فى إدارة الصراعات الدولية بما فيها الصراعات المسلحة، بل قد تكون غيرت من أسلوب إدارة العلاقات الدولية عموماً حيث مس التغيير العلاقات بين الحلفاء أيضاً كما سنرى لاحقاً، ولا شك أن هذه التغييرات قد برزت فى الوطن العربى ودول الجوار ربما بصورة أكبر من تلك التى بدت فى مناطق أخرى. من أهم أساليب إدارة الصراعات التى استخدمت فى العالم عموماً وفى الوطن العربى بشكل خاص، بحيث يقوم أبناء المنطقة بتصفية أنفسهم بدلاً من التدخل الأجنبى بتأجيج الصراعات الإقليمية للحرب بالوكالة، أو ما عرف سابقا بفتنمة الحرب فى فيتنام، ولبننة الحرب فى لبنان وغيره، هكذا وجدنا الصراع فى اليمن يتحول من صراع سلمى إلى قتال واستخدام للعنف، واستمر القتال فى الصومال بين القبائل والجماعات المتدثرة بعباءات دينية، وفى السودان سواء فى السودان نفسه أو فى جنوب السودان المنفصل حديثاً، وكان الصراع فى العراق الأكثر دموية تأجيجاً للصراع الطائفى وأكثرها فى الخسائر البشرية، وكانت سوريا ميداناً فى محاولة لتحويل الصراع إلى صراع طائفى بين الشيعة والسنة والعلويين والأكراد، وطال الصراع لبنان وكانت آخر أيام العام شديدة الدموية، أما فى ليبيا فقد استمرت الفوضى والصراعات بما يهدد بتفكك الدولة الليبية؛ وكلها لأسباب مختلفة ولكنها أججت خلافات عادية لتكون سبباً لصراع مسلح، ولم يكن هذا الأسلوب مقتصراً على الوطن العربى بل امتد إلى خارجه حيث استمر فى باكستان والهند وداخل روسيا والصين، ولم تنج الدول الغربية من هذا الأسلوب حيث جرت بعض الأعمال الإرهابية فى أكثر من دولة. يعتبر هذا الأسلوب مناسباً حين نجاحه حيث يوفر المخاطرة بالأرواح ويقلل من الخسائر الاقتصادية بينما يضعف من قدرة الخصوم على المنافسة أو التأثير فى المصالح، كما أنه فى النهاية قليل التكلفة.وتزايد خلال عام 2013 الاعتماد على الطائرات بدون طيار فى إدارة الصراع المسلح خاصة فى باكستان واليمن وإسرائيل حيث قامت هذه الطائرات المسلحة بمهاجمة أهداف فى أفغانستان وباكستان وأدت إلى مقتل الآلاف دون حاجة إلى استصدار قرار من مجلس الأمن، ولا حصر اتهامات ولا تقديم المتهمين إلى المحكمة، وهى فى نفس الوقت قليلة التكاليف ولا تؤدى إلى خسائر بشرية بالنسبة للمستخدم، وحتى فى حال إسقاط الطائرة فإنها لا تسبب خسائر بشرية، ويتوقع أن تسلح الطرازات الجديدة منها بوسائل للتدمير الذاتى فى حال سقوطها فى أيدى الخصوم. وقد استخدمت هذه الطائرات ضد من رأت الولايات المتحدة أنهم ينتمون إلى تنظيم القاعدة فى اليمن ولطالبان فى أفغانستان، أما إسرائيل فاستخدمتها ضد من رأت أنهم ينتمون إلى المقاومة الفلسطينية خاصة من لهم علاقة بإطلاق الصواريخ على جنوب لبنان. وينتظر أن يستمر الاعتماد على الطائرات بدون طيار ويتطور ويتزايد فى المستقبل، بل إنه شجع إسرائيل على استخدام قطع بحرية بدون أطقم.من أهم أساليب إدارة الصراع وتحقيق الأمن القومى الأمريكى حالياً تكثيف أعمال المخابرات للقضاء على الأعداء خاصة الشخصيات القيادية، وقد كانت تصفية أسامة بن لادن، رأس تنظيم القاعدة، النموذج لهذه الاستراتيجية ولكى نبين أهمية هذا الأسلوب نتذكر أن رئيس الولايات المتحدة الحالى باراك أوباما كان يتابع ويدير العملية بنفسه فى واشنطن أثناء تنفيذ العملية، أما تطبيقها فى المنطقة العربية فربما استقر فى سوريا ولبنان بصفة خاصة، وفى تونس ضد المعارضين، وسبق أن استخدمته إسرائيل ضدالمقاومة الفلسطينية. من عناصر الاستراتيجية التى أثارت الجدل ما عرف عن انتشار استخدام الدخول على شبكات الاتصال للتنصت ولإرباك أجهزة اتخاذ القرار، وقد ظهرت هذه الظاهرة بشكل أكثر وضوحاً حينما كشف عميل المخابرات المركزية الأمريكية عن تنصت المخابرات المركزية الأمريكية على القيادات السياسية لملايين البشر بمن فيهم من الاتصالات الشخصية لقيادات حلف شمال الأطلسى مثل آنجيلا ميركل وكاميرون وأولاند وغيرهم وطبعاً هذا يعنى أن اتصالات باقى المناطق تحت المراقبة وليست اتصالات العمل فقط، بل الاتصالات الشخصية أيضاً وإذا كان هذا قد انكشف خلال عام 2013 فإنه مرشح للزيادة خلال عام 2014 وما بعده، وفى نفس الوقت يلقى بالمسئولية على القائمين بالبحوث والتطورات أن يجدوا حلاً له، وهناك تدخل فى شبكات حواسب المشروع النووى الإيرانى.لعل من أهم التطورات الاستراتيجية تخلى الولايات المتحدة عن دور شرطى العالم واستخدام الحلفاء، بدلاً من قواتها وكان من أهم مظاهر ذلك تراجعها عن استخدام القوة ضد سوريا، وهو ما يثير أسئلة عن استراتيجية الردع وما إذا كانت تتوقف وما تعنيه، حيث إنها قد تكون السبب الرئيسى فى عدم حدوث صراع مسلح على المستوى العالمى والبحث عن بديل فى استراتيجية الأمن القومى الأمريكى رغم ما اعتقدته منذ زمن ليس بالقصير من فشل استراتيجية الردع.

■ خبير سياسى واستراتيجى