«حرائق وفشل وعنوسة».. أهالي كفر الشيخ في قبضة «وهم الجن»
"الجن بيحرق البيت.. الشخص ملبوس.. نريد استخراج الجن من فلان".. ما سبق جمل تتردد باستمرار على لسان عدد كبير من أهالي محافظة كفر الشيخ عند حدوث حريق مفاجئ في أحد المنازل دون وجود سبب واضح.
ولا يقف الأمر عند الحرائق، بل ويتهم الأهالي الجن بالتسبب في مرض شخص عند عجز الأطباء عن علاجه ولو بشكل جزئي أو تأخر شفائه وخاصة من يعانون من أمراض نفسية كالصرع، فضلًا عن اتهام الجن بالتسبب في عدم زواج فتاة من الفتيات إذا تأخرت في الزواج أو طلاق سيدة من زوجها أو فشل دراسي وأشياء من هذا القبيل، مؤكدين أنه يفسد عليهم حياتهم.
اشتعال منازل بصورة مفاجئة
مؤخرا شهدت قرية الشراقوة التابعة لمركز الحامول، حرائق متواصلة علي مدار شهرين طالت 12 منزلا وعشة وكذلك حقائب مدرسية لعدد من طالبات المدرسة الإبتدائية بالقرية، فسارع أهالي القرية بإتهام الجن بالتسبب في تلك الحرائق المستمرة ، وعلى الفور قام اللواء جمال نور الدين، محافظ كفر الشيخ، بتشكيل لجنة من 15 عالما من الأوقاف والأزهر، من أجل قراءة القرآن لصرف الجن من القرية، بعد تأكيد الأهالي أن الجن هو من يقوم بذلك.
فيما تمكنت مباحث كفر الشيخ، من حل لغز احتراق المنازل بقرية الشراقوة، بعد اعتقاد الأهالي أن الجن وراء هذه الحرائق، إذ اكتشف مدير مدرسة الشراقوة للتعليم الأساسي الابتدائي بالقرية والموجودة، عن نشوب حريق محدود فى 3 حقائب مدرسية لتلاميذ بالصف السادس الابتدائي، حال تواجدهن بفناء المدرسة، واتهم الأطفال زميلتهم، بإشعالها الحريق بالحقائب، وبتفتيش حقيبة الطالبة وملابسها، اكتشفوا وجود ولاعة بحذائها.
وبمناقشتها أقرت بارتكابها للواقعة، مستخدمة "ولاعة"، وأقرت بارتكابها لجميع الوقائع بالقرية بغرض اللعب، ثم أبلغ مدير المدرسة قوات الشرطة وسلم البنت إليهم.
وأحيل الأمر إلى النيابة بكفر الشيخ، والتي استدعت أسرتها والأهالي المتضررين من الحرائق، حيث تسببت الفتاة في 12 حريقا بالقرية من منازل وعشش علاوة على الحقائب المدرسية.
ولم يهدأ الاهالي أيضا، فرددوا أن تلك الطفلة ملبوسة من قبل الجن وهو ما يجعلها تفعل ذلك.
وفي واقعة أخرى، اتهم أهالي قرية كفر تيدا التابعة لمركز سيدي سالم، الجن بالتسبب في إحراق منزلين بالقرية مرددين أقاويل بأن الجن حارس عليهما ، أو الجن يسكن بهما ، مما تسبب في تشريد أسرتين كانا يقطنان في هاتين المنزلي، وتحولت القرية إلى خلية نحل من الشيوخ والدجالين، وكذلك رجال الأمن لمعرفة ملابسات هذا الحريق.
العنوسة والطلاق والمرض والفشل الدراسي
لم يكتفِ أهالي محافظة كفر الشيخ بإلصاق تهمة اشعال الحرائق بالجن، بل أضافوا له تهمًا جديدة أبرزها المرض النفسي وكذلك العنوسة والفشل الدراسي والإجتماعي كموروث قديم يتم تداوله منذ عشرات السنين حتى الآن، مؤكدين أن الجن يفعل ذلك لأسباب مختلفة منها عشق الفتاة فيجعلها لا تتزوج أو وجود عمل سحري لشخص فيجعله فاشل في حياته، أو بالانتقام من شخص فيجعله مريضا لا يتماثل للشفاء ، وأغلب هذه الأقاويل غير صحيحة تماما وماهي إلا معتقد شخصي ، وذلك حسبما أفاد أخصائي علم نفس خلال حديثه مع "الدستور".
لا وجود للجن موروث قديم
قالت الدكتورة هناء عبد العظيم، أستاذ مساعد بقسم علم النفس بكلية الأداب بجامعة كفر الشيخ: أن “ما يتم تداوله بشأن الجن هو خرافات لا أساس لها من الصحة وأغلبها ناتج عن موروث شعبي قديم للغاية قد يمتد لألاف السنين ، فمثلا أعمال السحر والجن كانت موجودة لدي القدماء المصريين الفراعنة وتم تداولها وتناقلها الناس بصورة كبيرة حتي وصلت إلينا مع محاولة ربطها بالدين بشكل مستمر، فضلا عن أن هذه الظاهرة لا ترتبط بفئة معينة ولا مستوى تعليمي أو ثقافي معين ، ما يجعلهم فريسة سهلة الدجالين والنصابين”.
وأضافت خلال تصريحات خاصة لـ "الدستور" :"أن التنشئة المجتمعية أيضا لها دور مهم في تناقل تلك الخرافة وظهور العديد ممن يدعون العلاج بالقرأن ثم يقومون بالترويج لتلك الخرافة"، مؤكدة أن الحل يكمن في نشر النتائج العلمية التي أسفرت عنها الأبحاث المتخصصة للناس ومحاولة إقناعهم أن لكل شيء سبب علمي أو مجتمعي ، وأن يتم تكاتف علماء النفس مع علماء الاجتماع مع علماء الأزهر مع الإعلام لتوعية الناس بصورة مكثفة من أجل القضاء علي الخرافات.
فيما وصفت شيماء عبد الخالق ، أخصائية علم نفس بالتأمين الصحي بكفر الشيخ ما يقوم به الأهالي بـ "الجهل" - على حد قولها، وأنه وسيلة للتغطية علي الفشل، مؤكدة أنهم يأتي لهم مرضي مقتنعون أن السبب في مرضهم هو الجن وهذا غير صحيح ، وأن الحل في القراءة والإيمان بالله فقط.
خرافات مرفوضة شرعًا
قال الشيخ محمود علي، أحد أئمة وزارة الأوقاف بكفر الشيخ، أن إرجاع أسباب الحرائق إلى قيام الجن بإشعالها أو اتهامه بأي شيئ آخر يعد تغييبا للعقل وهو أمر مرفوض شرعًا، مطالبا الجميع بتناول الأمر من الناحية الشرعية بحيث إن الله أعطى للإنسان عقلا وميزه به.
وأضاف أنه لا بُد للإنسان أن يأخذ بالأسباب ويكيل الأمور بمكايلها الصحيحة وأن لا يرجع مثل هذه الأمور إلى أشياء غيبية، بل عليه أن يعمل عقله، وأن يكون ممن يصلون بالأسباب إلى نتائجها الصحيحة، وأن يرجع الأمور إلى العلم ويتم بحث مثل هذه الأمور علميا.