رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بصمة خضراء.. وأفعال سوداء!

 

مليار شتلة من الأشجار زعمت الحكومة الإثيوبية أنها ستقدمها لدول الجوار، ضمن مشروع أطلقت عليه اسم «البصمة الخضراء», يستهدف زيادة الغطاء النباتى فى منطقة القرن الإفريقى. وسيكون نصيب السودان منها ٣١٦ مليون شتلة، بحسب تصريحات وزير الرى الإثيوبى. مع أن الملء الثانى لخزان «سد النهضة»، دون اتفاق، قد يمنع السودان من زراعة ٣١٦ شتلة!

ما يزيد من عبثية تصريحات، أو مزاعم، الوزير الإثيوبى، أنها تتزامن مع تحرك حشود عسكرية إثيوبية إلى الأراضى السودانية، تحديدًا نحو مستوطنة قطراند الواقعة فى منطقة الفشقة، بعد معارك طاحنة وقعت، الثلاثاء الماضى، بين الجيش السودانى وقوات إثيوبية، نجح خلالها الأول فى استعادة ٢٠ ألف فدان كان يسيطر عليها الإثيوبيون.

وزير الرى الإثيوبى كان يتحدث للبعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى أديس أبابا، أمس السبت، بمكتب رئيس وزرائه، الذى قال هو الآخر: «نطلق برنامج حملة غرس ٦ مليارات شتلة ضمن برنامج البصمة الخضراء لعام ٢٠٢١، وندرك بأن الحياة الإثيوبية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأشجار والغابات». والأرجح، أن أعضاء تلك البعثات ضربوا كفًا بكف، ليس فقط لأن هذا الكلام يأتى بعد أيام قليلة من المعارك الحدودية، وبالتزامن مع تحرك الحشود العسكرية الإثيوبية، ولكن أيضًا لأنه جاء بعد أقل من ٢٤ ساعة، من اتهام وزير الخارجية الإثيوبى لمصر والسودان بأنهما يحاولان ممارسة ضغوط على إثيوبيا، عبر تدويل وتسييس قضية سد النهضة!

عبر «الفيديو كونفرانس»، شدّد وزير الخارجية الإثيوبى، لسفرائه لدى الدول المجاورة، على أن «ملء سد النهضة للسنة الثانية سيتم كما هو مقرر» خلال موسم الأمطار، فى يوليو المقبل. ما يعنى إصرار الحكومة الإثيوبية على فرض الأمر الواقع، وتجاهل التحفظات المصرية والسودانية على المضى فى هذه الخطوة دون اتفاق «قانونى»، شامل وملزم، بين الدول الثلاث. ويعنى، أيضًا، سعيها إلى إجهاض جهود الوسطاء الدوليين والأفارقة، من أجل حل أزمة السد.

لا تزال مصر على موقفها الثابت بضرورة التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم وشامل حول ملء وتشغيل السد. والدولة المصرية، كما قال وزير خارجيتها، لديها القدرة على حماية مصالحها، ولديها الأدوات لإنجاح ذلك، وهى أدوات متنوعة ومتدرجة ولها مناح عدة سيتم اتخاذ كل منها وفق خطة مرسومة ودقيقة تراعى فى النهاية المصلحة المصرية. ونتمنى ألا تكون قد التفتت إلى تصريحات مجتزأة، من حوار أجراه زميلنا وصديقنا نشأت الديهى مع الوزير، تخيّل البعض، بحسن أو بسوء نية، أنها تعنى تسليمًا بالأمر الواقع، أو تراجعًا عن الخط الأحمر، الذى وضعه الرئيس: «ماحدش حايقدر ياخد نقطة ميّة من مصر، واللى عايز يجرب يجرب».

الواقع يقول إن مصر تحلت بالصبر وتصرفت بحكمة، وتفاوضت طوال عقد كامل بحسن نية، للتوصل إلى اتفاق عادل، يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث ويحفظ حقوقها المائية. لكن، وبمنتهى الوضوح، شدّد الرئيس عبدالفتاح السيسى، مجددًا، خلال مباحثاته مع الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، على أن مصر «لن تقبل بالإضرار بمصالحها المائية». كما أكدت الخارجية المصرية، الخميس، أن استمرار إثيوبيا فى ملء السد، بشكل أحادى، هو تصرف غير مسئول، ويعد مخالفة صريحة لأحكام اتفاق إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث فى مارس ٢٠١٥، إضافة إلى أنه سوف يُعرِّض دولتى المصب لمخاطر كبيرة، خاصة إذا تزامن مع فترات جفاف.

حقوق مصر فى مياه النيل غير قابلة للتصرف أو التفاوض، بالضبط، كحق السودان فى فرض سيادته على كامل ترابه الوطنى. وسعيًا للحفاظ على تلك الحقوق، اكتملت الاستعدادات لانطلاق المشروع التدريبى السودانى المصرى المُشترك «حماة النيل»، الذى سيجرى فى السودان، بدءًا من الأربعاء المقبل وحتى نهاية الشهر الجارى، بمشاركة عناصر من كل التخصصات فى الجيشين المصرى والسودانى. وبالفعل، وصلت القوات المصرية المشاركة فى المشروع إلى قاعدة الخرطوم الجوية، بجانب أرتال من القوات البرية والمركبات التى وصلت بحرًا.

مناورة «حماة النيل» تأتى امتدادًا للتعاون التدريبى بين مصر والسودان. إذ سبقتها فى نوفمبر ومارس الماضيين، تدريبات «نسور النيل» ١ و٢، والهدف المعلن من هذا التعاون، أو من تلك المناورات أو التدريبات، هو قياس مدى جاهزية واستعداد قوات البلدين لتنفيذ عمليات مشتركة، وتبادل الخبرات العسكرية وتوحيد أساليب العمل للتصدى للتهديدات المتوقعة للبلدين الشقيقين. 

الخلاصة، هى أن أعمال إثيوبيا السوداء سترتد إلى نحرها، وستتحول بصمتها الخضراء إلى صفراء فاقع لونها. وليس لدينا أدنى شك فى أن المنطقة كلها، كما تعهّد الرئيس السيسى، ستشهد حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد، حال المساس بحصتنا فى مياه النيل، أو إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، عادل شامل وملزم، يضمن عدم حدوث أى أضرار أو تداعيات سلبية لذلك السد المشئوم.