ملتقى الفكر الإسلامي: الصبر استشعار وجود الله تعالى ومراقبته رجاء رحمته
أكد ملتقى الفكر الإسلامي أن الصبر له أهمية نفسية كبيرة للإنسان، فهو استشعار وجود الله تعالى ومراقبته والانصراف إليه والالتجاء إلى رحمته وضياء ينير الله به دروب الحائرين ويهدي به إلى صراطه المستقيم، وهو نصف الإيمان، ومن أخص صفات أولي الألباب.
جاء ذلك في الحلقة الـ 17 لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - تحت رعاية وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، في إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح، ومواجهة الفكر المتطرف، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وجاءت بعنوان: "الصبر"، وشارك فيها كل من: الدكتور أحمد ربيع عميد كلية الدعوة بجامعة الأزهر السابق، والدكتور رمضان عفيفي مدير عام الإدارة العامة للإرشاد الديني بديوان عام وزارة الأوقاف.
وفي كلمته أكد الدكتور أحمد ربيع، عميد كلية الدعوة بجامعة الأزهر السابق، أن الصبر ورد في القرآن الكريم 135 مرة، وهذه المساحة الكبيرة تبين أن للصبر أهمية كبيرة، موضحًا أن الصبر ليس صبرًا على البلاء فحسب، بل يمتد ليشمل الصبر على الطاعة، وعدم المعصية، فالصبر استشعار وجود الله تعالى ومراقبته، فمن الصبر على الطاعة يقول الله تعالى: " وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى"، وجاءت هذه الآية بعد ذكر الله تعالى النعم التي أنعم الله بها على الإنسان، حيث يقول سبحانه: "وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى" قرن الله سبحانه الصبر بالصلاة ، فالصبر والصلاة متلازمان لا يفترقان أبدًا فلا تكون الصلاة بدون صبر ولا يكون الصبر بدون صلاة، فمن أراد أن يتعلم الصبر فعليه بالصلاة، ومن أراد صلاة خاشعة فعليه بالصبر، كما أن الصبر أيضًا يكون على عدم المعصية ، حيث يمنع الإنسان نفسه عن معصية الله (عز وجل) ويصبر على المعصية.
وأشار إلى أن هناك جانبًا آخر للصبر، وهو الصبر على المحن ، والصبر له أهمية نفسية كبيرة للإنسان، فإذا أصاب المؤمن ضر أو محنة، يلجأ إلى الله سبحانه، فالصبر فيه توثيق الصلة بالله تعالى والانصراف إليه والالتجاء إلى رحمته، حيث يقول تعالى : "الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ "، مؤكدا أن الصبر الجميل ، هو الذي لا شكوى معه ، وهو ما يصل بالإنسان إلى ما يتمنى وما يريد .
بدوره أكد الدكتور رمضان عفيفي أن الله (عز وجل) جمع للصابرين بَيْنَ أُمُورٍ لَمْ يَجْمَعْهَا لِغَيْرِهِمْ، وذلك بأن صلوات الله تعالى ورحمته تتنزل عليهم، وشهادة الله لهم بالهداية فَقَالَ تَعَالَى :"أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ"، فالهدى والرحمة والصلوات مجموعة للصابرين ، والعبد لا يستغني أبدا عن الصبر في حال من الأحوال، يقول الإمام الغزالي في تعريف الصبر : هو ثبات باعث الدين الذي هو في مقابلة باعث الشهوة ، مشيرا إلى أن الصبر على ثلاثة أقسام: صبر على الطاعات، وصبر عن المحرمات ، وصبر على الابتلاءات.
وأوضح عفيفي، أن الله تعالى ذكر فضل الصبر في أكثر من تسعين موضعًا في القرآن الكريم، ففي الأمر بالصبر أمر الله تعالى به نبيه (صلى الله عليه وسلم) ، قال تعالى: "فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ"، وأمر به لقمان ابنه: "يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ"، وأمر به الله عباده فقال تعالى: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ".
وقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"، وقال تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم) : "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ"، والصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ ، كما وعد الله تعالى الصابرين بأنه معهم فقال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"، فالصبر من أخص صفات أولي الألباب قال تعالى:" إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّار جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار".
وأشار إلى أن أخص صفات عباد الرحمن الصبر، قال تعالى: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا" - إلى قوله تعالى : "أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا"، مبينا أن الصبر هو الزاد، والقوة والعتاد، يحتَاجُهُ المَرِيضُ في شَكوَاهُ، والمُبتَلى في بَلوَاهُ، وَالدَّاعِيَةُ إلى الله في دعوته، والمرأة في بيتها، والأب في أسرته، والمعلم في مدرسته، وطَالِبُ العِلمِ في دراسته، والموظف في إدارته، والتاجر في تجارته، والعامل في خدمته ، فالصبر نصف الإيمان ، فمن قل صبره قل إيمانه، وخير عيش أدركه السعداء، إنما أدركوه بالصبر.