رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سلافوي جيجيك ونقد الأيديولوجيا

«أزمة الرأسمالية وتحولات الخطاب الليبرالي».. كتاب جديد لـ حمدي الشريف

أزمة الرأسمالية وتحولات
أزمة الرأسمالية وتحولات الخطاب الليبرالي

صدر حديثًا عن دار العلا للنشر والتوزيع 2021، كتاب "أزمة الرأسمالية وتحولات الخطاب الليبرالي" للدكتور حمدي الشريف- أستاذ الفلسفة السياسية المساعد بآداب سوهاج- ، وفيه يناقش المؤلف موضوع الأيديولوجيا والثورة عند الفيلسوف السياسي السلوفيني «سلافوي جيجيك».

ويشير حمدي الشريف إلى الأسباب اختيار هذا الفيلسوف من كونه «الفيلسوف السياسي الأكثر خطرًا في الغرب»، فهذا الوصف يُعبِّر إلى حد ما عن طبيعة مواقفه الفكرية وتوجُّهاته الحاسمة والمثيرة للجدل. إن أهمية جيجيك تأتي من ناحيتين: الأولى غَزارة إنتاجه الذي يغطي موضوعات تتقاطع عبر مجالات وميادين مختلفة بدءًا من الفلسفة، والسياسة، مرورًا بالتحليل النفسي، والسينما، والأدب، وصولًا إلى النقد الثقافي. أما الناحية الثانية فهي نابعة من جملة انتقاداته للفلسفة الليبرالية.

وقد استطاع "جيجيك" أن يجسد نموذج المفكر السياسي والباحث الرصين المهموم بمشكلات واقعه المعاصر، وهو صاحب حضور قوي وعميق في بحثه عن حقائق الأمور دون غرض نفعي أو تأثير من سطوة الأيديولوجية الليبرالية المهيمنة. فهدف الكشف عن الحقيقة دون زيف أو مراوغة أو مماطلة.

ويعرض الدكتور حمدي الشريف من خلال هذا الكتاب لأهم وأبرز جوانب فلسفة جيجيك السياسية، والمتمثلة في أطروحته حول الأيديولوجيا والثورة. وإذا كان جيجيك قد لقي من الشهرة وذيوع الصيت، فإن هذا لا يرجع في الواقع- كما يقول المؤلف- إلى غزارة مؤلفاته فقط، بل يرجع كذلك- وهو الأهم- إلى جملة انتقاداته القوية لليبرالية التي تُشكِّل حجر الأساس الفكري بالنسبة للرأسمالية في المجال الاقتصادي، والديمقراطية في المجال السياسي.

يتناول الكتاب مسار العلاقة بين الأيديولوجيا والثورة؛ من خلال تحليل طبيعة الأيديولوجيا، والبنى التي ترتكز عليها، والخصائص التي تتَّسم بها، والآليات التي تشتغل من خلالها. ويتضمن الكتاب أربعة فصول أساسية، ويتضمَّن كل فصل مجموعة من المباحث التي حاول المؤلف من خلالها الكشف عن مسار العلاقة بين الأيديولوجيا والثورة عند جيجيك.

 جاء الفصل الأول بعنوان: المعطيات النظرية العامة للأيديولوجيا، وهو يتناول مفهوم جيجيك للأيديولوجيا، وهل استطاع أن يبلور مفهومًا خاصًا به للأيديولوجيا؟ 

أما الفصل الثاني فهو بعنوان: آليات الأيديولوجيا ومتطلباتها، ويعرض للمتطلبات الخمسة التي يرتكز عليها مفهوم الأيديولوجيا عند جيجيك، وهي: الأول «التّخييل الأيديولوجي» “Ideological Fantasy”، والثاني «علاج الأزمة عن طريق الصدمة» “Crisis As Shock Therapy”، والثالث «تحويل الانتباه»، والرابع «الأنسنة الأيديولوجية» “Ideological Humanization”، والخامس «المتنفس الأيديولوجي».

أما الفصل الثالث فيناقش الليبرالية وحدود العنف الأيديولوجي، حيث يحاول المؤلف أن يقف على الجذور الأيديولوجية لتشكلات العنف عبر سياقه الثقافي، والسياسي، والاجتماعي الليبرالي. وبالتالي فهو يتناول البنية الأيديولوجية للعنف أو أصول العنف في بنية الرأسمالية، ومسائل أخرى مثل: الليبرالية والتعمية عن عنف الرأسمالية، والليبرالية الجديدة ونهاية الأيديولوجيا، و«الليبرالية الجديدة» بوصفها شكلًا للأيديولوجيا، والتسامح الليبرالي بوصفه مقولة أيديولوجية، والموقف من نهاية الأيديولوجيا، وغيرها من المسائل السياسية المهمة.

ثم يأتي الفصل الرابع بعنوان: الثورة والروح الجديدة لرأسمالية «ما بعد الحداثة»، ويناقش الأزمات التي تعاني منها الرأسمالية، وكذلك مسألة العلاقة بين الديمقراطية من ناحية، والرأسمالية من ناحية أخرى. 

وقد استطاع المؤلف أن يبرهن في ضوء أفكار جيجيك على أن أزمات الرأسمالية تسير بها في اتجاه تفكك أو تفسخ البناء النظري الفكري لليبرالية. فليست أزمة الرأسمالية كامنة على مستوى الواقع الاقتصادي المعاصر، بل على مستوى المشروعية النظرية للأصول الليبرالية التي تنبني عليها، ولا أدل على ذلك من أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تتعرض لها كل فترة تُمثِّل تحديات كبيرة لليبرالية التي راحت- منذ ظهورها- تتنبأ بأن إطلاق الحريات الاقتصادية من شأنه أن يُوفر الرخاء والرفاهية لغالبية أفراد المجتمع.

ويختم المؤلف "فإذا كان جيجيك قد بَدا بالنسبة للبعض فوضويًا، ونصيرًا للعنف الثوري الذي لا تَحِدّه حدوده في ضوء دعوته إلى ممارسة هذا النوع من العنف، فإن المؤلف يدعونا إلى ضرورة عدم تجاهل عمق الصدمة التي يعيش فيها الأفراد في العالم المعاصر والتي تكشف عنها كتاباته، وهي صدمة تبرهن على مدى سطوة الأيديولوجيا الليبرالية الجديدة، ويجب أن تدفع الأفراد إلى تعرية واقعهم والتخلي عن كل أمل كاذب، وكل تفاؤل زائف تحاول الديمقراطية الأمريكية الترويج له لكي تُحكِم قبضتها على الأفراد والشعوب بطريقة أكثر سلطوية.

حمدي الشريف
حمدي الشريف