رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فتحية نكروما.. القاهرية التى يُكرم من أجلها المصريون فى غانا

فتحية نكروما
فتحية نكروما




سافرتُ بلادًا إفريقية عديدة، من شرق القارة إلى غربها، وفى كل مرة كنت ألاقى ترحيبًا كبيرًا لكونى مصرية، لكن فى غانا كان هذا الترحيب مختلفًا، كنت أشعر بأنه «من القلب أوى»، كما نقول هنا فى مصر.
لم أكن أعرف السبب، حتى رافقنى صديق غانى إلى مطار «أكرا»، حيث كنت سأركب الطائرة فى طريقى إلى القاهرة، وهناك أخبرته بأن لدى «وزنًا زائدًا» وأخاف أن «يعطلنى» مسئولو المطار، لأفاجأ به يقول لى: «لا تقلقى.. أنتِ مصرية».
لم أرد تمرير ما قاله هكذا دون أن أساله: «لماذا تقول لى هذا؟ أليس من المفترض أن المطار يتعامل مع الجميع بنفس الطريقة؟»، فقال لى: استخدمى «جوجل» للبحث عن شخصية «فتحية نكروما».. وقتها ستعرفين قصدى.
مَنْ تكون فتحية نكروما التى من أجلها «يُكرم» المصريون فى غانا؟
فى حى الزيتون فى القاهرة عام ١٩٣٢، ولدت فتحية رزق، لأسرة مسيحية مصرية، وكانت الابنة الثالثة لموظف مصرى توفى وهى لا تزال طفلة، لتتولى الأم تربية أطفالها دون زواج.
بعد انتهائها من تلقى تعليمها الثانوى، عملت «فتحية» معلمة فى مدرستها «راهبات نوتردام ديزابوتر للبنات»، ومنها التحقت للعمل فى أحد البنوك، وهى الفترة التى شهدت تقدم الزعيم الغانى المناضل ضد الاستعمار كوامى نكروما للزواج بها.
رفضت الأم زواج ابنتها خشية مغادرتها البلاد مع «نكروما»، أسوة بشقيقها الذى تزوج من إنجليزية وغادر مصر، لكن الابنة أحبت الزعيم الغانى، لتسافر إلى أكرا وتتزوج منه فى ليلة رأس السنة عام ١٩٥٨.
ولم يُعلن خبر زواج رئيس الوزراء «نكروما» للشعب الغانى إلا بعد اكتمال الحفل، وشعرت الفتيات والنساء الغانيات العزباوات اللائى حلمن بالزواج من المناضل الوطنى بالضيق، كما أن العديد من النساء الأخريات انزعجن من اختياره امرأة بيضاء لتكون زوجته، خاصة أن ذكريات الغانيين مع البريطانيين الذين اعتبروا البلاد مستعمرة لفترة طويلة كانت لا تزال حية.
فى البداية، كانت «فتحية» خجولة بطبيعتها، وغير قادرة على التحدث بلغة دولة زوجها، وتعيش فى ثقافة أجنبية تمامًا، لكن الحب حقق المعجزات، كما أن زوجها طلب من العديد من النساء المولودات فى بريطانيا، والأمريكيات من أصل إفريقى، المساعدة فى تأقلمها، فضلًا عن تلقيها دروسًا باللغة الإنجليزية.
وكان «نكروما» من المنادين باتحاد إفريقيا، مثله مثل الزعيم جمال عبدالناصر، وانشغل أكثر فأكثر بهذه الرؤية، مفضلًا السياسة الخارجية على حساب الوضع الداخلى، ما أدى إلى زيادة المعارضة السياسية ضده، وتعثر الاقتصاد وتزايد الدين الخارجى، وعلى الرغم من محبة الغانيين له، لم يمنع هذا توجيه تهديدات باغتياله.
وبحلول السنوات الأولى من الستينيات، بينما كان «نكروما» معزولًا بشكل متزايد عن الغانيين من أجل سلامته الشخصية، بدأت «فتحية» بالظهور فى المحافل العامة، وشغلت منصب الراعى الرئيسى للمجلس الوطنى لنساء غانا، والرئيسة الفخرية لمرشدات غانا.
وفى ٢٤ فبراير ١٩٦٦، بينما كان «نكروما» خارج البلاد، استولت القوات المسلحة والشرطة الغانية على السلطة فى انقلاب مسلح، ولأن مصر لا تنسى أبناءها فى الخارج، بعث الرئيس جمال عبدالناصر بطائرة حملت «فتحية» وأطفالها الثلاثة الصغار وعادت بهم إلى مصر، أما زوجها فاستغل وقته فى المنفى وكتب سيرته الذاتية بعنوان «غانا».