رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكرى رحيله.. لماذا رفض «الماغوط» الاستناد للتجارب التراثية؟

محمد الماغوط
محمد الماغوط

تمر اليوم الذكرى الــ 15 لرحيل الشاعر السوري الكبير محمد الماغوط، والذي لم يكن حلمه سوى أن يكون مزارعا بقريته "سلمية" بمحافظة حماة٬ لكنه صار ألمع الشعراء في عصره٬ فنظم الشعر وعمل بالصحافة وألف أجمل المسلسلات والأفلام التليفزيونية، وكان مبدعا حتى عندما قرر أن يخون وطنه.

عاش الماغوط في كنف أسرة شديدة الفقر والبؤس٬ ومن صغره كان متمردا وناقما على وضعه الاقتصادي، وهو ما ترك أثر كبير على حياته وكتاباته في كافة مراحل حياته. وأول قصيدة نشرها تعكس مرارة الواقع مثلما كان يراه الماغوط.

وعنه يقول مواطنه الممثل المسرحي، حسين برو: عاش الماغوط في طفولته حياة صعبة٬ كان والده يعمل فلاحا بالأجر عند الآخرين، فلم يكن يملك أرضا خاصة به حتى يزرعها بنفسه٬ وهو ما شكل وعي عند الماغوط بأنه فقير وأقل من غيره لذا لم يدرس في المدرسة٬ وإنما تلقى تعليمه الأولي في الكتاب. وفي مرحلة تعليمه الثانية تلاقاها في الإعدادية الزراعية لأنها كانت تقدم وجبة طعام٬ ولا تتلقى أي مصروفات، بالعكس كانت هذه المدرسة تقدم بعض الإعانات لطلابها.

من جهته قال السيناريست "حافظ قرقوط": عندما نشر قصيدة عن فلسطين في مجلة الآداب استدعاه رئيس مخفر السلمية٬ فذهب الماغوط إلي المخفر وجلس أمام المحقق حافيا٬ كنوع من السخرية السوداء التي كانت سمة من سمات شخصية الماغوط. وسأله المحقق كيف نشروا لك هذه القصيدة ولم ينشروا لي أنا قصيدة أرسلتها٬ فأجابه الماغوط سأتوسط لك لديهم لينشروا لك٬ وأنقلبت الآية.

وبدوره يقول الشاعر الباحث "حسام ميرو": ولدت قصائد الماغوط منه وكانت بمثابة بناته٬ كان في شعره متمردا علي القافية والوزن والموسيقي٬ وكل الشعر العربي القديم فعليا. وكان متمردا أيضا علي آباء الحداثة الذي كان ينظر لهم٬ شخصيته كانت ترفض التنميط٬ شخصية لا يمكن تكبيلها٬ وأكبر بكثير من القيود التي كانت موجودة في زمنه.

وفي أحد لقاءاته الإعلامية عام 1979 خلال برنامج "الكلمة تدق ساعة" يقول الماغوط عن رحلته في الشعر:"بدايتي مع الشعر كانت غامضة ومعقدة وغير طبيعية٬ ما كنت أعرف إن ما أكتبه شعر٬ كان لدي شيئ داخلي وكان لابد أن أعبر عنه٬ فالأفريقي يعبر عن مشاعره بالرقص٬ وأعتقد أن الإنسان البدائي الذي كان يهرب من خوفه من الوحوش بالرقص٬ أكثر طمأنينة وثقة في المستقبل من الشاعر العربي في هذه اللحظة.

وحول احتفاء الشعراء التقليديين بشعر الماغوط ومنهم الأخطل الصغير٬ يقول الماغوط: في تصوري أنه لا يوجد ما يسمي بشعر قديم وشعر حديث. الشعر٬ شعر إن كان قديم أو حديث٬ إن كان علي التفعيلة أو الطرق الكلاسيكية أو الحديثة٬ المهم هنا هل هناك شعر صادق أم لا.

وعن عدم استناده للتجارب التراثية في كتابة قصيدة النثر يوضح الماغوط: لماذا العودة إلي الماضي٬ وتمثل تجارب الآخرين وإيحاءاتهم اللغوية والشعرية وتصوراتهم وبيني وبينهم المئات من السنين٬ وما أشعر به الان وأعانيه وما يحيط بي من أحداث لم يواجهها الشاعر القديم قطعا فالحاضر قادر في اللحظة الراهنة علي طرح الموضوعات والهموم التي يعبر عنها شعر الآن وليس تجارب شعراء سبقونا بمئات السنين. فلدينا الآن المشكلة الفلسطينية وقضية التخلف وقضايا اليمين واليسار٬ والفوضي التي نعيشها الآن. التجربة أو البيئة أو الوسط الذي يعيش فيه الشاعر هو الذي يفرض عليه أسلوب التعبير. فأنا عندما أكون في موقف حرج وأريد التخلص منه تتداعي في ذهني حلول جديدة تناسب هذه اللحظة٬ لا لحظات ماضية كانت تخص أهل زمانها.