رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا يكشف عقب سجائر تركته عنك؟.. «الدستور» تحاور مؤسسة مشروع «هوية الغرباء»

هيدز ديوي
هيدز ديوي

يجعلنا ما نحن عليه، ويشكل الاحتمالات المتعلقة بما يمكن أن نكون عليه، فقد أصبح أكثر الأشياء كشفا في عالمنا، بفضل التطور التكنولوجي الذي أعطاه المساحة الكافية لاكتشاف جوهرنا بشكل كامل.

إنه الحمض النووي الذي طالما احتاج إليه البشر لكشف أمرِ ما، وجعلهم يطرحون العديد من الأسئلة حول كيفية الانتفاع منه في المستقبل، واستخدامه في الوصول إلى هويات الأشخاص الحقيقية المتعلقة بالقضايا المختلفة.

من هنا، ظهرت فنانة أمريكية شابة، من قاطني فيلادلفيا، حاصلة على درجة الدكتوراه في الفنون الإلكترونية من معهد Rensselaer Polytechnic، في عام 2016، اختارت أن تستخدم فنها كأداة رئيسية للتفكير في عالم الذكاء الاصطناعي والمراقبة البيولوجية.

رحلة هيدز ديوي، الفنانة الأمريكية، بدأت عام 2012، حين التحقت بأول عمل فعلي لها بعلم الأحياء الجزئي، داخل مختبر للقرصنة البيولوجية يُدعى "Genspace" في منطقة بروكلين، وبالفعل تعلمت من خلال الدورات المكثفة لديهم، كيفية استخراج الحمض النووي وتضخيمه وتحليله، بالاشتراك مع عدد من العلماء المتخصصين في المختبر.

في ذلك الوقت، خطرت لدى الفتاة فكرة جديدة للعمل مع الحمض النووي للأشخاص الغرباء في الشارع، بعد أن لاحظت شعرة واحدة عالقة داخل إطار صورة، وتساءلت في ذهنها عن هوية الشخص صاحب الشعرة، لتستلهم فكرة البحث عن هوية الأشخاص الذين يتركون آثارًا صغيرة لأنفسهم دون قصد، من خلال البرامج التلفزيونية المتخصصة في الطب الشرعي، التي اعتادت على متابعتها بشكل متواصل.

"الدستور" تواصلت مع "ديوي"، عبر حسابها الشخصي على تطبيق "إنستجرام"، لتروي لنا رحلة كفاحها منذ أن التحقت بمجال علم الأحياء، وصولًا للإنجازات التي استطاعت تحقيقها في السنوات القليلة الماضية، لتضع لها بصمة في التاريخ، كأول مكتشفة لهويات الغرباء في الشارع، من خلال تجميع أعقاب السجائر والشعر المتساقط منهم.

تحدث الفنانة الأمريكية، عن بداية مشروعها "رؤى غريبة"، الذي حصد جائزة "Ars Electronica" الفخرية لعام 2015، وتم عرضه في العديد من المعارض والمهرجانات العالمية، لما حققته من إنجاز كبير في مشروع استغرق منها عامين، لتنجح في تنفيذه رغم محطات اليأس التي قابلتها أثناء الوصول إلى تحقيق حلمها.

قبل ثمان سنوات، كانت تتجول الفتاة في شوارع مدينة نيويورك، باحثة عن أعقاب السجائر والشعر المتساقط داخل الحمامات العامة والأماكن المخصصة للانتظار بالمدينة، لتستخلص منهم الحمض النووي، وتحليله لتصميم صور ملونة كاملة بالحجم الطبيعي، مطبوعة ثلاثية الأبعاد، بهدف الوصول إلى الشكل النهائي لما قد يبدو عليه هؤلاء الأشخاص.

كان الهدف من مشروع "Stranger Visions"، هو جذب الانتباه إلى التكنولوجيا المطورة، ومدى تعلقها بالنمط الظاهري للحمض النووي في الطب الشرعي، والمراقبة البيولوجية، والاندفاع نحو الحتمية الجينية، مشيرة خلال حدثيها معنا، إلى شركات التكنولوجيا الحيوية، التي أصبحت تعمل على جمع الحمض النووي، وبيعه بشكل متزايد خلال السنوات الأخيرة.

تحققت توقعات الفتاة بعد عامين فقط من العمل على سلسلة "رؤى غريبة"، حين خاضت رحلة تجميع العينات داخل المختبر لتكشف تسلسل الجينات بنفسها، ولم تكتفِ بذلك فقط، فقد كانت ترسل العينات أيضًا إلى مختبرات أخرى لتحليل الحمض النووي بأكثر من طريقة.

ساعدتها تلك الطريقة في تحديد سمات الجنس والخلفية العرقية ولون العين ولون الشعر والطول واحتمال الإصابة بالنمش والميل إلى السمنة، ثم عملت على تطوير برنامجًا مختصًا في تصميم نموذج ثلاثي الأبعاد، وفقًا للجينات المجمعة، وبالفعل أخرجته عبر طابعة ثلاثية الأبعاد للحصول على صورة بالحجم الطبيعي.

التجربة كانت مجرد بداية الطريق لدى الفتاة، فقد تواصلت معها الشرطة الأمريكية بعد تنفيذ المشروع مباشرة، ليعلنوا عن رغبتهم في التعاون معها لمتابعة سير التحقيقات الجنائية، ومساعدتهم في القضايا التي تحتاج لتحليل الأحماض النووية، وبالفعل كرست "ديوي" جهدها لتطوير مهارتها في مجال علم الأحياء، وتقديم الدعم الكافي للولايات المتحدة الأمريكية.

كانت أبرز القضايا التي عملت عليها الفتاة، هي قضية المسجون تشيلسي مانينغ محلل استخبارات الجيش السابق، عام 2017، المتهم بجريمة تسريب وثائق رسمية إلى موقع ويكيليكس، والذي تحول جنسيًا وأصبح مرأة.

مهمة "ديوي" كانت الحصول على صورة رسمية للمجرم قبل تحوله لأنثى، فقد حاولت جهات عدة الحصول على صورة تخصه عبر المواقع الإلكترونية، لكنه كان يخفي كل شيء متعلق به قبل عملية التحويل، نظرًا للوائح الصارمة التي منعته من التقاط صوره أو نشرها خلال فترة عمله مع الاستخبارات الأمريكية.

وبالفعل نجحت في الحصول على صورة للمتهم قبل عملية التحويل، بعد أخذ عينة من الحمض النووي التابع له، وقسمت الصور الناتجة لتشمل ثلاثين اختلافًا لكيفية ظهور الحمض النووي لـ"تشيلسي"، كُل منها فريد تمامًا ومتساوٍ في الإمكان، وعرضت ذلك المشروع في معرض فريدمان بمدينة نيويورك، عام 2017.

اختتمت "ديوي" حديثها معبرة عن مدى سعادتها بنجاح مشروعها الملهم "رؤى غريبة"، والعلاقة التي ربطتها بأصحاب الوجوه الحقيقية حين توافدوا على المعرض الذي نشر صورهم، والتقطوا حينها العديد من الصور مع وجوههم المعروضة.