رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العالم لا يحترم إلا الدولة القوية.. وهكذا مصر



حتى نفهم سر التركيز الأوروبى الأمريكى على ملف حقوق الإنسان فى مصر، دعونا نعرض بعض الأشياء التى يمكن أن تكون مفتاحًا لفهم ما يحدث.. أولها، المطالب المصرية، شريطة قبول القاهرة بالصلح مع أنقرة، ومنها ضرورة عمل تركيا على التهدئة فى ملف الشرق الأوسط، وسحبها المرتزقة من الأراضى الليبية، وثالثًا انسحاب تركيا من سوريا وتغيير سلوكها فى المنطقة العربية، مما يعنى أن مصر هى الدولة القوية المسئولة عن أشقائها، وفى حال مصالحتها مع تركيا، ستكون هى مفتاح علاقات أنقرة مع دول الخليج، وليس قطر وحدها.. هذا من ناحية المكانة الجيوسياسية.. أما الأخرى، فإن مصر تنتعش اقتصاديًا، وهذا ليس لسان حالنا، وإن كان الواقع يُصدقه، إلا أنه أيضًا حديث الإعلام الغربى، الذى من المفروض أنه لا يتحدث عن مصر بالخير فى العموم، ولكنه لا يكذب، إذا تعلق الأمر بحقائق على الأرض.
موقع S&P Global العالمى، المتخصص فى الطاقة واكتشافات الغاز والبترول، يؤكد أن مصر تصدر، فى الربع الأول من العام الحالى، سبع شحنات غاز للصين وتركيا، التى تتسلم شحنة من مصنع إدكو للإسالة، وهذه رسالة عميقة، فى ظل التوترات الحادثة بين القاهرة وأنقرة، المشككة فى كل إنجاز مصرى.. وفى فبراير الماضى، صدّرت مصر أول شحنة برتقال إلى البرازيل، ومعنى هذا أن مصر تدخل سوقًا واسعة، ستستوعب منتجات أخرى، فى إطار اتفاقية التجارة الحرة بينها وبين البرازيل.. كما صدرت عنبًا لدول أوروبا بقيمة 128 مليون دولار.. وهنا نلاحظ أن مصر قد حققت اكتفاءً ذاتيًا فى هذه المنتجات وغيرها، وراحت تصدر منها كميات غزيرة.. معنى ذلك أن فرص العمل ستكون متوفرة أمام العاملين المصريين، خصوصًا غير الحاصلين على مؤهلات علمية، وتعنى أيضًا أن دخول هؤلاء سترتفع، خاصة أن عوائد عملهم تأتى بالدولار، مما يكشف عن قوة الاقتصاد المصرى.
ولم يغفل العالم مبادرة الرئيس السيسى بتمويل البنك المركزى المصرى، لإسكان محدودى ومتوسطى الدخل، بما قيمته مائة مليار جنيه، قروضًا ميسرة، بفائدة 3% مُتناقصة، تُسدد على ثلاثين عامًا.. وهذا يُحدث فروقًا فى السوق المصرية.. لأنه يُزيد من حجم المتعاملين مع البنوك بنسبة قد تصل إلى 90% من حجم تعاملات المواطنين المالية.. يقضى على العشوائيات.. يرفع من مستوى طبقتين اجتماعيتين، بإقامتهما فى مناطق حضارية، مُخططة ومنظمة، ومشمولة بكل الخدمات التى تحقق حياة كريمة للمواطن.. يُنعش السوق العقارية، وصناعة الأسمنت ومواد البناء بعامة، ويشجع على الزواج، والاستقرار الاجتماعى فى البلاد.. هذه المبادرة دفعت بواحدة من الشركات العملاقة فى مجال العقارات والإنشاءات بالإمارات إلى اختيار مصر، كأفضل مكان لاستثماراتها، بعد دراسة مستفيضة للأسواق العقارية فى الشرق الأوسط، أوضحت أن مصر سوق مفتوحة لم تتأثر بكورونا، جاذبة للاستثمارات الأجنبية، وقررت ضخ 6.6 مليار جنيه، فى هذه السوق الضخمة.
زد على كل ذلك أمرين.. الأول هو انتعاش السياحة فى الأقصر، بعد تطوير مكوناتها، حتى أدرجت شركات السياحة العالمية الأقصر فى برامجها، باعتبارها من أهم المقاصد السياحية.. الثانى أن معهد ستوكهولم الدولى، المتخصص فى دراسات السلام، أكد أن الجيش المصرى هو الثالث على العالم فى استيراد الأسلحة والمعدات العسكرية، بجانب قوة صناعاته المحلية فى هذا المجال، منها 41% روسية الصنع، 28% فرنسية، و8.7% أمريكية، والباقى متنوع.. فإذا جمعنا كل ما سبق، على ما قامت به مصر من مشروعات قومية عملاقة، واقتحامها الريف المصرى بالتحديث والتطوير، فجمعت بذلك بين البناء والقوة.. فكيف تبدو لك، نظرة المتربصين بهذا العملاق، الذى راح يمزق أسبال سنواته البالية، ويرتدى ثوب الحداثة الممزوجة بالقوة؟
لكن ما يهمنا فى البيان الأخير لـ31 دولة، حول ملف حقوق الإنسان فى مصر، هو ما جاء ذكره فى مقال نشره موقع صحيفة «إندبندنت»، الذى قال: انتبهوا إلى قوة مصر.. فبيان مثل هذا ما كان يجب أن يصدر فقط عن 31 دولة فى الأمم المتحدة، وكلها غربية.. ليست هناك دولة إفريقية وقعت على البيان، ولا دولة عربية ولا آسيوية، حتى اليونان، تراجعت عن إدانتها بعد أن كانت قد وافقت.. الدولة ذات الأغلبية الإسلامية التى أدانت، كانت البوسنة، وأعتقد أنها فعلت لاعتبارات سياسية، ليس من بينها أى شىء له علاقة بمصر.
الكاتب يوضح أن نفوذ مصر كبير، وأنها دولة ليست هينة، وما حدث جاء فقط وفاءً بما قطعه بايدن على نفسه، قبل مجيئه إلى البيت الأبيض، من تصعيد هذا الملف، وإلا لماذا لم تتحدث الأمم المتحدة عن هذا الملف طيلة السنوات السبع الماضية؟.. واللافت أكثر أنه خلال نفس هذه السنوات، تمت إدانة الصين وروسيا، فى ملفات حقوق الإنسان، وبنبرة تصعيدية عالية، إلا مصر؟.. لماذا؟
لأن العالم يدرك الجهود المصرية الضخمة فى مكافحة الإرهاب، ودورها المحورى فى المنطقة، وغيرها من الأمور التى دفعتهم، فى نهاية البيان، إلى التأكيد على أهمية مصر ودورها الإقليمى.. ولم ينس هذا العالم، وكما ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن مصر هى الدولة الوحيدة بين دول ما يُسمى الربيع العربى، التى خرجت بسلام، بعد أن خدمها هذا الربيع المزعوم، وأعطاها دفعة كبيرة إلى الأمام- كما يقول كاتب المقال.. كيف؟..
واجهت مصر تغيرات عنيفة.. فعندما قامت ثورة يناير 2011، جاء الإخوان، واعتقد الناس أن هذا هو مسار مصر السياسى، الذى لا مفر منه، ولا حيلة فى تغييره، بعد أن سقطت ورقة التوت عن سوأة هؤلاء الإخوان.. ولكن سرعان ما تغير هذا المسار بقدوم عبدالفتاح السيسى بوصف الكاتب- وبدعم شعبى كبير.. ومنذ تلك اللحظة، أى منذ الإطاحة بمحمد مرسى، وقيام ثورة 30 يونيو، تغيرت مصر.. وكانت الدولة الناجية، التى كان يُراد لها مواجهة نفس مصير سوريا والعراق وليبيا، وغيرها ممن حل عليها خريف الخراب العربى.
خلاصة القول.. أن مصر لم تنجح فقط فى القفز على مؤامرة الربيع العربى، بل أصبحت «أكثر قوة وأكثر ثقة»، بشهادة الكاتب.. نجحت، ونجح اقتصادها، ليصبح الوحيد القادر على النمو، رغم جائحة كورونا، وهو ما شهد به البنك الدولى، ووكالة فيتش، التى ثبتت التصنيف الائتمانى فى مصر.. وبديهى ألا يرضى الغرب عن كل الذى تسير فيه مصر، لأنه ليس فى مصلحته أن تصبح هذه الدولة قوية، يصعب تحريكها كما يريد، أو التأثير على قرارها.. ولكن العالم لا يعمل أى حساب إلا للقوى.. وكلما كنت قويًا تضعف الإدانات فى مواجهتك، ويقل تأثيرها، خصوصًا مع دول كالغرب الذى يُفاضل دائمًا بين مصالحه وقيمه، وينتصر دائمًا لمصالحه، على حساب هذه القيم، إن كانت هناك فعلًا قيم تحكمه.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.