رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«دكان الفرحة».. هل مبادرة تجهيز الفتيات للزواج حققت مسّماها؟

تجهيز الفتيات للزواج
تجهيز الفتيات للزواج

بعد أن قسيت عليهن ظروف الحياة ووقفت لهن بالمرصاد عائقًا أمام تحقيق أحلامهن بارتداء الفستان الأبيض، تأتي مبادرة دكان الفرحة" والمنطلقة برعاية وتنظيم صندوق"تحيا مصر"، لترسم ابتسامات على وجوه الفتيات اليتيمات الفقراء والأكثر احتياجًا، بعد أن قامت بتجهيزهن للزواج، لتعلو ملامحهن وملامح ذويهن الفرحة، محققة لهن بالفعل المعنى الحقيقي لمسماها.

في هذا الملف نتعرف على مبادرة "دكان الفرحة"، ونحاور بعضًا من الفتيات اللاتي استفدن منها وكذا أسرهن، لنكشف كيف رفعت هذه المبادرة عن كاهل تلك الأسر الفقيرة تجهيز بناتهن، الذي هو عبئًا ثقيلًا خاصًا مع أسر مثلهما تعاني الفقر والاحتياج وصعوبة العيش، وفي الوقت نفسه نكشف كيف حققت المبادرة حلمًا لتلك الفتيات والذي ظل كثيرًا يراودهن دون العلم كيف السبيل لتحقيقه.


خلود ووالدتها: "بكينا عندما رأينا التجهيزات"
توفي عنها والدها منذ سنوات، وعانت والدتها المسنة عطيات أحمد 52 عامًا من ورم بالحلق، وفي ذات الوقت تقدم إلى خطبتها أحد الشباب الذين رضيت به زوجًا وتمنته أن يكون شريكًا لها في حياة مستقرة تكافح معه مثلما اعتادت الكفاح، كانت تلك هي خلود عبد العاطي – محافظة الفيوم 20 عامًا التي وقف الفقر عائقًا أمامها دون تحقيق حلمها بأن تعيش ليلة العمر مع الشريك الذي آملت أن تكمل حياتها معه، فكان دائمًا يجول بخاطرها سؤالًا لم تستطع إجابته، وهو من أين ستستطيع والدتها "عائلها الوحيد" أن تقوم بتجهيزها مثلما تُجهز أي فتاة مقبلة على الزواج، وهما الذين بالكاد يعيشون على معاش والدها المتوفي؟، كان ذلك هو ذات السؤال الذي يجول بخاطر الأم الأرملة، وهي ترى عدم استطاعتها تحقيق حلم العمر لابنتها الكبيرة لضيق ذات اليد.

ظلت الأم وابنتها هكذا لا يرا إجابة على هذا السؤال المحير تاركين أمرهما إلى الله مثلما وضحت "الأم" "سيبناها على الله"، لتتابع قائلة" في يوم سمعت عن جمعية بتجهز البنات"، مشيرة إلى أنها في بداية الأمر لم تصدق ذلك ظنًا منها أن تلك الجمعية من الممكن أن تساهم بجزءًا قليلًا في التجهيز أو بما هو متوفر لديها، ولكنها توجهت إلى هذه الجمعية، آملًا منها أن تحصل على هذه المساعدة، حتى ولو كانت قليلة مثلما ظنت لعلها تخفف من عليها ثقل مسئولية تجهيز ابنتها شيئًا.

كانت المفاجأة حسبما أوضحت الأم أنه بالفعل عندما توجهت إلى الجمعية حضر بعد ذلك إلى منزلهما شديدي التواضع بعضًا من أعضاء الجمعية لمعاينته، ودراسة ظروفهما المعيشية لتقييم استحقاقهما، وبالفعل تم اعتماد استحقاقهما لتفاجأ الأم وابنتها في يومًا باتصالًا تليفونيًا يؤكد لها أنه بالفعل تم إعداد مستلزمات جهاز الابنة، وعليهما أن يأتوا لاستلامه وسط احتفالية كبيرة من قبل المسئولين عن المبادرة.

"أنا وبنتي بكينا لما شوفنا التجهيزات"، تقولها الأم بصوت يغمره التأثر، موضحة أن ما قدمته المبادرة لابنتها كان فوق ما تخيلاه وحلما به، "كل الأجهزة الكهربائية اللي ممكن تحتاجها أي عروسة جابوها، ملابس، بطاطين، أدوات مطبخ" تقول "حتى أدوات التجميل جابوهالها"، وليس ذلك فقط بل كما أوضحت الأم وفرت المبادرة لابنتها"العروس" "كوبونات "لشراء مستلزمات من العديد من المحال الكبرى مجانًا، كل ذلك جعل الأم حسبما روت أن تبكي هي وابنتها من شدة الفرحة، بتلك الهدايا القيمة غير المتوقعة التي قدمتها المبادرة لهم دون أن يتحملا أي عبء مادي مقابلها، مؤكدة أن جميع من رأى تلك التجهيزات لم يصدق أنها جميعها قد قدمت للعروس خلود مجانًا، خاصة لكثرتها وانتمائها لأشهر الماركات"أجهزة على أعلى مستوى"- تقول الأم، لتختم خلود"العروس" الحديث قائلة "ماكنتش أحلم إني اتجهز كدة أبدًا، ولغاية دلوقتي مش مصدقة نفسي من الفرحة".

ـ صابرين يتيمة الأب والأم: ربنا عوضني

أما صابرين تلك الفتاة اليتيمة التي لم ترى والدها منذ ولادتها، وتركتها أمها وتزوجت من رجلًا أخر، لتعيش يتيمة الأبوين وتتربى في كنف عمها الحاج عبد الله جمال المزارع البسيط، تقول" تربيت وسط بنات عمي الثلاث، وكان عمي لي بمثابة والدي فهو الذي رباني وتولى رعايتي رغم ضيق ذات يده، وتحمل مصروفاتي قدر استطاعته إلى أن كبرت"، تتابع صابرين أنها مثل كثير من الفتيات تقدم إلى خطبتها العديد من الشباب، وذلك حتى تقدم لها من بالفعل ارتاح له قلبها ووجدت فيه الشريك المناسب، وفي هذه الأثناء راودتها كثيرًا من المخاوف -مثلما روت- من ألا يستطيع عمها الذي أرهقته طوال سنوات بمصروفاتها أن يتحمل كذلك مصروفات تجهيزها، خاصة أن لديه غيرها ثلاثًا من البنات لهن الأولوية بالطبع في تجهيز أباهم لهن حتى، ولو لم يشعرها هو بذلك، أو يصرح به، فهي حسبما قالت تجد حرجًا في أنه كيف لها أن تكلف عمها بكل هذه المصاريف الضخمة، وهو لديه من المسئوليات الأخرى الهامة ما لديه؟.

ظلت صابرين تحمل همَ هذا اليوم، وتحلم في الوقت ذاته بأن تكون مع شريك العمر الذي وجدت فيه صفات كانت تتمناها كما وجد بها هو ما تمناه، ولكن لم تكن تعرف "صابرين" كيف لهما أن يمكنهما الوصول لليلة العمر سويًا، وهي ليس لديها من الإمكانيات شيئًا للمساعدة في تجهيز بيت الزوجية، وذلك إلى أن تداول أهل القرية أن هناك مبادرة جديدة تعمل على تجهيز الفتيات المقبلات على الزواج، وهي مبادرة"دكان الفرحة"، لتتقدم صابرين، وعمها إلى الجمعية المشاركة مع المبادرة ويعرضا ظروفهما، وحاجتهما للمساعدة الأمر الذي جعل لجنة تابعة للمبادرة تأتي إلى منزلهما وتدرس كافة الظروف التي نشأت فيها صابرين، من أجل تحديد مدى حاجتها إلى المساعدة بالتجهيز، والقدر المطلوب وفقًا لهذه الظروف.

وبعد أن حضرت اللجنة إلى مسكن صابرين" الذي يجمعها مع عمها وزوجته وبناته الثلاث، بالإضافة إلى جدتها وجدها، قررت اللجنه بالفعل تقديم المساعدة لصابرين، لتفاجأ الفتاة بتقديم المبادرة لها كافة الأجهزة الكهربائية، والملابس وأدوات المطبخ تقول" الأجهزة الكهربائية اللي جاتلي حديثة لسه ماحدش جاب زيها عندنا في البلد"، موضحة أنها في هذه اللحظة شعرت بعوض الله لها عن حياتها التي عاشتها يتيمة، الأب والأم، وكأنها كما وصفت تعد هدية الله لها بعد افتقادها لهما، كماأشارت أنها وجدت ذاتها بهذا التجهيز قد تميزت عن كثير من فتيات مثلها مقبلن أيضًا على الزواج، ذلك بما حصلت عليه من أفضل وأحدث الأجهزة الكهربائية والمستلزمات، لتقول "أنا بادعي ليل نهار للرئيس عبد الفتاح السيسي بالصحة والتوفيق والستر زي ما كان سبب في ستر كتير من البنات وفرحهم بشكل حقيقي".

ـ أم إحدى المستفيدات: أجلت ميعاد الزفاف مرارًا لعدم قدرتي على تكاليف الجهاز

فتحية محمد والدة العروس شيماء محمد أمين إحدى مستفيدات المبادرة بمحافظة الفيوم بدأت حديثها لـ"الدستور" واصفة كم كان صعب عليها أن ترى ابنتها وعريسها وأهله، وهي تطالبهما بتأجيل موعد زفافهما لكي تستطيع تدبير مصاريف تجهيزها، ليتأجل الموعد مرارًا وتكرارًا، وفي كل مرة تتعصر الأم ألمًا-حسب وصفها نتيجة عدم استطاعتها تحقيق حلم العمر لابنتها.

تقول فتحية: "زوجي مات من عشر سنوات، وترك لي بنتي "شيماء" وهي الابنة الكبرى، وولدان صغيران في السن"، وأوضحت أنه بعد وفاة زوجها تدهورت حالتها الصحية، الأمر الذي جعلها لا تستطيع العمل، وهي حاليًا تعتمد هي وأسرتها على معاش زوجها فقط، وبعض المساعدات المالية من أهل الخير.

ولكن أكدت فتحية أنها ولكونها تمنت اليوم الذي ترى فيه ابنتها الكبرى عروسًا، وتحمل أحفادها، فلم تكتف بما فرضته عليها الظروف من العيش بالقليل، وتحمل الفقر بل أخذت توفر من هذا القليل فتعيش هي وأسرتها في فقر مضطجدع من أجل توفير بعض التجهيزات لابنتها "شيماء" وعلى الرغم من ذلك لم تستطع – حسبما قالت أن تشتري لها أشياءًا سوى القليل من مستلزمات الجهاز" جيبتلها الرفايع بس"-تقول فتحية.

نتيجة لذلك ظلت المشكلة قائمة، وهي تأجيلها لموعد زفاف ابنتها لأجل غير مسمى لعدم قدرتها على تكاليف الجهاز، وذلك إلى أن أشارت إحدى الجيران عليها بالتوجه إلى واحدة من الجمعيات المشاركة مع صندوق "نحيا مصر" في مبادرة "دكان الفرحة"، لتتوجه بالفعل إليها، وتعلن الجمعية استحقاق ابنتها للمساعدة والتجهيز.

تصف فتحية أم شيماء يوم تسليمهما أدوات الجهاز بأنه كان من أسعد الأيام في حياتها، وفي حياة ابنتها مشيرة إلى أنها تذكرت زوجها المتوفي وقتها، وشعرت بأنه هو الآخر بالفعل في نفس التوقيت يشعر بالسعادة "لسترة "ابنته، وسعادتها، لتنغمر اثناء حديثها الدموع قائلة"أكيد هو دلوقتي مرتاح ومطمن عليها".

في الوقت نفسه تؤكد العروس شيماء لـ"الدستور" أنها كادت أن تفقد الأمل في زواجها بعد أن تم تأجيله كثيرًا بسبب عدم قدرة والدتها المادية، ولكن جاءت هذه المبادرة لتحيي يهاالأمل مرة ثانية وتشعرها عن حق بقدرتها على تحقيق الاحتفال بليلة العمر.

ـ أميرة: "بيقدموا المساعدة لينا من غير أي إحراج"

أما أميرة محمد البالغة من العمر 20 عامًا بمحافظة البحيرة، والمقبلة على الزواج في خلال الأيام القليلة القادمة أوضحت أن المبادرة جاءت بمثابة إنقاذ لها وإنقاذًا لكثير من الفتيات المقبلات على الزواج، ولم تسمح لهم ظروفهم المعيشية بتوفير تكاليف الجهاز، مؤكدة أن أجمل ما في المبادرة هو تقديم المساعدات بشكل آدمي دون أن يتسبب ذلك في أيًا من مشاعر الإحراج لهن،"مفيش فيها أي ذل" فتقديم الهدايا يتم وسط احتفالية كبيرة تظهر فيها روح الأخوة والعطاء.

وأضافت أميرة أن المبادرة تتميز كذلك بسهولة التقديم فيها، فحصول الفتيات على جهازهن يتم بسهولة ودون إجراءات إجراءات معقدة، أخيرًا تختم حديثها موضحة أنه لم يسبق، وأن حدثت مبادرة بضخامة مبادرة"دكان الفرحة"، ومساعدتها الهائلة والعظيمة للفتيات.

ـ مسئول الدعم الاجتماعي بصندوق تحيا مصر: الفتيات لا يعرفن مسبقًا ما ستقدمه لهن المبادرة

هشام خليفة مدير برنامج الدعم الاجتماعي بصندوق"تحيا مصر" أوضح لـ"الدستور" أن واحدًا من بين محاور عمل صندوق"تحيا مصر" هو برنامج الدعم الاجتماعي، والموجه للفئات الأكثر احتياجًا، وذلك من خلال عدد من المبادرات منها مبادرة"دكان الفرحة"، التي تنقسم إلى شقين الشق الأول منها يتمثل في تجهيز الفتيات المقبلات على الزواج، والشق الثاني هو توزيع الملابس على المسنين والأطفال والأيتام وغيرهم من الفئات المستحقة للمساعدة.

أما عن مبادرة "دكان الفرحة" يوضح خليفة أن فيها يتم توزيع 12 صنفًا من احتياجات تجهيز الفتاة المقبلة على الزواج، منها 7 عبارة عن أجهزة كهربائية، والباقي عبارة عن مفروشات وملابس ومستحضرات تجميل، وكوبونات مجانية للشراء من العديد من محال الملابس،والهايبر وغيرها، وذلك نتيجة مشاركة هذه المحال بكثافة في المبادرة وتطوعهما فيها.

وأكد خليفة أن المبادرة تعمل بناءًا على الأبحاث الميدانية التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني، والتي تحدد الفئات الأكثر احتياجًا، ومايليها من فئات أخرى في حاجة للمساعدة أيضًا موضحًا أنه على حسب ظروف كل حالة، ومدى مستواها المعيشي يتم تحديد مقدار المساعدة التي ستقدم لها، كما تختلف المساعدة –على حد قوله- حسب سن كل حالة بالإضافة إلى حالتها الصحية.

أوضح مسئول برنامج الدعم الاجتماعي بصندوق تحيا مصر أن المبادرة استطاعت حتى الآن أن تجهز 658 فتاة منذ بدايتها، كما استطاعت تجهيز 158 فتاة في حي الأسمرات والجيزة، موضحًا أن المبادرة ستشمل العمل في جميع محافظات مصر في الفترة القادمة كما أنها تستهدف تجهيز 2000 فتاة.

أما عن الدور التطوعي في إنجازات المبادرة، أكد خليفة على أنه بخلاف الكثير من كبرى الشركات والمحال في جميع المجالات التي ساهمت في التطوع بالعمل في المبادرة، من خلال تقديم منتجاتها القيمة للفتيات، فهناك دورًا عظيمًا يقوم به العديد من الشباب الذين تطوعوا للعمل مع أعضاء المبادرة، مثل قيامهم بأعمال التغليف المختلفة، وتقديم الهدايا المقدمة للفتيات في شكل لائق ومهذب، بما لا يسبب أيًا من مشاعر الإحراج لهن، مشيرًا إلى أن أعضاء المبادرة تعمدوا إخفاء الهدايا المقدمة عن الفتيات وذويهن حتى يحضرن بأنفسهن ويروها، وذلك من أجل إشعارهن بشعور المفاجأة السارة التي ترسم على وجوههن عند ؤرؤيتها، مما يتسبب في فرحتهن، وهو الهدف المقصود من المبادرة.

ـ المستشار الإعلامي لصندوق تحيا مصر: الصندوق هو بيت المشاركة الكبير

وفي تصريح للدكتور محمد مختار المستشار الإعلامي لصندوق تحيا مصر أكد خلاله أن صندوق تحيا مصر يعد مثل البيت الكبير الذي يجتمع فيه كل من يحب أن يشارك في إسعاد الآخرين، موضحًا أن كل المبادرات التي يتبناها ويطلقها الصندوق الهدف منها هو إسعاد الإنسانية،كما لفت إلى أن صندوق تحيا مصر يحاول دائما، استغلال اي مناسبة اجتماعية، لإسعاد أكبر عدد من المستفيدين بخدمات الصندوق.

وأكد مختار على أن كيفية اختيار الفتيات لتجهيزهن تكون من خلال إحدى مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل عل إجراء بحث ميداني تتم مراجعته في الصندوق، ثم تتابعه إدارة المتابعة بالصندوق للتأكد من صحة البيانات واستحقاق الفتاة للدعم، وبناءً عليه، يجرى وضع خطة لتنفيذ الاحتفالية، موضحًا أنه خلال المبادرة كذلك تم توفير 600 ألف قطعة ملابس إلى 230 ألف مستفيد منذ عام 2018.

جدير بالذكر أن الغرض الأساسي من مبادرة "دكان الفرحة" هو تقليل عدد الغارمين والغارمات، حيث سبق للصندوق أن وجه 40 مليون جنيه لدعم الغارمين والغارمات بالتعاون مع وزارة الداخلية.