رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإيد الممدودة



لا تزال يد الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، ممدودة: يده اليسرى أو الشمال. وكنا قد أوضحنا، منذ أيام، أن المصافحة تكون باليد اليمنى، بينما يكون مد اليد الأخرى طلبًا للمساعدة أو الصدقة. ومع أن المذكور لم يتلق ردًا رسميًا، طوال سنتين تقريبًا، إلا أنه استمر، وزعم، أمس الأول الجمعة، بأنه «ليس هناك مانع من الحوار مع مصر لترسيم الحدود فى البحر المتوسط»، وادعى، على غير الحقيقة، أن هناك تعاونًا دبلوماسيًا ومخابراتيًا بين البلدين!
الثابت هو أن مصر تحتفظ بتمثيل دبلوماسى منخفض لدى تركيا، على مستوى القائم بالأعمال، منذ إطاحة المصريين بحكم «الإخوان»، أما مزاعم وجود تعاون مخابراتى فلا أصل لها، وكل ما حدث هو أن مسئولًا فى المخابرات التركية أجرى اتصالًا بمسئول مصرى، أعرب فيه عن رغبة بلاده فى عقد اجتماع بالقاهرة لبحث التعاون الثنائى، وقوبل بتسويف، كما قوبلت طلبات مماثلة عديدة، وكما ستقابل أى طلبات لاحقة. أما عن الحوار بشأن ترسيم الحدود البحرية، فهناك موانع كثيرة، أبسطها أن تركيا غير موقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وتحاول السطو على ثروات اليونان وقبرص، بانتهاك أبسط قواعد الجغرافيا ومبادئ القانون الدولى.
الرسائل لا تزال مستمرة، والقاهرة لم تعلق أو تعقب، ولا نعتقد أنها ستفعل، ما لم تشهد أفعالًا، على الأرض، تترجم أقوال أردوغان ورجاله. وعليه، لم تحمل التصريحات، التى نقلتها «وكالة أنباء الشرق الأوسط» عن مصدر رسمى، لم تذكر اسمه، غير بديهيات من عينة أن البعثتين الدبلوماسيتين المصرية والتركية موجودتان فى البلدين، على مستوى القائم بالأعمال، اللذين يتواصلان مع دولة الاعتماد وفقًا للأعراف الدبلوماسية المتبعة. إضافة إلى تأكيد ذلك المصدر على أن مصر تتوقع من أى دولة تتطلع إلى إقامة علاقات طبيعية معها أن تلتزم بقواعد القانون الدولى ومبادئ حسن الجوار، وأن تكف عن محاولات التدخل فى الشئون الداخلية لدول المنطقة.
نحن، باختصار، أمام جزء من محاولة تركية بائسة أو يائسة لمواجهة العزلة الدولية المتزايدة. وهناك جزء آخر شبيه، مع الفارق، حدث مع فرنسا، التى كان الرئيس التركى يتبادل الشتائم مع رئيسها، لدرجة أنه شكك فى قواه العقلية، ثم فوجئنا بأنه تحدث معه الأسبوع الماضى، عبر الفيديو، مقترحًا، بحسب بيان رئاسى تركى، أنه «يمكن لتركيا وفرنسا تقديم مساهمات كبيرة للأمن والاستقرار وجهود السلام من أوروبا إلى القوقاز والشرق الأوسط وإفريقيا».
الفارق المشار إليه كبير ومهم، إذ لا يوجد لدى الرئيس التركى ما يبيعه لمصر أو يقايضها عليه، بعد أن حققنا تقدمًا واضحًا فى الملف الليبى، وفى غاز المتوسط، رغم أنفه وأنوف من يستعملونه. كما أن ورقة الإرهابيين، الذين يؤويهم، ليست ذات قيمة، ولم يعد يشغلنا استمرار المنصات الإعلامية، التى ينبحون فيها، بعد أن فشلوا فى هز شعرة لدى المصريين، شعبًا وحكومة ورئيسًا. وفوق ذلك، فإن أردوغان لا يمكنه تسليمهم، لو أراد!.
الأرقام تقول إن لدى تركيا حوالى ٧ آلاف من قيادات الإخوان وعناصرها والتابعين لها، نصفهم تقريبًا حصل على الجنسية التركية، أما الباقين، وباستثناء بعض عديمى القيمة أو الغلمان، فلديهم جنسيات أخرى غير التركية: الأمريكية، البريطانية، الألمانية، النمساوية، و... و... ومنذ أيام كشف محمد عمار، رئيس أكبر كتله معارضة فى البرلمان التونسى، عن قيام حكومة «حركة النهضة» الإخوانية، بين عامى ٢٠١٢ و٢٠١٣، بمنح جوازات سفر لعناصر من إخوان مصر، والشىء نفسه فعله نظام عمر البشير قبل أن يسقطه السودانيون.
اللافت، أن أردوغان حاول أن يدس أنفه فى ملف السد الإثيوبى، وظهر فيصل إيروغلو، مبعوثه الشخصى إلى العراق، فى لقاء تليفزيونى، ليقول إن بإمكان بلاده الوساطة فى هذا الملف «شريطة عدم تدخل الدول الغربية»، زاعمًا أن القضية تقنية، وأن لدى بلاده الكثير من الخبراء الذين يمكنهم المساعدة فى حلها. وسبق أن أوضحنا كيف خضعت الحكومة الإثيوبية لابتزاز تركيا، التى لعبت دورًا كبيرًا فى إثارة الاضطرابات داخل إثيوبيا، ودعمت غالبية الحركات المسلحة المناهضة للحكومة الفيدرالية. وقطعًا، لن تكون تركيا وسيطًا نزيهًا، لأسباب عديدة من بينها انحيازها ضد السودان، بعد الإطاحة بنظام البشير، الذى كان تحت السيطرة التركية.
المقابل، المساعدة أو الصدقة التى يريدها الرئيس التركى، هى السماح له بنهب جزء من غاز المتوسط، أو السطو على ثروات ليبيا أو احتلال أجزاء من سوريا أو... أو... وما يؤكد أن يده الشمال هى الممدودة، أن وسائل إعلامه ما زالت تقدمه على أنه «سلطان عثمانى» جديد، ولم تتوقف عن محاولات إحياء حلم أو وهم «العثمانية الجديدة». وعليه، نعتقد أن يد المذكور ستظل ممدود، حتى يقوم من يستعملونه بقطعها أو بالتخلص منه هو نفسه.