رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سارة شريف تكتب: تهديد «معاداة السامية»

سارة شريف
سارة شريف

مَن قام بتقسيم العالم إلى قسمين محبّى اليهود من جهة ونازيين معادين للسامية من جهة أخرى؟ مَن قال إن أى انتقاد لإسرائيل هو معاداة للسامية؟.. هذه المقاربة خطأ من الأساس، وخطيرة وغير دقيقة.
معاداة السامية هى مصطلح المقصود به استهداف اليهود لأنهم يهود، وإيذاؤهم لأنهم يهود، أى معاداة اليهودية كمجموعة عرقية ودينية وإثنية، وتم استخدام المصطلح لأول مرة من قبل الباحث الألمانى فيلهم مار، لوصف موجة العداء لليهود فى أوروبا الوسطى فى أواسط القرن التاسع عشر.
معاداة السامية دومًا كانت «فضفاضة» تتراوح بين التعبير عن الكراهية أو التمييز ضد أفراد يهود ومذابح منظمة أو هجمات عسكرية على مجتمعات يهودية.
على الرغم من أن المصطلح لم يكن مستخدمًا بشكل شائع حتى القرن التاسع عشر، إلا أنه ينطبق الآن أيضًا على كل الحوادث التاريخية المعادية لليهود، مثل مجازر راينلاند التى سبقت الحملة الصليبية الأولى عام ١٠٩٦، ومرسوم الطرد من إنجلترا عام ١٢٩٠، ومذابح اليهود الإسبان عام ١٣٩١، وملاحقات محاكم التفتيش الإسبانية، وطردهم من إسبانيا عام ١٤٩٢، ومجازر القوزاق فى أوكرانيا من ١٦٤٨ إلى ١٦٥٧، ومذابح اليهود العديدة فى الإمبراطورية الروسية بين عامى ١٨٢١ و١٩٠٦، وقضية دريفوس ١٨٩٤- ١٩٠٦ فى فرنسا، وصولًا للمحرقة فى أوروبا، هذه الحوادث كانت معاداة حقيقية للسامية.
اليوم أكثر ما نسمعه فى إسرائيل هو «معاداة السامية»، نتنياهو يحب أن يستخدم هذا المصطلح للرد على أى شىء، إذا قام أى شخص أو أى جهة أو أى دولة بأى انتقاد نحو إسرائيل، تخرج علينا خطابات واتهامات بمعاداة السامية، وبأن هذه هى «كراهية لإسرائيل»، والحقيقة قد لا تكون كذلك.
اللا سامية كان مفهومًا تاريخيًا مرتبطًا بأحداث وسياقات معينة، ليس له أى علاقة بالظواهر السوسيولوجية فى الواقع، بل أصبح مفهومًا فارغًا من المضمون وعديم الصلاحية التحليلية، بسبب تعدد معانيه المختلفة، فالتعريف «المرن والمطاط» لمعاداة السامية جعلها تشمل أى تصرف تجاه اليهود.
خلال السنوات الأخيرة، تم تسييس المفهوم، وأصبح هو الرد الجاهز على أى احتجاج دولى ضد إسرائيل، فى أوقات كثيرة يكون هذا الانتقاد لا علاقة له، من قريب أو من بعيد، بكراهية إسرائيل، أو بالعداء لليهود لأنهم يهود، فمن الممكن أن ننتقد إسرائيل وهذا لا يعنى بالضرورة أننا نكره اليهود!
التاريخ القريب ملىء بالأمثلة التى وجهت فيها اتهامات بمعاداة للسامية لأشخاص لم يكونوا يومًا كذلك، كتب بيتر بينارت مقالات فى صحيفة «تيارات اليهودية» وصحيفة «نيويورك تايمز» دافع فيها عن دولة ثنائية القومية للإسرائيليين والفلسطينيين، رد البروفيسور بكلية الحقوق بجامعة هارفارد، آلان ديرشوفيتز، بمقالة فى «نيوزويك» بعنوان «حل بينارت النهائى: إنهاء إسرائيل باسم دولة قومية للشعب اليهودى»، حيث وصف حل الدولتين بالحل النهائى وهو ما يطلق على المحرقة، المقارنة كانت سخيفة بين حل الدولتين، والإبادة الجماعية النازية، حيث وجه اتهامًا لـ«بينارت» لا أساس له بمعاداة السامية، وأتم اتهامه بأنه يطرح أفكارًا نازية لأنه يتحدث عن حل الدولتين.
«بينارت» هو يهودى ولا يمكن أن يكره الشعب اليهودى، هو تحدث عن الحل السياسى الآمن للجميع، وهو حل الدولتين.
«معاداة السامية» أصبحت تهديدًا قويًا، واتهامًا مستمرًا، وردًا جاهزًا حتى لو لم يكن للجدل المطروح أى تهديدات فعلية موجهة إلى اليهود، والحقيقة أن استخدام تسمية معاداة السامية بشكل غامض يزيد من صعوبة تحديد التهديدات الفعلية نحو اليهود فعلًا، ومكافحتها، وهو يضر إسرائيل سياسيًا فى المقام الأول.