رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أردوغان يمد يده الشمال!




المصافحة، لدى غالبية شعوب العالم، تكون باليد اليمنى، تعبيرًا عن التحية، السلام، أو عقد اتفاق، أما مد اليد الأخرى، اليسرى أو الشمال، فيكون طلبًا للمساعدة أو الصدقة، وهذا ما يفعله الآن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان مع مصر، بعد فشله فى إدارة أزمات بلاده الداخلية السياسية والاقتصادية، وعجزه عن تعويض رهاناته الخارجية الخاسرة.
مع انكسار السلم الخشبى، الذى يقف أو يرقص عليه أردوغان، وفى ظل عدم وجود أى احتمال للحصول على أى «جزرة» بـ«عصا» الإرهاب، ظهرت إشارات متكررة إلى استعداد تركيا لتحسين علاقاتها مع مصر، وأقر الرئيس التركى، بلسان وزير خارجيته، فى ١١ يونيو الماضى، بأن «مصر دولة مهمة للشرق الأوسط والعالم الإسلامى». وكان ملخص الرسالة التى نقلها مولود جاويش أوغلو، فى حواره مع قناة «إن أى فى»، هو مطالبتنا، مطالبة مصر، بـ«إجراء حوار وتعاون مع تركيا بدلًا من تجاهلها». ومن وقتها لم يتوقف إطلاق الإشارات والرسائل.
تدرجت مستويات مطلقى تلك الإشارات، تصاعدًا، من مستشار لأردوغان، إلى وزراء، إلى أردوغان نفسه، وتدرجت أساليبها تنازليًا، من الابتزاز إلى الاستجداء. ومنذ أسبوع، قال وزير الخارجية التركى إن بلاده ومصر قد تتفاوضان على ترسيم الحدود فى شرق البحر المتوسط إن سنحت الظروف. وقبله أعرب السفير التركى لدى الدوحة عن تفاؤل بلاده بـ«تحسن العلاقات مع مصر». وبعده قال إبراهيم قالن، المتحدث باسم الرئاسة التركية، السبت الماضى، لشبكة «بلومبرج»، إن «مصر قلب وعقل العالم العربى»، وأشار إلى أنه «يمكن فتح صفحة جديدة» وأن بلاده مهتمة «بالتحدث مع مصر حول القضايا البحرية فى شرق المتوسط» وغيرها.
ضمن سلسلة الإشارات أو الرسائل التركية، أيضًا، قال عمر جليك، المتحدث باسم «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، أمس الأول الثلاثاء، إن تاريخ المنطقة لا يمكن كتابته دون شراكة تركيا التاريخية مع مصر. وبعد أن زعم أن بلاده «تدافع عن سيادة الدول العربية وسلامتها ووحدة أراضيها»، انتقد بيان وزراء الخارجية العرب، الصادر فى ٣ مارس الجارى، الذى جدّد رفضه القاطع لـ«استمرار التدخلات التركية فى المنطقة» واستنكر «وجود قوات عسكرية تركية على أراضى دول عربية شقيقة».
هناك أيضًا رسائل كثيرة تلقتها القاهرة، عبر وسطاء أو مسئولين أتراك، لعقد اجتماعات ثنائية، بشأن ترسيم الحدود البحرية. ولأن تركيا لم توقّع، إلى الآن، على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، كان طبيعيًا أن تتجاهل مصر تلك الرسائل، وأن تواصل قافلة «منظمة غاز شرق المتوسط» سيرها، دون الالتفات إلى النحيب القادم من أنقرة. وقطعًا، كان هذا النحيب، أو العواء، حاضرًا، خلال لقاء وزير الخارجية سامح شكرى، الإثنين الماضى، بنظيره اليونانى نيكوس دندياس. ولعلك تعرف أن تركيا دخلت فى عداء مع البلدين، بشأن التنقيب فى شرق المتوسط، زاده توقيع مصر واليونان على اتفاقية لترسيم حدودهما البحرية، فى أغسطس الماضى.
عقب استقباله نظيره اليونانى، أكد سامح شكرى «متانة العلاقات المصرية اليونانية وأواصر الصداقة التى تجمع البلدين على كل الأصعدة»، وأعرب عن تطلعه لـ«سرعة تدشين التعاون مع اليونان فى مجال الطاقة»، ثم أبدى الوزيران ترحيبهما بمستوى التشاور السياسى بين الدولتين، لتنسيق المواقف تجاه كل التطورات التى تشهدها المنطقة. وكان لافتًا أن يحرص وزير الخارجية اليونانى، خلال زيارته القاهرة، على لقاء أحمد أبوالغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، وأن يتناول معه سبل الارتقاء بالعلاقات بين اليونان والجامعة ودولها على كل الأصعدة، وسبل دعم جهود الاستقرار والتنمية وتسوية الأزمات فى المنطقة العربية. ولاحظ أن اللقاء جاء بعد أيام قليلة من صدور بيان وزراء الخارجية العرب المشار إليه سابقًا.
شعبيًا، قوبلت الرسائل أو الإشارات التركية، باستمرار حملات مقاطعة المنتجات التركية، على نطاق واسع، فى دول عديدة. وبدعوة من حزب «الشعب الجمهورى»، عقد البرلمان التركى جلسة طارئة لمناقشة تبعات تلك الحملات، ونقلت جريدة «جمورييت» عن المذكرة، التى تقدم بها الحزب، أن استهداف المنتجات التركية منذ شهور لا يمكن إخفاؤه عن الشعب وتركه دون إجابة، خاصة بعد معاناة الشركات التركية المصدرة للمنسوجات والمواد الغذائية وغيرها بدرجة كبيرة. ولم يجد وزير الخارجية ما يرد به، خلال الجلسة، غير التعهد بـ«اتخاذ الخطوات اللازمة فى المحافل الثنائية ومتعددة الأطراف» لمواجهة هذا الأمر!
من «صفر مشاكل مع الجيران»، أدخل الرئيس التركى بلاده فى صراعات مع الجميع، ولم يعد بإمكانه التراجع أو إبطال مفعول الخلطة السامة، التى نتجت عن تحالف ذئاب اليمين القومى، وخرفان الإسلام السياسى. وعليه، ستظل يده الشمال ممدودة، حتى يقوم من يستعملونه بقطعها أو بالتخلص منه هو نفسه، إنقاذًا لما يمكن إنقاذه، بعد أن بات الشعب التركى عاجزًا عن فعل ذلك.