رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الروائية ربيعة جلطي: أقوى ما في الحب «هشاشته»

ربيعة جلطي
ربيعة جلطي

حول مفهوم الحب وما يعنيه لها، قالت الشاعرة الروائية والأكاديمية ربيعة جلطي:"جئنا جميعًا، بيضا وسمرا وصفرا وسودا وبين بين، جئنا عراة من كل شئ.. دون حقد ولا لغة ولازيّ، بلا ربطة عنق أو تشادور أو كيمونو.

جئنا صارخين لنلفت انتباه من هم حولنا بأننا نحتاج فقط إلى الحب إلى من يغطينا ويضمنا ويقبلنا ويحضننا ولأننا من أول وهلة نحتاج إلى ذلك الآخر، نحتاج إلى روح سمحة تعلمنا أن نحب الآخر في مسيرة حياتنا كلها مهما اختلف عنا.

ولأن الحب هو ملح الملاحم والشعر والرواية والمسرح والسينما ومفكرات علم الاجتماع ومخبر الفلسفة، فإن الحب بالنسبة لي كان ولازال بطل أشعاري ورواياتي ونصوصي وحياتي اليومية.

هذا الحب الذي أقوى ما فيه هشاشته بين كائنين عاشقين، أو بين تجمعات بشرية مختلفة، وما يحيط بهم على هذا الكوكب. الحب في تمثلاته المختلفة كان بطل كتاباتي منذ صغري ولازال.. أتحسسه عن قرب.
أجس نبضه وحرارته أتابع أخباره وتحركاته، في عزلتي وأسفاري، وأكتبه باحتراق وصدق، لذلك يتعجب النقاد والقراء كيف سبقت أشعاري ورواياتي حدوث أحداث هزت العالم. كيف لروايتي" الذروة" الصادرة عن دار الآداب بيروت ومجموعتي الشعرية "حجر حائر" الصادرة عن دار النهضة العربية ببيروت، أن استشرفتا ما حدث في البلدان العربية من غضب ثم حروب.

كيف حذرت روايتي "عرش معشق" الصادرة عن الاختلاف الجزائر وضفاف بيروت من تصاعد عدم التعايش بين الأديان فحدثت الاعتداءات الدنيئة على مسيحي وكنائس الشرق أياما قليلة بعد صدورها، ورواية "حنين بالنعناع" التي تطرقت إلى الأحداث الإرهابية بباريس أسبوعا بعد صدورها، وروايتي " نادي الصنوبر" التي تتفرد بالتطرق إلى حياة "طوارق" الجزائر وسكان الصحراء، الذين على الرغم من تعودهم التاريخي على الصبر، إلا أن العالم تفاجأ بثورتهم وغضبهم وذلك أسابيع قليلة بعد صدور الرواية، وهكذا مع رواياتي "عازب حي المرجان" و"قوارير شارع جميلة بوحيرد" و"قلب الملاك الآلي"و...

أؤمن بعمق أن الحروب تندلع حين يقل منسوب الحب في القلوب، وتشح عينه من مائه، ليت البشر في كل مكان من هذه البسيطة يعلّمون صغارهم ما قاله أثيري بين الفلاسفة، محي الدين بن عربي: أدين بدين الحب أنّى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني.

المجتمعات التي لا تحترم الحب يولد أطفالها بعاهات كثيرة. أطفال الحب جميلون دائما، هكذا تقول حكمة جدتي الندرومية الأندلسية والحب أكبر من نظرية صراع الطبقات وأسمى من ثقافة العنصرية، وأشمل من روحانية الأديان جميعها. إنه لا يشبه الأرض في كرويتها، ولا البحر في هيجانه، ولا الصحراء في قيظها، إنه كوكب آخر، كوكب الغموض المدهش.

حين تحب كأنك تصبح قادرا على رفع الكرة الأرضية فوق كتفك، وعلى الطيران بدون براق نبوي، وتضحى قادرا على فهم جميع لغات العالم، متحديا نحوها وصرفها دون أن تدخل مدرسة أو تجلس في حلقة.

من السذاجة الاعتقاد بأن الحب قد مات على الرغم من هذا الزمن الاستهلاكي اللاهث.. أبدا فمازال العشاق يتسامرون على نار دافئة، كتب الحب تقرأ بشهية، وأغانيه تسمع بصلاة.

أختم بقصيدة لي من ديواني "النبية في وضح الليل" ترجمت إلى العديد من لغات العالم:
( حين تحبّ..
يصبح كلُّ شيء ممكنا..
أن تُمسيَ خفيفا خفيفا مثلا،
مثل سهمٍ طائشٍ،
يصيب السماءَ في زرقتها،
فينهمر الماء!
حين تكره..
يصبح كلُّ شيء ممكنا..
أن تنفضَ بساطَ اللّيل مثلا،
وتضع النجومَ في علبة.!)