رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المخرج السورى عماد نجار: «ليالى الشمال» و«الحفيد» يكشفان الفضائح الأخلاقية لـ«طارق رمضان» واستغلال «الإخوان» المهاجرين فى أوروبا

المخرج السورى عماد
المخرج السورى عماد نجار


دور كبير يؤديه عماد نجار، الكاتب والمخرج السورى المقيم فى فرنسا، فى فضح أيديولوجيات وجرائم الجماعات الإرهابية عبر الأعمال الفنية، التى يقدمها سواء السينمائية أو الوثائقية أو الدرامية، وكان آخرها مسلسل «ليالى الشمال» والفيلم الوثائقى «الحفيد».
وكشف عماد نجار، فى حواره مع «الدستور»، كيف أسهم مسلسله «ليالى الشمال» فى فضح استغلال الجماعات الإسلامية، خاصة الإخوان، للاجئين والمهاجرين فى أوروبا، وتسخيرها إياهم لتنفيذ أجندتها وأيديولوجياتها الخبيثة، وكيف فضح فيلمه «الحفيد» الممارسات المنحطة لطارق رمضان، حفيد حسن البنا، مؤسس الجماعة الإرهابية.
وقال «نجار» إن الاتجار بالدين هو الأسلوب الرئيسى الذى تستخدمه تلك الجماعات فى الإيقاع بفرائس يصيرون عناصر فاعلة فى الجماعة، تنفذ، عن وعى أو عن غير وعى، الأجندة التى تضعها وتستفيد منها القيادات، ومع ذلك فإن هناك أساليب أخرى أهمها المكتسبات، التى تقدمها تلك الجماعات لعناصرها.
■ كيف يعالج مسلسل «ليالى الشمال» قضية المهاجرين إلى أوروبا واستغلال الجماعات الإسلامية لهم؟
- هناك من يعتقد أو يروج بأن مجتمع المهاجرين واللاجئين القادمين من عالمنا العربى إلى أوروبا هو شريحة واحدة منسجمة اجتماعيًا وأخلاقيًا وفكريًا، وهذا الكلام بعيد كل البُعد عن الحقيقة، فالتباينات الاجتماعية والفكرية والعقائدية والأخلاقية فى مجتمع المهاجرين واللاجئين كبيرة جدًا، لأن هذا المجتمع حاله حال جميع المجتمعات البشرية الأخرى، يتكون من أفراد لكل منهم أبعاده الخاصة على كل مستوى من المستويات السابقة.
المهاجرون واللاجئون العرب أو القادمون من البلاد العربية- وأعنى المنحدرين من أصول غير عربية كالكرد والشركس والأرمن والأمازيغ والتركمان وغيرهم- منهم المثقف ومنهم الجاهل، منهم الغنى ومنهم الفقير، منهم المتدين ومنهم غير المتدين، منهم الأخلاقى ومنهم غير الأخلاقى، وكل ما سبق من صفات يخضع بطبيعة الحال للنسبية، فلا يمكن أن يحمل البشرى صفة مطلقة.
هذا فى الواقع ما حاولنا إيضاحه فى عملنا الدرامى «ليالى الشمال»، من خلال طرح مجموعة متمايزة من الشخصيات الرئيسية والثانوية، المستندة فى تركيبتها النفسية، وبالتالى سلوكياتها، إلى أمثلة حية نراها يوميًا فى حياتنا الواقعية والافتراضية، وكثير منها يؤثر بشكل مباشر على واقعنا كمهاجرين ولاجئين.
أما فيما يخص الشق الثانى من السؤال، المتعلق بجماعات الإسلام السياسى، فلا شك أن تلك الجماعات، وفى مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، تحاول أخذنا جميعًا رهائن لمشروعها السياسى وأجندتها المنوطة بمصلحة قيادات الجماعة، ومصلحة أنظمة الحكم فى الدول الداعمة لها والمتحكمة بها مثل قطر وتركيا.
لقد استطاعت تلك الجماعات، وللأسف الشديد، إفهام نسبة كبيرة من المجتمع الأوروبى ونخبة السياسة والثقافة بأنها الممثل الشرعى شبه الأوحد لملايين المهاجرين واللاجئين العرب والمسلمين، بل إنها أفهمت نسبة لا بأس بها من هؤلاء، خاصة من اليساريين منهم، أنها تمثل الشعوب العربية الفقيرة والمهمشة فى أوطاننا، مستغلة فى كل ذلك غياب أى دور فاعل للنخب العربية الموجودة فى أوروبا، تلك النخب التى تم شراء الكثير من أفرادها من قِبل تلك الجماعات، بينما انقسم الباقون بغالبيتهم إلى فريقين، كلاهما صامت عن جرائم الإخوان وأشباهها، إما عن خوف ورعب، وإما عن يأس وإحباط وشعور بعدم الجدوى.
■ «ليالى الشمال» باكورة أعمال شركة «جادفيلد برودكشن» ومن كتابتك وإخراجك.. هل هناك أعمال جديدة ستقدمها الشركة قريبًا؟
- بالفعل «ليالى الشمال» باكورة الأعمال الدرامية التليفزيونية للشركة، ولكننا أنجزنا مؤخرًا فيلمًا سينمائيًا قصيرًا بعنوان «هوية»، يتعرض لموضوع الهوية التى غالبًا ما يفتقدها المهاجر أو اللاجئ فى مُستقره الجديد خارج بلده الأم.
كما نفذنا فيلمًا وثائقيًا طويلًا بعنوان الفرنسى Le petit-fils أو «الحفيد» يتحدث عن طارق رمضان، حفيد حسن البنا، الذى لاحقته خلال السنوات الماضية جملة من الفضائح الأخلاقية ورُفعت ضده جملة من قضايا الاغتصاب، وإن كان وثائقى «الحفيد» لا يقتصر فى سياقه على التحقيق فى جرائم طارق رمضان وسلوكياته اللاأخلاقية، بل يتعداها إلى والده سعيد رمضان وجده حسن البنا وقيادات أخرى عديدة فى جماعة الإخوان المسلمين.
وقمت بعمل استقصائى خلال الفيلم الوثائقى مع لقاءات مع مجموعة من الخبراء والشهود الذين كانت لهم علاقات وثيقة بطارق رمضان، والفيلم يعد وثيقة مهمة تفضح الجماعة وعناصرها ورموزها، وقمت بزيارة عدة دول لبناء الفيلم الذى تبدأ الشركة المنتجة الدعاية له مارس المقبل بـ٣ لغات «الفرنسية والإنجليزية والعربية».
أما عن المشاريع المقبلة خلال عام ٢٠٢١ فقد أدرجنا فى الخطة فيلمًا روائيًا طويلًا بعنوان «كاتب الأحلام» تدور أحداثه حول «جاد»، الذى نشأ فى ظروف قاسية جعلته يعانى ما يشبه حالة من التوحد الاختيارى، التى منحته لاحقًا قدرات خاصة.
كما أدرجنا عملًا دراميًا تليفزيونيًا من ٣٠ حلقة بعنوان «الحواة» تدور أحداثه فى الفترة ما بين عامى ١٩١٧ و١٩٣٦، وهو عمل اجتماعى يتعرض لفترة الانفلات الأمنى التى تلت مرحلة الاحتلال العثمانى لبلادنا العربية، وما تركه ذلك الاحتلال من آثار كارثية على مختلف الأصعدة.
■ تناول العمل رموز وعناصر الإخوان مثل طارق رمضان ويوسف القرضاوى وغيرهما.. هل ذكرت أسماءهم بشكل علنى؟
- لا يتناول «ليالى الشمال» هذه الشخصيات أو سواها اسميًا وبشكل مباشر، وإن كان يستلهم من سلوكيات رمضان والقرضاوى مثلًا لبناء شخصيتين دراميتين، إحداهما شخصية «طالب رضوان» وهى شخصية محورية فى العمل، يؤديها الفنان باسم مغنية، والأخرى شخصية الشيخ «يونس النجار»، وهى شخصية تطل بظهور خاص لتغيّر فى سياق الأحداث، كان من المفترض أن يؤديها الفنان القدير أحمد بدير، ثم حالت ظروف الحجر الصحى بسبب فيروس «كورونا» دون ذلك، كون التصوير كان مقررًا فى السويد، ونرجو خلال الأيام المقبلة أن نستطيع التنسيق مع الفنان أحمد بدير لنقل تصوير كتلة المشاهد تلك إلى القاهرة، إذ لم تتبق لنا لإنهاء تصوير العمل نهائيًا سوى هذه المشاهد.
ومسلسل «ليالى الشمال» دراما اجتماعية مفترضة، يستوجب بناء أحداثها وحبكتها الدرامية خلق شخصيات مكثفة تحمل كل منها جملة من الأبعاد النفسية والفكرية والمجتمعية تنتج جملة من السلوكيات، التى تخدم السياق الحكائى بالدرجة الأولى. وبالتالى لا يمكن ربط كل ما تقوم به الشخصيات الافتراضية فى العمل من سلوكيات بالشخصيات الواقعية، وإن كان كثير من تلك السلوكيات له أساس فى الواقع.
فليس العمل توثيقًا وليس عملًا يندرج ضمن إطار السيرة الذاتية لشخص موجود واقعيًا، وكان من الصعب جدًا أن يكون كذلك، لأن معظم الجرائم الكبرى التى ترتكبها قيادات الإخوان المسلمين يتم تنفيذها عبر أفراد أو مريدين أو تابعين غالبًا ما تدفعهم القيادات لارتكاب تلك الجرائم عبر آليات معقدة تضمن قدرة القيادات على التنصل من مسئوليتها عن تلك الجرائم بعد وقوعها، لتترك مرتكبى الجرائم الذين غالبًا ما يكونون من السذج الجهلة لمواجهة مصيرهم المحتوم منفردين.
هذا بالتحديد ما نعرض له فى العمل، محاولين فضح تلك الآليات المعقدة التى استطاعت قيادات الجماعة عبرها البقاء فى منأى عن أى مساءلة قانونية حيال جرائم هى من أفتت بها وخططت لها وموّلتها وتابعت عمليات تنفيذها عن بُعد.
■ ما الأساليب التى تستخدمها جماعة الإخوان وتنظيمات الإسلام السياسى فى تجنيد العناصر؟
- لا شك أن الاتجار بالدين هو الأسلوب الرئيسى الذى تستخدمه تلك الجماعات فى الإيقاع بفرائس يتحولون ليصيروا عناصر فاعلة فى الجماعة، عناصر تنفذ- عن وعى أو عن غير وعى- الأجندة التى تضعها وتستفيد منها القيادات، ومع ذلك فإن هناك أساليب أخرى أهمها المكتسبات التى تقدمها تلك الجماعات لعناصرها.
ولطالما عملت جماعة الإخوان مثلًا، ومنذ تأسيسها، على تنمية الشعور بالاضطهاد لدى الشباب العربى المسلم، مستفيدة من تقلقل الظروف السياسية والاجتماعية، ومن تردى الوضع المعيشى لهؤلاء، ولكن الحقيقة أن تلك الجماعة كانت أخطر مسبب لعدم الاستقرار السياسى والاجتماعى فى معظم دولنا العربية، كما أن الثقافة الرجعية التى كرستها كانت من أخطر أسباب تردى الوضع المعيشى لفئات واسعة من مجتمعاتنا، خاصة تلك الفئات التى استطاعت الجماعة التغلغل فى أوساطها وإغراقها بالجهل والتخلف والشعبوية.
لقد أفهمت جماعات الإسلام السياسى أتباعها بأن الأنظمة العربية وحكوماتها هى المسبب الوحيد لجميع العلل الاجتماعية، وأنها هى المسبب الوحيد لتردى الأوضاع المعيشية للناس. ولكن هذا غير صحيح، حيث إن الجهل هو المسبب الأول، الجهل الذى كرسته هذه الجماعات.
وحتى هنا فى أوروبا لا تزال تلك الجماعات تستخدم ذات الأساليب فى تجنيد عناصرها، زاد على ذلك إيهامها إياهم بأنهم محارَبون من قبل الأوروبيين غير المسلمين كأفراد، ومن قبل الحكومات الأوروبية المتحالفة مع الأنظمة العربية والحكومات العربية كمجتمعات وأوطان أصلية. وبأنها هى وحدها القادرة على حمايتهم والانطلاق بهم وبالدين الإسلامى لغزو العالم.
■ بأى طريقة حدث تسللهم إلى المجتمعات الأوروبية؟
- كلمة السر التُقية، ذلك المبدأ الذى يبيح لهم أن يظهروا للآخرين غير ما يضمرون.
ميزة قيادات الإخوان الأساسية أنهم مصلحيون وبراجماتيون بطريقة تثير الدهشة، كما أنهم يجيدون التمويه واللعب على المتناقضات، يساعدهم فى كل ذلك الولاء الأعمى للأتباع، ذلك الولاء الذى يعطيهم مكانة اعتبارية بصفتهم ممثلين لقواعدهم الشعبية، ولكنه وبذات الوقت يحميهم من أى مساءلة شعبية أخلاقية أو حتى فقهية، كون الأتباع فى غالبيتهم العظمى من الجهلة ومغسولى الأدمغة.
هكذا استطاعوا، ومنذ تأسيس الجماعة عام ١٩٢٨ على يد حسن البنا، التمكن والتقدم والمناورة، فحتى فى مصر، بينما كان حسن البنا يحرض أتباعه ضد الملك فؤاد فى السر، كان يمتدح الملك فؤاد فى العلن، وعندما توفى الملك كتبت مجلة الجماعة عنه «مصر اليوم تفتقد بدرها فى الليلة الظلماء، مَن للفقير يروى غلته ويشفى علته، مَن للدين الحنيف يرد عنه البدع»، كذلك الحال مع الملك فاروق، الذى كان البنا وشركاؤه فى التأسيس يحرضون عليه العوام فى السر ليزيدوا من عدد أتباعهم، بينما كانوا فى العلن يصفونه بصفات مثل «حامى المصحف» و«حامى حمى الدين»، حتى إنهم وصفوه يوم حضر احتفالًا بعيد الهجرة النبوية بأنه «أعاد صورة سالفة، صورة الرسول الكريم حين طلع على أنصاره طلوع البدر». كما جاء فى كتاب «مَن قتل حسن البنا؟» للمؤرخ والصحفى محسن محمد.
ذات السلوكيات مارسها الإخوان فى الغرب وما زالوا يمارسونها، فهم يحرضون أتباعهم على الثقافة الغربية وعلى مبادئ كالديمقراطية والحريات الشخصية، لكنهم لا يجدون حرجًا فى استخدام تلك المبادئ لإيصالهم إلى غاياتهم الشخصية.
لقد قال الإخوان للغربيين نحن الأبرياء المسالمون المهجرون من بلادنا بسبب قمعية الأنظمة الحاكمة فيها، لكنهم لم يخبروهم بأنهم هم أول من أعمل القتل والتفجير والاغتيال فى تلك البلاد. فلم يتركوا للسلطات الحاكمة سوى خيارات التعامل الأمنى.
من ناحية أخرى، لم يكن الغربيون مخدوعين دائمًا، خاصة عندما نتحدث عن النخب السياسية وعن الأجهزة الاستخباراتية، التى تعرف عن تاريخ تلك الجماعة أكثر مما نعرف نحن، لكنها تعرف بالمقابل كيف تستثمر فى تلك الجماعة دون أن ينالها شىء من أذاها.
■ لماذا تسمح أوروبا بدخول أشخاص معروفين بانتمائهم لجماعة الإخوان؟
- ببساطة لأنها لم تكن تعتقد أن هؤلاء يشكلون خطرًا على مصالحها أو أمنها القومى، ولأنها كانت تجد فيهم وسائل ضغط على الأنظمة العربية والحكومات العربية، تحقق من خلالها مكتسبات سياسية واقتصادية.
لكن الحال بدأ بالتغير مؤخرًا، خاصة مع تنامى الفكر الانعزالى للمسلمين الأوروبيين الذى بدأت آثاره تنعكس سلبًا على المجتمعات الأوروبية، ومع تنامى الفكر العنفى والإرهابى الذى أدى إلى عدد كبير من العمليات الإرهابية التى أزهقت أرواحًا بريئة فى عدد من البلدان الأوروبية.
لقد انتبهت النخب الأوروبية لخطر الفكر الإخوانى، فبدأت فى التحقيق حول حقيقة الجماعة وأجندتها ونواياها تجاه الغرب، وما أسفرت عنه التحقيقات كان صادمًا لدرجة أنه أدى إلى تقلبات جذرية وسريعة فى طريقة التعامل مع هذه الجماعة، وما حدث مؤخرًا فى فرنسا خير دليل على ذلك.
■ ما جهات تمويل الإخوان وجماعات الإسلام السياسى؟
- قد يكون ما سأقوله مفاجئًا لكم وللسادة القراء، ولكنه ليس مجرد رأى انطباعى، بل هو خلاصة أعوام من البحث والتحقيق فى آليات عمل هذه الجماعات.
لقد وصلت بعض هذه الجماعات، مثل جماعة الإخوان، إلى مرحلة لم تعد فيها بحاجة لأى دعم اقتصادى خارجى، فلديها إمبراطورية اقتصادية ضحمة بنتها عبر عقود من العمل السرى والعلنى، مستفيدة من تغاضى الحكومات الغربية، ومن التسهيلات والدعم الذى قدمته بعض الدول، وفى مقدمتها قطر. إضافة إلى دول عربية عديدة أخرى دعمت تلك الجماعة مرحليًا من منطلق تقاطع المصالح تارة، ومن منطلق النكاية السياسية بدول معادية تارات أخرى.
جماعة الإخوان لديها الآن قدرات مالية ضخمة، ولديها مؤسسات اقتصادية تمتد من اليابان والصين إلى أمريكا مرورًا بأوروبا، وما هو معروف ومعلن عنه من تلك المؤسسات ورءوس الأموال لا يعدو كونه القمة المكشوفة من الجبل الجليدى. هذا على مستوى القيادات، أما على مستوى الأفراد والأتباع فغالبًا ما يجد هؤلاء استقرارهم المالى الشخصى من أعمالهم الشخصية، سواء كموظفين أو أصحاب مشاريع صغيرة.
■ كيف ترى دور مصر فى محاربة الإخوان وإدراجها فى لائحة التنظيمات الإرهابية؟
- لا شك أن لمصر الدور الأبرز فى فضح جماعة الإخوان المسلمين ومحاربتها، كونها البلد الذى نشأت فيه الجماعة وبدأت منه نشاطاتها، وكون مصر من أعرق الدول العربية وأرساها جذورًا حضارية وفكرية وثقافية.
عن نفسى لم أشعر فى حياتى بخيبة كتلك التى شعرت بها عندما استولى الإخوان على السلطة فى مصر بعد ثورة يناير، فقد كان وصولهم إلى السلطة فى مصر يعنى بالنسبة إلىّ بداية مرحلة دموية من تاريخنا العربى بشكل عام. وبالفعل فإن هذا ما حدث فى تلك الفترة، حيث جاء إعلان الجهاد فى سوريا من قبل الإخوان ليفتح بوابة الجحيم على أهلنا السوريين، إذ إن مئات الآلاف من الإرهابيين الذين استقدمهم الإخوان من مختلف بقاع الأرض دخلوا سوريا عبر تسهيلات قدمها لهم النظام الإخوانى التركى ليعملوا فى بلادنا القتل والإجرام، قبل أن يسلموا مناطق واسعة من البلاد للمحتل التركى ومن تلك المناطق قريتى «مارع».
ومع ذلك فإن مصر بعظمتها وحضارتها المتجذرة فى عمق التاريخ لم تخيب أملنا فنهضت من تحت الردم الإخوانى يوم ٣٠ يونيو ونفضت عن كاهلها الغبار.
وليس من السهل نسيان ما حدث فى سوريا ومصر وغيرهما من البلاد العربية التى حاول الإخوان المسلمون اغتصابها، وليس من السهل نسيان الدماء البريئة التى سُفحت والعذابات، ولكن لا حل إلا بالعمل من أجل بناء المستقبل الأقل بؤسًا.
أما عن دور مصر فى محاربة الإخوان وفضحهم ووضعهم على لائحة التنظيمات الإرهابية، فرغم أهميته الكبيرة إلا أن نتائجه ستظل ناقصة ما لم نوصَّل حقيقة هذه الجماعات للجهات الدولية والمجتمعات الغربية التى لا تزال مخدوعة بتلك الجماعة، وهنا يجىء دورنا كفنانين وإعلاميين ومثقفين.
■ من وجهة نظرك.. هل تطورت أيديولوجية الإخوان فى تلك الفترة؟
- لا أعلم إن كان يصح أن نطلق على العته الذى تروج له جماعة الإخوان المسلمين أيديولوجية، فغالبًا ما تكون الأيديولوجية رؤية فكرية واضحة ومنسجمة مع ذاتها حتى وإن لم تكن أخلاقية.
الإخوان المسلمون جماعة تستخدم كل طاقاتها لغسل أدمغة الأتباع وحشوها بأكبر كم ممكن من المغالطات الفكرية والمنطقية والأخلاقية، لتكون قادرة على التحكم بهؤلاء الأتباع فى مختلف الظروف والمواقف.
ولا أجندة للجماعة سوى تحقيق المكتسبات الشخصية للقيادات التى تعيش وعوائلها فى أماكن آمنة، منفصلة تمامًا عن الأتباع والضحايا.
■ ما الاقتراحات والتوصيات لوقف نفوذ الإخوان؟
- سلاح الإخوان الرئيسى كما أسلفت هو الجهل، والجهل لا يُحارَب إلا بالوعى والمعرفة.
يؤسفنى أن أرى أن الإخوان لديهم آلاف المنابر لتعميم الجهل والتطرف والكره، بينما يفتقر الكثير من منابرنا الإعلامية العربية الرسمية وغير الرسمية إلى المشروع الفكرى التنويرى الواعى، وينشغل بالسطحى والمبتذل حتى فى الأعمال الفنية.
والحرب اليوم حرب فكر ومعلومات، لا فائدة من أن نحارب التكفيريين والإرهابيين ما لم نعمل على تجفيف منابع الفكر التكفيرى والإرهابى.
أخيرًا أتمنى أن تلتفت الدول العربية والحكومات العربية لأبنائها المهاجرين واللاجئين وألا تقطع حبل السرة معهم لتتركهم عرضة للاستغلال من قبل جماعات تجندهم ضد أوطانهم وضد الإنسانية جمعاء.
ماذا عن الطريقة التى خدع بها طارق رمضان ويوسف القرضاوى المجتمع الغربى؟
- طارق رمضان ويوسف القرضاوى من أبرز الشخصيات التى استطاعت اختراق المجتمعات الغربية، بسبب الغطاء السياسى والاقتصادى الذى وفره لهما النظام القطرى، بالإضافة إلى الغطاء الإعلامى الذى تكفلت به شبكة الجزيرة وغيرها من المافيات الإعلامية القطرية والإخوانية.
من جهة أخرى هناك شبكة واسعة من المؤسسات الإعلامية والاجتماعية والاقتصادية التى أوجدتها جماعة الإخوان فى أوروبا، وليست هذه المؤسسات كلها تتبنى علانية الفكر الإخوانى، بل إن كثيرًا منها ينكر أى علاقة تجمعه بالإخوان.
وجماعة الإخوان استطاعت شراء عدد كبير من النخب العربية المحسوبة على التيارات العلمانية والليبرالية، وعينتها واجهات صورية لمؤسساتها. كما أنها اشترت شخصيات أوروبية وغربية فعلت معها ذات الشىء.