رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نهاية أيمن نور الروسى


بحضور دبلوماسيين أمريكيين وغربيين، عوقب الروسى أليكسى نافالنى بالسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة، وهى عقوبة سابقة كانت موقوفة التنفيذ، فى قضية اختلاس أموال عامة، وقضى الحكم الجديد بتنفيذها لأن المذكور «تهرّب من العدالة» و«لم يلتزم بتسجيل حضور دورى لدى قسم الشرطة المختص»، طبقًا لما قاله الادعاء، وأخذت به المحكمة.
دفاعًا عن نفسه، دفع «نافالنى» بأنه كان يخضع للعلاج فى ألمانيا، بينما أصرّ الادعاء على أنه «كان يتنزه ويمارس الرياضة ويجرى اللقاءات التليفزيونية، ما يعنى أنه كان قادرًا على العودة فى وقت سابق»، إذ كان قد عاد إلى روسيا فى ١٧ يناير الماضى، بعد شهور قضاها فى برلين. ومن هناك، اتهم «فرقة اغتيالات» تابعة للمخابرات الداخلية الروسية، إف إس بى، بتسميمه بأمر من الرئيس الروسى شخصيًا. وقام الاتحاد الأوروبى بفرض عقوبات على مسئولين رفيعى المستوى فى روسيا بزعم تورطهم فى تلك الجريمة.
أليكسى أناتولييفيتش نافالنى، رجل أعمال، ناشط سياسى، ومدوّن روسى، بدأ تاريخه النضالى فى ٢٠١١ بعد سنة قضاها فى الولايات المتحدة، درس خلالها فى جامعة «ييل»، فانضم إلى ما يوصف بـ«مجلس تنسيق المعارضة الروسية»، وأعلن عن تأسيس «حزب التحالف الشعبى»، ووقتها قال لوكالة «رويترز» إن نظام «بوتين» يترنح، وإن روسيا قد تواجه ثورة تُشبه «ثورات الربيع العربى» خلال خمس سنوات. ثم مرت عشر سنوات، دون أن تشهد روسيا ربيعًا، أو خريفًا، ودون أن يتأسس حزبه، الذى لا يزال تحت التأسيس!
القضية الأساسية، قضية الاختلاس، تعود إلى سنة ٢٠٠٩، حين كان «نافالنى» يعمل مستشارًا لمحافظ مقاطعة كيروف وقام مع شريكه رجل الأعمال بيوتر أوفيتسيروف بتأسيس شركة خاصة لتجارة الأخشاب، واستغل موقعه الوظيفى لإبرام صفقة بين شركته وشركة حكومية، اشترت بموجبها الأولى من الثانية شحنات بأسعار منخفضة، وأعادت بيعها بأسعار السوق، الأمر الذى أدى إلى تكبد الشركة الحكومية خسائر مالية كبيرة، تم تقديرها بـنصف مليون دولار.
قرب مبنى المحكمة، رصدت الكاميرات، أمس الأول الثلاثاء، سيارات تابعة لسفارات الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، كندا، الدنمارك، النمسا وغيرها. وعليه، أشارت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية إلى أن تواجد دبلوماسيين أجانب فى جلسة المحاكمة ليس من «العادات الدبلوماسية» بل هو «تحرك ذو طابع سياسى»، ورأت أن الغرب فضح نفسه بهذه الخطوة. ولم تستبعد زاخاروفا «أن يكون الغربيون تعتريهم مخاوف قوية من الكشف عن مصير ملايين الدولارات التى ضخوها لتغذية النشاطات المخالفة للقانون فى روسيا».
أيضًا، أعرب ديميترى بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، عن استياء موسكو من انتهاك «اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية»، مؤكدًا أن الدبلوماسيين الأجانب غير مسموح لهم، بأى حال من الأحوال، بالتدخل فى الشئون الداخلية لروسيا، و«لا يجوز لهم القيام بأى تصرف يمكن تفسيره بأنه محاولة للضغط على القضاء المستقل». وأضاف «بيسكوف» أن «موسكو ليست مستعدة للاستماع إلى التصريحات التوجيهية من الخارج».
فى المقابل، زعمت السفارة الأمريكية فى موسكو أن «حضور دبلوماسيين جلسات محاكمة شخصيات سياسية، مجرد ممارسة دبلوماسية عادية». وحملت ردود السفارة البريطانية وعدة سفارات أوروبية مزاعم شبيهة. ثم قال أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى، فى بيان، إن بلاده ستنسق مع حلفائها وشركائها لمحاسبة روسيا على عدم احترامها حقوق مواطنيها. ووصف دومينيك راب، وزير الخارجية البريطانى، حكم القضاء الروسى بـ«المنحرف»، واتهم روسيا بأنها لا تفى «بالحد الأدنى من التزاماتها التى يتوقعها أى عضو مسئول فى المجتمع الدولى».
الاستقواء المكشوف بالولايات المتحدة، كان واحدًا من الحبال التى شنق بها «نافالنى» نفسه، إذ كان «صندوق مكافحة الفساد» التابع له، قد وجه رسالة إلى الرئيس الأمريكى جو بايدن تطالبه بفرض عقوبات على ٣٥ شخصًا «مقربين من الرئيس الروسى». وجاء فى الرسالة أن «نافالنى» دعا منذ سنوات إلى فرض عقوبات على الذين «يساعدون ويحرضون بوتين» على اضطهاد «الساعين إلى التعبير عن آرائهم بحرية وكشف الفساد»، وأضافت الرسالة أن العقوبات الحالية «لا تستهدف عددًا كافيًا من الأشخاص». وتأسيسًا على ذلك، قال المتحدث باسم الكرملين إن الصندوق أثبت أنه عميل أجنبى فعليًا وقانونيًا، وأكد أن هذا الأسلوب لن يحقق أى نتيجة.
.. وأخيرًا، ما زلنا لا نعرف على أى أساس يوصف أليكسى نافالنى بأنه «زعيم المعارضة الروسية»، أو «المعارض الأبرز لفلاديمير بوتين»، بينما يقول الواقع إنه ممنوع من ممارسة حقوقه السياسية، ومن بينها الترشح لأى انتخابات عامة، قبل سنة ٢٠٢٨، إضافة إلى كونه نسخة، تكاد تتطابق، مع أيمن نور وغيره من العملاء الأغبياء، الذين خلعوا كل ملابسهم، مراهنين على أن مستعمليهم يستطيعون تغطية ظهورهم، فلما خاب رهانهم، انكشفت عوراتهم وسوءاتهم و«بلاويهم»، وفاحت رائحة مؤخراتهم النتنة.