رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المخابرات العربية المتحدة


العمل المخابراتى الأول فى التاريخ، قام به المصريون، خلال القرن الخامس عشر قبل الميلاد، فى عهد الملك تحتمس الثالث. وفى عهد الزعيم جمال عبدالناصر أسس المصريون، سنة ١٩٥٤، أقوى جهاز مخابرات عربى: المخابرات العامة المصرية. وعليه، كان طبيعيًا أن تصبح القاهرة، فى ٢٠٢١، عاصمة لأجهزة المخابرات العربية.

تحت عنوان «تحالف المخابرات العربية»، كتبنا منذ سنة عن «المنتدى العربى الاستخبارى»، الذى استضافته القاهرة، يومى ٢٢ و٢٣ فبراير الماضى، وناقش فيه رؤساء أجهزة مخابرات الدول العربية المخاطر والتهديدات التى تواجه أمننا القومى، وأبرزها مخططات التفكيك والتقسيم على أسس عرقية وطائفية، وإضعاف الدولة الوطنية، وتزايد التدخلات الخارجية فى دول المنطقة. كما بحثوا سبل تنسيق جهود أجهزة المخابرات العربية، وتكامل الخبرات فيما بينها، وتطوير آليات مكافحة الإرهاب والحد من ممارسات الدول التى تدعمه وتستخدمه.

بانتهاء أعمال المنتدى، استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى المشاركين فيه، وناقش معهم أبرز الموضوعات التى تناولوها فى اجتماعاتهم، وأفضل سبل مواجهة التهديدات على النحو الذى يراعى الأبعاد والخصوصيات التنموية، الاجتماعية، والثقافية للدول العربية، ويحقق لها الأمن والاستقرار. وأمس الأول الإثنين، وجّه رؤساء أجهزة المخابرات العربية التهنئة لمصر والرئيس على افتتاح مقر المنتدى، فى القاهرة، مؤكدين أهميته كمنصة لتعزيز العمل المشترك لصون الأمن القومى العربى من خلال تبادل الرؤى ووجهات النظر بشأن التعامل مع التحديات المتسارعة التى تواجه المنطقة، خاصةً مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف والجريمة المنظمة.

مع افتتاح مقر المنتدى، انعقدت دورة جديدة للمنتدى، شارك الرئيس، عبر الفيديو كونفرانس، فى أعمال جلستها الافتتاحية، وناشد المشاركين جميعًا بالتعاون والوقوف صفًا واحدًا لنبذ الفرقة وتجاوز أى خلافات من أجل إعلاء مصالح الأوطان والشعوب العربية.

بعد ترحيبه برؤساء أجهزة المخابرات العربية، والوفود المشاركة فى المنتدى، أكد الرئيس أهمية تفعيل المنتدى كآلية قوية وداعمة للتعاون المخابراتى الوثيق بين الدول العربية الشقيقة، إضافة إلى العمل على وضع منظومة متكاملة ومحكمة لمكافحة الإرهاب تعتمد على تقاسم الأدوار وتبادل الخبرات والتحديث والتطوير المستمر لآليات المواجهة فى هذا الشأن. كما شدد الرئيس على أهمية العمل الجماعى، فى إطار الأخوة العربية، على استعادة الاستقرار فى كل دول المنطقة، خاصة تلك التى تشهد حالة من السيولة وتعصف بها الأزمات وتسعى التنظيمات الإرهابية للاستقرار والتمدد فيها، مدعومة بقوى خارجية إقليمية ودولية تستهدف صناعة الفوضى من أجل السيطرة على مقدرات أوطاننا العزيزة.

تنسيق جهود أجهزة المخابرات العربية، وتكامل الخبرات فيما بينها، قد يتحقق بتحالف جزئى، نراه وشيكًا وضروريًا، لأسباب عديدة أبسطها أن غالبية الحروب، التى شهدتها وتشهدها دول المنطقة، لم تكن مقصورة على العمل العسكرى التقليدى، وأن العدو، فى كثير من تلك الحروب، كان، ولا يزال، مجهولًا، أو يصعب ربطه بالتنظيمات الإرهابية التى يحركها. والشك فى ذكائك واجب، لو اعتقدت أن الإرهابيين يحركهم «المُعتقد»، ولا تحركهم أجهزة مخابرات دول، هى ذاتها التى تحرِّك العائلة الضالة التى تحكم قطر بالوكالة، وتستعمل حاكم تركيا المختل.

الاستخبار، بطرقه المتنوعة، يهدف إلى بناء منظومة أفكار تساعد على فهم الأخطار والتهديدات وإيجاد الوسائل المناسبة لمكافحتها أو التصدى لها، ولدول الاتحاد الأوروبى مركز مخابراتى مشترك، يتولى مهمة الإنذار المبكر بأى تهديدات عسكرية أو إرهابية محتملة، واستكمالًا لسياسة التعاون المنظم فى المجالين العسكرى والأمنى، وافقت دول الاتحاد، فى نوفمبر ٢٠١٧، على مشروع إقامة مدرسة للمخابرات، نصت وثيقة إنشائها على أن تقوم بتوفير التعليم والتدريب لموظفى أجهزة مخابرات الدول الأعضاء.

الارتياب فى الأهداف، أو النيات، حال دون نجاح التجربة الأوروبية وتحقيقها النتائج المرجوة، وربما حال أيضًا دون وجود تجربة عربية شبيهة، إلى الآن، ما يوحى بصحة المقولة المنسوبة للمخابرات البريطانية: «هناك دول صديقة، لكن لا توجد أجهزة مخابرات كذلك». والمقولة، كما نتصور، صحيحة نسبيًا، إذ إن رجال المخابرات يحاربون نظراءهم فى الدول المعادية، وينافسون زملاءهم فى الدول الشقيقة أو الصديقة. غير أننا نتمنى أن يختفى تنافس الأشقاء فى المنتدى العربى الاستخبارى إلى أن تستعيد كل دول المنطقة استقرارها، ويتم وضع المنظومة المتكاملة والمحكمة لمكافحة الإرهاب، ونكسر أنياب الدول والقوى المعادية التى تدعمه وتستعمله.

من يعرف عدوه يعرف نفسه، وفى كتابه الشهير «فن الحرب»، أشار صن تزو، الذى عاش فى القرن الخامس قبل الميلاد، إلى أن القائد المدرك يمكن أن يخوض مائة معركة دون خطر، وأن يهزم العدو ويحقق إنجازات تفوق المألوف بفضل الاستعلام المسبق، موضحًا أن القادة لا يحصلون على الاستعلام المسبق بواسطة الأرواح، أو القوى الخارقة للطبيعة أو بالحسابات الفلكية، وإنما عن طريق الرجال الذين يعرفون وضع العدو، أى رجال المخابرات.