رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دكتور عرفة عبدالرحيم يكتب: تلوث المياه.. الهموم والأوجاع

دكتور عرفة عبدالرحيم
دكتور عرفة عبدالرحيم

حسم الرئيس الأمر حينما أشار سيادته إلى وجوبية توقف الصرف للنفايات وعوادم المصانع بجميع نشاطاتها وتخصصاتها فى الأنهار والمصارف ليلفت الأنظار من جديد لأهمية الإشارة ودلالاتها لموضوع ينساه البشر أو يتناسونه.. إما عن إهمال أو تكاسل أو قلة اهتمام ومعرفة بالأهمية القصوى التى يشكلها موضوع التلوث والذى يشغل العالم قاطبة.

الإشارة واضحة يطلب منا سيادته إصلاح ما أفسدناه بأيدنا، فامتدت يد التلوث لتشمل كل شىء فى حياتنا.
فأصبح كل شىء ملوثًا، بداية من الغذاء والماء والهواء ناهيك عن الضوضاء التى تحيط بنا من كل حدب وصوب تلاحقنا أينما ولينا وجوهنا.. وأصبح الجو متطرفا فى حرارته متطرفا فى برودته.. واختفت كل مظاهر الطبيعة من مساحات خضراء وأصبح العالم يعانى من ويلات الثورة الصناعية العلمية.. والطفرة الحضارية الكبيرة وأثارها المدمرة بما تلقيه من حمم وعوادم تؤثر فى نهاية المطاف على كل الكائنات الحية وتدمرها.

البيئة: كل ما يحيط بنا وتشمل كل الظواهر الطبيعية والبشرية التى تؤثر ونتأثر بها من مناطق عمرانية نعيش فيها ومساحات نحط الرحال عليها وهواء نتنفسه ومياه نشربها.

تلوث المياه: المقصود به إحداث تغير أو إفساد لطبيعة المياه تتحول بعدها إلى سائل ضار ينتج عنه خلل لصحة الكائنات الحية وعلى رأسها الإنسان.

ولأهمية المياه للحياة الكونية سنفيض فى الطرح والتفسير.. فلقد ارتبط تاريخ الإنسان منذ البداية بالماء.. فخلايا الإنسان لا تستطيع الحياة إلا فى محاليل تشبه إلى حد كبير فى مكوناتها الأساسية المياه البدائية إضافة إلى أن الماء يشكل المكون الأساسى للجسم حيث يحتوى على ٧٠٪ من الماء ويحتوى المخ على حوالى ٨٥٪ ويختص الجلد لنفسه بـ٣٠٪ من مجموع الماء الموجود فى الجسم فالماء أساس الحياة وأعبر مكونات الجسم الحلى. فإذا وجد الماء وجدت الحياة بشكلها المعروف لنا جميعا «وجعلنا من الماء كل شىء حى».

ويتكون الماء من عنصرين هما الأيدروجين والأكسجين.. فالأيدروجين هو أغزر عناصر الكون كله ومنه تتكون كل السدائم والنجوم.. كما أن النجوم ومن ضمنها الشمس ما هى إلا كتلة هائلة من الأيدروجين فى حالة تفاعل وانفجار دائم.

أما الأكسجين فهو أصل الحياة على كوكب الزرض وخاصة الحيوانات العليا والإنسان والنبات حيث يستخدم الأكسجين لحرق المواد الغذائية الممتصة حتى تخرج الطاقة للخلايا الحية للقيام بعملها.
يحصل الإنسان على الماء عن طريق الشرب حيث يبدأ امتصاصه مباشرة من الفم والبلعوم والمرىء والأمعاء لتعويض النقص بسرعة دون أرار على الخلايا.. أيضا من مصادر المياه للجسم بعض الأغذية التى تحتوى على ميات كبيرة من الماء مثل البطاطس ٧٨٪ عيش الغراب ٩٠٪ الجبن البيضاء ٧٥٪ الأسماك الطازجة ٨٥٪ الخوخ ٧٨٪ لتر اللبن ٩١٪ وهذه النسب من المياه تمثل مصدرا آخر من مصادر المياه الحية داخل الجسم.

عند فقد الماء بنسبة قليلة تشعر بالعطش وجفاف الحلق والبلعوم نتيجة للجفاف الذى يحدث فى خلايا الجسم كما يحدث نتيجة تناول الأطعمة الحريفة أو الحديث لفترة طويلة أو التعرض لظروف نفسية ويحدث العطش فى بعض الأمراض حيث تزيد لزوجة الدم مثل البول السكرى والفشل الكلوى.

وبناء على ما سبق يتبين لنا أن الجسم الحى يعتمد اعتمادا كليا على الماء لأن مقاومته لفقدان الماء ضعيفة واهية مقارنة بفقدان الطعام لمدة أطول بكثير لذا فإن الماء أصبح أهم مكونات الطبيعة لاستمرار الحياة.

هموم وأوجاع تلوث المياه:
همومنا بما اقترفته أيدينا من تلوث البيئة بكل أنواع الملوثات منها المعادن الثقيلة والسامة مثل الرصاص والنيكل والزئبق والكروميوم والكادميوم والألومنيوم والذى أدى بدوره إلى زيادة المعادن الثقيلة فى الماء والغذاء والهواء إضافة إلى الاستعمال الأرعن للمبيدات الحشرية فى الزراعة وإذا أخذنا الرصاص كمثال سنجد أن نسبة تلوث هواء القاهرة بالرصاص تزيد على ١٢٠ ميكروجرام بينما المعدل العالمى ٤٠ ميكروجرام أدى حوالى ثلاثة أضعاف المعدل المسموح به فى العالم ونتيجة لذلك ترتفع نسبة الرصاص فى دم عدد كبير من الناس والخطير أن خلايا وأنسجة الكلى لها قابلية تخزين الرصاص مما يؤدى إلى تدمير خلاياها بمرور الوقت.

أوانى الألومنيوم: استعمال أوانى الألومنيوم وانتشار الأوانى الرخيصة والتى يتم صنعاتها من صهر الألومنيوم المستخرج من القمامة كعلب العصير وخلافه وتتركز المشكلة أن أوانى الألومنيوم لها خاصية طرد محتواها من الألومنيوم وذوبانه فى السوائل خاصة بعد الغلى يؤدى إلى زيادة نسبة هذا المعدن فى دم الإنسان وبالتالى تراكمه فى الخلايا كما يحدث عند غلى المياه والألبان فى هذه الأوانى.

لذا فإن الحفاظ على البيئة والحرص على نظافتها يمثل أحد السدود التى تعترض حق الناس فى صحة جيدة.

وتتعرض المسطحات المائية للتلوث بالرصاص نتيجة إلقاء الفضلات والنفايات فيها ثم تقوم التيارات المائية بنقل هذه السموم والمياه الملوثة بالرصاص من مكان إلى آخر يم يتركز الرصاص فى لحوم الأمساك والأحياء المائية ومنها إلى الإنسان حيث تزيد نسبة الرصاص داخل الخلايا مما يؤدى إلى هلاكها بمرور الوقت، ولا يقتصر التلوث على المياه السطحية بل يشمل أيضا مياه الأعمال.

من أجل ذلك انعقدت أول قمة للبيئة والمناخ فى جنوب أفريقيا العام ١٩٩٢ والتى ناشدت العالم المحافظة على البيئة، لكن الجزء الأكبر يقع على عاتقنا نحن البشر والاقتناع بأهمية الحفاظ على البيئة لصالحنا كمواطنين نؤثر ونتآثر بتجاهل هذا البعد فى حياتنا اليومية.

يظهر ذلك بوضوح فى السلوكيات الخاطئة من جانب المواطنين فى زيادة نسبة التلوث التى نشكو فى النهاية من تأثيراتها السلبية على صحتنا بدءا من تلوث مياه النيل وما نلقيه من فضلات وإلقاء مخلفات المصانع وعوادم السيارات مرورا بحرق المخلفات وما يتبعه من تلوث الهواء إلى استعمال مكسبات الطعم والمواد الحافظة للأطعمة كل هذه الملوثات تصب فى منبع واحد إما المياه أو الهواء.

ففسد الغذاء وفسدت المياه وأصيب الناس بكثير من العلل والأمراض فهل نستيقظ من رقدة العدم.. ونصلح بأيدينا ما أفسدته أيدينا.