رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جلال برجس: الراوية بعد كورونا ستبنى على تأمل الإنسان لذاته وأدوات جديدة (حوار)

جلال برجس
جلال برجس

أصدر العديد من الروايات ووصل للقائمة الطويلة للبوكر، كما حاز العديد من الجوائز، هو الروائي الأردني الشهير جلال برجس، والذي التقيناه وكان هذا الحوار..

- عنوان روايتك الجديدة (دفاتر الوراق) يحيلنا إلى أن هناك ما كتب بأبعاد مختلفة بناء على الدفاتر، هل هذه رؤية متعددة الجهات؟

بما أنني أكتب رواية فإني أعي أن هذا النوع الأدبي مبني على الصراع والزوايا المتعددة للسرد، وبالتالي تعدد الأصوات، لهذا اتكأت الرواية على ما دُون في عدد من الدفاتر وبالتالي رصد الحدث الروائي بإيقاعات لغوية مختلفة، وأمكنة، وشخوص، وأزمنة، هناك فرق بين الحكاية والرواية إنها صورة من زاوية واضحة للحياة، صورة يحدث فيها كل شيء: الأحلام، الخسارات، البهجات، ومستويات فهمنا لوجودنا.

- من هو وراقك في هذه الرواية؟

إنسان مؤمن بجدوى الثقافة لهذا تمترس في كشك لبيع الكتب في وسط البلد في العاصمة الأردنية عمان مقابل كل التبدلات التي تحدث بشكل متسارع، هذه التبدلات التي جعلته يمنى بلوثات نفسية تدفع به إلى أن يكون مجرمًا أمام تساؤل إشكالي: هل يمكن لحمولتي المعرفية أن تحسم هذا الصراع؟ إنه مثال للشخصية الضحية الذي يفكر بأن ينتقل إلى منطقة الجناية.

- بما أنك تتحدث عن التبدلات المتسارعة، هل يمكننا القول أن روايتك رغم معاينتها لهم أردني قابلة لقراءتها من زوايا عربية؟

بالطبع فالتحولات طالت العالم كله، ولهذا قُرئت الرواية عربيًا بمستوى أرضاني، وهذا يقودني إلى أن القارئ إن وجد مساحة لروايته الخاصة فيما يقرأ سيؤمن بالرواية أكثر لأن فعل القراءة الحقيقي لا يقل شأنًا عن فعل الكتابة، في هذه المرحلة أعتقد أن العالم فعلًا تحول إلى قرية واحدة وبات يعاني همًا مشتركًا لهذا فإن كثير من الروايات ذات المشترك الإنساني قابلة للقراءة مهما كان طابعها الجغرافي والثقافي.

- اعتمدت في دفاتر الوراق على تصعيد عناصر التشويق، لماذا؟

حتى أحقق شرط المتعة الذي إن توفر سأضمن مضي القارئ في دروب النص وبالتالي أضمن أن أقدم له حمولة الرواية المعرفية، وأن أصل به إلى النقطة التي يمكن أن تضح عبرها مقولة الرواية الرئيسية والتي كانت وراء فعل كتابتها.

- هل تؤمن بالمشروع الروائي، وإن كان ذلك هل دفاتر الوراق امتداد لما سبقها من روايات؟

بالطبع أؤمن بذلك لأن الروائي ابن خبرته الحياتية، وغالبًا ما تتجه أفكاره نحو زاوية معينة، لكني أنهمك بتقديم فكرتي بأساليب وروى مختلفة، وهذا تحدي من تحديات الكتابة التي أخشى دومًا من التكرار فيها لهذا أعمد إلى التأني وتعدد الاشتغالات على نصي قبل أن يظهر للعلن.

- كم أمضيت وقتًا لتنجز هذه الرواية؟

مضى عليّ عامان في كتابتها، كان وقتًا يتخلله التحضير للفكرة، واختمارها، والتخطيط لها، ومن ثم الشروع بكتابتها الأمر الذي بالطبع تليه مراجعات عديدة، وإعادة كتابة، وحذف، وإضافة إلى أن وصلت النقطة التي يصعب معها تقديم أي شيء لما كتبت فكان النشر.

- هل من طقوس خاصة لديك للكتابة؟

ليس لي طقوسًا معينة في الكتابة كل ما يلزمني العزلة التي في أتونها يمكنني أن أعْبر إلى دواخل شخصيات الرواية وبالتالي أختط لها طريقًا لتقول ما تشاء فتأخذ الرواية شكلًا حرًا السرد بحيث تتعدد الزوايا والأبعاد فتضح الصورة، ففي كل رواية صورة أو لنقول مشهدًا عريضًا مستقطعًا من الحياة هو ما أود قوله وهو الرافع لفكرة العمل.

- في دفاتر الوراق محمول معرفي تجلى عبر تقمص بطل الرواية لعدد من الشخصيات الروائية المهمة عربيًا وعالميًا هل يمكننا القول أنه المحمول المعرفي ذاته لجلال برجس؟

ليس بالضرورة أن محمولات الشخصيات المعرفية هي ما أؤمن به لكن من جانب آخر أليست الرواية نتاجًا للخبرة الحياتية للكاتب إذا ما توفرت الموهبة وتلك الشرارة وراء اشتعال شهوة الكتابة؟ بالطبع نعم فنحن ننظر إلى العالم عبر تراكماتنا المعرفية، فحين تقمص ابراهيم دور سعيد مهران بطل رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ فهذا قد تأتى من إيمانه بما يؤمن به مهران حيال المجتمع وأزماته وربما أؤمن أنا بمؤمن به سعيد مهران، لكني لست على وفاق تام بكل ما يفكر به دكتور زيفاكو إحدى الشخصيات التي تقمصها بطل الرواية.

- نشرت هذه الرواية في بداية اجتياح كورونا للعالم، ألم تخش من تناقص فرص قراءتها في ظل ما يعانيه الناس جراء الجائحة؟

لقد راهنت على أولئك القراء الذين سيجابهون عزلة الكورونا بالقراءة، في البدء تأخر توزيع الرواية بسبب القيود الجديدة على الحركة لكنها فيما بعد وزعت ووجدت رواجًا طيبًا من جهة القراءة والنقاد. لقد جابه الكثير من القراء تلك العزلة القسرية بالقراءة وهذا فعل إنساني يعول عليه وبالتالي يزيدني إيمانًا من أن الثقافة مهما حدث ستبقى رهاننا الإنساني الأهم.

- بما أن كثير من سلوكيات الناس قد تغيرت أو أنها تتجه نحو ذلك جراء الكورونا هل ستتغير الرواية؟

من المتعارف عليه أن التبدلات الكبرى تفضي إلى تبدلات أكبر، وأن ما من زلزال إلا ويؤدي إلى انزياح في إحدى طبقات الأرض بما أنه جراء انزياح لطبقة أخرى، وتفشي وباء كورونا ومن ثم ما تمخض عنه من آثار سلبية على الإنسان بكل هذه الكارثية لابد وأن يؤدي إلى انزياحات كثيرة منها انزياحات على صعيد الرواية التي باتت في هذه الأيام من أكثر الأنماط الأدبية تداولًا على صعيد الكتابة والقراءة، ولا بد لما سيجيئ من انزياح تبدل إلا ويكون خارجًا على السائد لا مستمرًا به، لهذا أزعم أن الراوية بعد كورونا ستبنى على تأمل الإنسان لذاته وعبر أدوات جديدة ربما تُبقي على بعض ملامح ما كان منها إلا أنها ستكون ذات شكل ولغة وأسلوب جديد: رواية تأملية ستطرح المزيد من الأسئلة حول مصير الإنسان.